صنع العداء في سامراء

حدثني صديق من سامراء عن مجريات الأمور في مدينته، فقال: إن الشرطة من خارج المدينة قامت بالإستيلاء على المركز التجاري للمدينة بذريعة حماية عملية إعادة بناء مقام الإمامين عليهما السلام، فأستولت على مبان ومحلات إدارية وتجارية كثيرة من غير أن تدفع تعويضات لأصحابها الذين يعتمدونها في أرزاقهم ومعيشتهم عليها. واستمر يقول: أن الشرطة قد شغلت نفسها بما يعرف بعمارة العزاوي، وقد قام افراد منها بالرمي على كل من كانوا يرونه من محلات ومساكن، وقد خلت مناطق واسعة خوفا من الرمي العشوائي، بعدها ظهرت الحواجز الإسمنتية والمتاريس في مناطق بعيدة عن المقام وليس لها قيمة أمنية البتة، لكن لها قيمة تجارية وحيوية لسكان المدينة. وقبل ذلك كانوا قد أغلقوا الجسر الرئيس المؤدي الى بغداد لمدة ستة شهور، وقد بدا ذلك وكأنه حصار مطبق على المدينة وعقاب جماعي بسبب إعتداء على أفراد الشرطة لم يعرف مرتكبوه. تبدو هذه الأحداث وكأنها قد أتت بتوقيت خاطئ، فقد أعلن في 4 آب 2007 عن مقتل قيادي القاعدة المسؤول عن تفجيرات سامراء الأولى والثانية، والنتيجة الطبيعية المتوقعة لهذا الحدث هو الإنفراج، إلا أن ما حصل هو العكس فقد إزداد الإحتقان الذي دفع الناس للتساؤل عن صحة الإتهام وعن مسببات التصعيد.

AzzawiApr08
عمارة العزاوي في سامراء في نيسان 2008

إن إستقدام الشرطة من غير مناطق إدارتها الأصلية ينطوي على التعمد والتكلفة والمجازفة، وكان المفروض أن لا يتبع ذلك إلا بأضيق نطاق ولفترة قصيرة. إن استخدام الشرطة في محلات تواجدهم الأصلية هو الأساس في الحكم منذ نشأة العراق الحديث، وان اسلوب التصعيد هذا يؤدي بلا شك الى رؤية الأفراد الوافدين كدخلاء ويؤدي لردة فعل لا تحمد عقباها، تماما كما حصل مع قوات الإحتلال التي جاءت بحجة مكافحة الإرهاب والنتيجة أن الإرهاب قد إزداد وتدخلت جهات أجنبية لم تكن موجودة اصلا، لذا يخشى أن يعيد التاريخ نفسه وتزداد التطرفات المعاكسة التي تتسبب في إراقة المزيد من الدماء البريئة وتخلق “منطقة خضراء” جديدة في سامراء..

لكل فعل رد فعل مساوي ومعاكس بالأتجاه، والإحتقانات تولد العداوات وأستمرارها يرسخها. أن إستكمال البناء تحت هذه الظروف يرسخ الإحتقان ويصنع العداوات ويطبع العنف بحيث يصبح هو الأسلوب المتوقع في التعامل مع الجهات التي زرعته، لذا فقد إقتضى التنبيه الى وجود فسحة ضيقة من الوقت لإصلاح مثل هذا الوضع بتحقيق الإنفراج بفترة تسبق إكتمال ترميم المقامين الشريفين، وبالتحديد فنحن بانتظار قرارين حكوميين هما:

1-دفع التعويضات العادلة للمتضررين وإرجاع جميع المحال التجارية والعقارات الواقعة خارج المنطقة الأمنية والتي يجب أن تحدد علنا، وأن تدفع الأيجارات العادلة للمحلات الواقعة داخل تلك المنطقة حتى تعود الأمور الى مجاريها الطبيعية.

2-إستبدال قوات الشرطة بقطعات من الجيش النظامي لحماية المنطقة من الإرهابيين وعبثهم الإجرامي والتنسيق مع الشرطة المحلية حصرا لإحلال الأمن في مجتمع المدينة وإظهار النوايا الحسنة كي يصدقها الناس ويقبلوها حتى يتم التواصل مع المجتمع المدني. يلاحظ أن أفرادا من الشرطة في مناطق أخرى حين يطلب منها حماية الأرواح تدعي دوما بأنها غير مسؤولة عن مواجهة الإرهاب، وأن تحديد مهام الوزارات هو من مسؤولية رئيس الحكومة، لذا فنحن ننتظر من السيد نوري المالكي تحديد سياسة حكومته من دور الشرطة في مواجهة الإرهاب، أما أن يؤكد هذا الدور كما هو الحال في سامراء ويعممه على سائر أنحاء العراق أو ينفيه ويرسيه على عاتق الجيش النظامي. لكن تأجيل إتخاذ القرار سوف يؤدي الى فتح المجال أمام التدخلات الخارجية والمؤدية الى عدم الإستقرار وخلق أعداء جدد يثيرون المزيد من الفوضى في المجتمع العراقي.

Leave a Reply

You must be logged in to post a comment.