حول شرعية المرجعية السياسية الدينية
تعرض صديقي الكاتب السياسي الدكتور حميد الكفائي لحملة شعواء على التويتر بسبب إنتقادة للسياسيين الذين يستندون في مواقفهم على مرجعيات دينية سياسية. وقد أرجعتني هذه الحادثة إلى الوراء ثلاثون عاماً حينما كنت أستمع لخطبة الجمعة في جامع في كندا، وكان الخطيب من أتباع حزب التحرير المعروف بمواقفه المساندة لحركة الإخوان المسلمين، وكان بعد الخطبة لقاء مع نخبة من الدعاة في داخل الجامع وسألني أحدهم إذا كنت أتبع أحد المرجعيات الدينية السياسية، قلت له كلا فقال لي لا يجوز ذلك وأي شخص ينبغي أن يكون له مرجعية. صدمني رأي هذا الشخص وتسائلت في ذلك الوقت إذا كان وجود المرجعية أصلاً متفقاً مع مبادئ الديمقراطية والتصويت الحر النزيه في الإنتخابات.
عادت ذكريات الحادثة القديمة إلى السطح عام 2013، حين أزيح الرئيس المصري المنتخب الراحل الدكتور محمد مرسي من الرئاسة، وكان السبب المفهوم في حينها أنه كان يلبي توجيهات مرجعيته بحذافيرها في إحلال الموالين له محل الإداريين في جميع أقسام الدولة، ثم تحدى سلطة قادة الجيش القدامى وهدد بإقالتهم، مما دفعهم بالإنقلاب عليه قبل أن تسنح له الفرصة بإقالتهم. وكان من الواضح هنا أن دور المرجعية السياسية الدينية كان مفاجأة غير متوقعة ولم يكن في حسابات الناخبين الذين صوتوا لمرسي في الإنتخابات.
لذا فالتساؤل المشروع هو: هل يحتفظ تفويض المنتخب بشرعيته بدون معرفة الناخب بحيثيات مرجعيتة؟
أوببساطة، يحق للناخب الذي صوت للمرشح الذي يضمر مرجعيتة أن يتسائل: أنا إنتخبت محمد مرسي أم مرجعيته؟
وقد يعتقد البعض بأن تأثير المراجع الدينية على الساسة المنتخبين هو أمر يخص المجتمعات العربية الخاضعة لسلطة رجال الدين دون أن يكون لها مثيل في الديمقراطيات المتقدمة، لكن هذا خطأ. يحضرني خطاب لرئيس الولايات المتحدة الراحل جون كنيدي بعيد إنتخابه عام 1960، وهو أول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة ذات الأغلبية البروتستانتية. دافع الرئيس الراحل عن نفسه بشدة أمام إنتقادات وتوقعات البروتستانت بأنه سوف يخضع لتوجيهات البابا أو للقساوسة الكاثوليك الذين يعملون على إضفاء صبغة دينية على آرائهم السياسية، تماما كما هو الحال في مجتمعاتنا في الوقت الحاضر.
يقود هذا التساؤل إلى البحث عن حل يناسب مجتمعاتنا، فلا نحن قادرون على قبول ضرورة وجود مرجعيات لعامة الناس ولجميع المرشحين ولا نحن قادرون على تقبل مبدأ الفصل الكامل بين الدين والسياسة على طريقة الرئيس كندي كشرط لممارسة الخدمة العامة.
أن العلاقة بين الناخب والمنتخب هي عقد إجتماعي، فالناخب يعطي صوته، والذي هو بمثابة تفويض، للمرشح لكي ينفذ ماوعد به وقت الإنتخابات، فإذا لم ينفذ وعوده أو تصرف خارج هذه العلاقة المتبادلة فقد أخل بالعقد.
وبالنظر لما حصل في الإنتخابات السابقة في العراق أدعو إلى جعل الإشارة إلى شخصية المرجعية التابع لها المرشح (إن وجدت) أمرا لازماً في جميع الإعلانات الإنتخابية، بشرط القبول المسبق الموثق لهذه الشخصية، وأن يعتبر إنتخاب هذا المرشح تفويضاً رسمياً مزدوجاً له ولمرجعيته وبالإضافة إلى علاقته برئاسة الحزب الذي ينتمي إليه.
وبذلك تعامل المرجعية ذات التوجهات السياسية كمساهم فعلي في الإنتخابات له من الحقوق وعليه من الواجبات ما يلزم، ويمارس عمله بالشرعية الإنتخابية وبما يقتضيه من إتفاق بينه وبين المرشح المنتخب.