داعش بين الخير والشر

تصرفات وقرارات الإنسان فيها الخير والشر متلازمان لبعضهما البعض ويتواجدان في جميع النتائج والأحداث.

التصرفات هي أمورت حصلت وتبين فيها مقادير الخير والشر، وقد نختلف في مقاييسها لكنها ثابتة في الماضي وتفاصيلها منظورة للباحث في الوقت الحاضر.

أما القرارات فهي تخص الأمور المستقبلية ولابد من إعتبار تعددية النتائج قبل الشروع في التنفيذ.

والتعددية واجبة في توقعات الخير والشر فهنالك عوائد وإحتمالات مختلفة ولابد من تقديرها مسبقا من أجل حساب العائد من الثواب والعقاب.

والدين، أي كانت عقيدتنا، هو مرجعيتنا الأخيرة في التحكيم بين الخير والشر أو الحق والباطل أو الحلال والحرام، وهو صحيح للمؤمنين في مقاييسه، فالنص الديني مطلق لا يتغير وينبغي الرجوع إليه بشكل ما في تصرفاتنا وقراراتنا.

وقد نكتفي بالرجوع للأحكام الدينية في مقاييس التصرفات والنتائج للأحداث الماضية لأنها تبدو ثابتة ومطلقة لكن لا يمكننا أن نكتفي بالدين في تحديد قراراتنا للمستقبل.

فالقرارات لها بدائل متعددة ويستوجب المقارنة في مقادير وتواقيت النتائج المتوقعة بين بدائل الخير من ناحية وبدائل الشر من ناحية أخرى. وهنا يأتي دور السياسة، فالسياسة تبحث في المقارنة بين البدائل الحاضرة والممكنة في المستقبل المنظور، ولا تهتم (عادة) بما هو حلال أو حرام. أي أن الأمور السياسية نسبية وليست مطلقة.

فالدين مطلق له حقوله الخاصة والسياسة نسبية لها إختصاصاتها وليس بالضرورة أن يختلطا أو يختلفا، كل منهما رافد يغذي قرارات الإنسان بماء مختلف.

فالأيمان ثوب فضفاض يتسع للكثير من الأحكام والتفاسير، فتداول الحكم بالمشورة وما يشبه الديمقراطية للخلفاء الراشدين من الإسلام وتداول الخلافة بالتوارث إسلام ورفض الخلافة والولاية في الأندلس إسلام والخلفاء العادلين والظالمين كلهم في الشرع سواسية. والتمييز بين العادل والأكثر عدلاً وبين الظالم والأقل ظلما لا يتم بالرجوع للدين وإنما بالمقارنات الموقوتة بينهم.

تأخذ الأمور منحى التعقيد حينما ننظر لحجج وأفكار التيارات الأسلامية المعاصرة وتبدو على أشد التناقض في تفسير السياسات الداعشية ، مثلا حين يعدم أحد أإمة المساجد في الموصل ميدانياً والسبب أنه لم يوافق على مبايعة “الخليفة” البغدادي لأنه لا يعرفه ولا يعرف أفكاره..وفسر القائد الميداني هذا العمل الشنيع بأنه إتبع السنة والحديث النبوي القائل: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الأيمان. والقائد الميداني هذا رأى منكراً في رفض البيعة للأمام البغدادي فغيره بقوة يده وقطع رقبته ..وبذلك فأنه في رأي القائد حكم ديني إسلامي مبرر..

ولايختلف الأديان والمتديينين في هذا، فمسيحيي جنوب الولايات المتحدة لم يدينوا منظمة الكو كلاكس كلان التي إقترفت أبشع الجرائم تحت راية الصليب المحترق، وبابا الفاتيكان لم يدين هتلر الكاثوليكي الذي حارب تحت راية الصليب المعقوف، والمراجع السنية التي لا تدين داعش والشيعية التي تساند دولة البراميل المتفجرة. وهذه جميعها أمثلة لسياسات دينية بالأسم لكنها في نهاية الأمر ليست أكثر من ختم تجاري لتمشية سلعة فاسدة ووشاح ساتر لتمرير لعبة الساحر.

وهنا صورة الحاخام قدوري، الذي أصبح فيما بعد عراب العنف وإستقصاء غير اليهود من الدولة العبرية، يشاهد هنا وهو يقدم تهاني العيد حوالي عام ١٩٢٢ أمام بلاط فيصل الأول رائد دولة المؤسسات في العراق، حيث تعايش اليهود مع غيرهم لآلاف السنين. قد تهم هذه الصورة السادة ذوي الإهتمام بتقدير سنة ولادة الحاخام حيث بدأ الشيب في شعره ! أي أن اليهودية لا تختلف عن غيرها من الأديان في إتساعها للخير والشر.

نرى أن الحكم النهائي على الأعمال السياسية لا يمكن الرجوع فيه إلى الدين رغم أنه يقع داخل ثوب الأيمان الواسع. والرجوع للدين في تبرير الشرور المرتكبة لأسباب سياسية ما هو إلا إستعمال في غير محله ومجادلة سياسية بحتة تنطوي على إحتقار عقلية المقابل.

Comments are closed.