كلا يا أبا إسراء إن المركزية لا تأتي على حساب الديمقراطية

حدثني زميل في لقاء الثلاثاء الماضي عن رأيه في مركزية الحكم فقال: لو كان عندنا سلطة مركزية قوية لجاء تعداد السكان والأمان وتطبيع الأمور نتيجة لذلك. قلت: أن الأكراد لن يوافقوا على تقوية السلطة المركزية لخشيتهم من الإنتقام وأن المطالبة بها غير مجديه حاليا والأجدى بنا أن نطالب بإشراف الأمم المتحدة على التعداد والإنتخابات فالأولوية لإخراج المحتل من العملية السياسية ولبلورة الأرادة الوطنية بعيدا عن التأثيرات الخارجية بدلا من التعامل مع المحتل كوسيط أو سمسار سياسي ووجود المحتل في العملية السياسية هو السبب المباشر في عدم إجراء التعداد و عدم الإستقرار. ومن غريب الصدف أن تناقلت الأنباء في اليوم التالي خبر مطالبة رئيس الوزراء نوري المالكي بتعديل الدستور لصالح تقوية السلطة المركزية ومعارضة الأكراد وإتهامهم له بالدكتاتورية، ثم توالت المقالات في المواقع العراقية حول نفس الموضوع.

والحقيقة أن الصراع بين دعاة المركزية ودعاة الفيدرالية ليس وليد الساعة، بل هو قديم قدم قيام الدولة العراقية في أوائل القرن العشرين، بل هو أساس الصراعات السياسية بين الأحزاب الرئيسيةفي كثير من الدول العريقة في التقاليد الديمقراطية، وأن إدخال قرار الفيدرالية في الدستور العراقي ما هو إلا محاولة ساذجة لحسم الجدال قبل بداية الحوار حول شكل وكيفية الحكم، في حين إنه موضوع مفتوح للنقاش أمام الشعب في أي وقت إن شاء البعض أم أبى، و هو أساس الحوار الديمقراطي كما أسلفنا فإن لم نناقش المركزية والفيدرالية فلا فائدة من الديمقراطية. مع ذلك نجد أن الإنتقادات الكردية على جانب من الصواب والسبب يتلخص في كلمة واحدة: التفويض. أن الإنتخابات التي جائت بالحكومة الحالية لم تطرح بالمركزية كموضوع أساسي، لذا فليس هنالك تفويض بإتباع سياسة تقوية المركزية، وحتى لو لم نتفق على هذا فلا أعتقد أن هنالك تفويض من حزب الإئتلاف الموحد لهذا الطرح. أجل، إن رئيس الوزراء قد إكتسب شعبية يستحقها بجدارة لكن الشعبية بمفردها لا تهب التفويض في النظام الديمقراطي وكان الأحرى بالمستشارين أن ينتبهوا و ينبهوا لهذه النقطة.

أن الطريق الى تقوية المركزية أو تحديد شكل الفيدرالية لابد أن يمر بمرحلة التفويض الصريح بعد عملية التعداد والإنتخابات الخالية من التدخلات الخارجية وإملاآت الإحتلال، حينها يستطيع القادة أن يترجموا شعبيتهم الى تفويض لسياساتهم ودعواتهم لتعديل الدستور.

Leave a Reply

You must be logged in to post a comment.