العودة إلى سامراء: لماذا؟

ساهمت في إطلاق نداء العودة إلى سامراء الذي يدعو الولايات المتحدة إلى الإعتذار عن تواطئها مع الجناة في تفجيرات المراقد المقدسة عام 2006 ، ويدعو أيضا إلى تعويض أسر الضحايا وتصحيح مسار الديمقراطية في العراق.
وقد تسائل بعض الأصدقاء عن الأسباب الداعية لهذا النداء، لذلك أرغب في توضيح بعض النقاط:

1- ما هي العوامل التي تميز تفجيرات سامراء عن بقية الأخطاء الكثيرة التي إرتكبتها الولايات المتحدة في العراق؟
تتميز تفجيرات سامراء بأنها الأكثر صلافة وإمعاناً بالأذى بالعراقيين حيث أنها أدت إلى تفاقم الإستقطاب الطائفي وتصاعد قتل الأبرياء بدون أن يكون لها مبرر منطقي يصب في مصلحة العراق أو الولايات المتحدة. صلافة موقف الولايات المتحدة تتمثل في التأكيد على دافع الأذى الغير مبرر بالكلمات والأفعال، حيث أن الرئيس جورج دبليو بوش أكد بالكلمات في خطابين أن الجناة كانوا من المتشددين السنة في حين كان بالأمكان أن يصمت، وبالأفعال حيث طلب من وكالات الأنباء الأجنبية أن تمتنع عن نشر شهادات العيان التي تناقض السرد الكاذب، وكان بالإمكان أن تبتعد عن عمل وسائل الإعلام كما كان الحال مع الأعمال الإرهابية الأخرى. ويعترف الكثيرون بأن تفجيرات سامراء تشكل نقطة التحول في الإنفلات الأمني، لذا فأن التواطؤ مع الجناة يشكل شراكة أكيدة ومساهمة مباشرة في إحداث الضرر.

2- لماذا أطلق النداء الآن وبعد مرور الزمن الطويل على التفجيرات؟
أن المطالبة بالتعويضات بعد التفجيرات مباشرة كانت سوف تؤدي إلى تحويلها إلى حكومات الفساد وهدرها بدون أن تصل إلى مستحقيها، لكن حوادث التزوير والمقاطعة في إنتخابات 2018 وإنتفاضة تشرين الشعبية حققت واقعاً جديداً في سحب غطاء الشرعية من تحت حكومة الفساد، والنداء يطالب بتبني قنوات الأمم المتحدة لتوزيع التعويضات وليس عن طريق حكومات الفساد.

3- لماذا لا تطالب الجناة أنفسهم بالتعويضات؟ أليس هم الذين ضغطوا على الزناد؟
أن الجناة مجرمون كذابون يعتمدون على التمويه ولا فائدة من ملاحقتهم في الوقت الحاظر لأنهم أيضاً مفلسون..أما الولايات المتحدة فقد تواطئت مع الجناة بطريقة واضحة وشاركتهم أهدافهم، ومن ناحية أخرى فأسر الشهداء أكثر الجهات حاجة للدعم وأمرهم أهم من الإنتقام في الوقت الحاضر.

4- أين الشهود؟
أن هذا النداء موجه للمساندين العراقيين ومنهم شهود عيان وبإمكانهم التعليق على أحداث سامراء. أما الشهود الأجانب فسوف نعتمد على مصداقية وكالات الأنباء في تأكيد طلب حجب شهادات الشهود. أن وكالات الأنباء العالمية تعتمد على الصدق في نقل المعلومات وإذا أعطت تكذيباً في غير محله لحادثة حجب الشهادات وتلا ذلك بلاغ يكذب التكذيب فسوف تتأثر أسهم الوكالة سريعاً وتفقد مصداقيتها، وذلك لأن لا أحد سوف يصدق وكالة أنباء كاذبة. وهنالك طبعا الويكيليكس والمبلغين من المتقاعدين وغيرهم كثيرون إن شاء الله.

5- هل تدعو إلى جلاء القوات الأمريكية من العراق؟
ندعو إلى مغادرة القوات الأمريكية من العراق بعد دفع التعويضات المناسبة وتصحيح مسارها في تأمين العملية الديمقراطية. أن الرأي الذي يدعو إلى المغادرة الفورية للقوات الأمريكية هو كلمة حق يراد بها باطل. فالمغادرة الفورية تسهل على الولايات المتحدة للتملص من مسئوليتها في تفاقم أعمال العنف وفشل الديمقراطية في العراق.

وفي ضوء الأحداث الأخيرة المتمثلة في مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما من قبل مروحيات أمريكية، فحالنا حال العديد من أبناء الشعب العراقي لا نريد أن تكون بلادنا ساحة صراع، ولكن نظراً لضعف إمكانيات العراق في الدفاع عن نفسه ليس أمام حكامنا سوى التعامل مع كلا المعسكرين بسياسة الأمر الواقع. أن الولايات المتحدة قد تواطئت مع قاسم سليماني وأعوانه في وقت التفجيرات ولفترات طويلة، وحقيقة أن قرار قتله قد جائت من رئيس الولايات المتحدة دونالد طرمب شخصياً لا تعني أن سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق قد تغيرت بصورة جذرية، فالمسببات قد تكون وقتية أو لمجرد مساعدة طرمب في إعادة إنتخابه ومواجهة محاولات عزله من الرئاسة. أن نداء العودة إلى سامراء يهدف إلى الإعتذار وتعويض أسر الضحايا وتصحيح مسار الديمقراطية بغطاء من الشرعية الدولية وليس نتيجة للهيمنة العسكرية الأمريكية، ولذلك فلن تغير الأحداث ندائنا ولكننا نأمل أن تؤدي إلى إعادة النظر وإختيار الشرعية الدولية بدلا عن القوة العسكرية لإحلال الإستقرار والسلام في العراق.

Comments are closed.