الذكرى السنوية الصعبة لميلاد جبهة 22 تموز المتعددة الطوائف في العراق بقلم: ريدار فيسر

منذ عام مضى وفي يوم 22 تموز 2008 ولدت احدى أكثر الإتجاهات السياسية وعدا على الساحة العراقية منذ 2003، وسميت من حينها بقوى 22 تموز. وكان الحدث الذي يربط هذا التاريخ بالحركة السياسية الوليدة هو التصويت الذي جرى في ذلك اليوم في البرلمان العراقي حول قانون الإنتخابات المحلية والذي إتحدت فيه عناصر من الصدريين والفضيلة وبعضا من الدعوة ومن الأعضاء المستقلين من الإئتلاف العراقي الموحد، وكذلك من العلمانيين والأحزاب ذات الإتجاهات السنية وكلها إجتمعت لكي تدعم حزمة من الترتيبات الإنتقالية المقترحة حول مدينة كركوك و لكي تناقش المواضيع الخاصة بالتجاوزات الكردية في المدينة المتنازع عليها.

ويمكن الجدال بالطبع بأن هذه الجبهة هي في الواقع أقدم بكثير. فمن عدة نواحي يمكن القول بأن تحالف 22 تموز ما هو إلا واحد من عدة أمثلة لإتجاهات متعددة الطوائف للمعارضة والتي في أساسها ترجع في الزمان الى التحالفات المبكرة على صعيد وطني عراقي بين جماعات المقاومة السنية والمقاتلين الصدريين عام 2004. وبالتأكيد يمكننا الجدل بأن هذه النزعة هي جزء من الإستمرارية الطبيعية للسياسة العراقية في مجراها الإعتيادي منذ 1920 ومرورا بأوائل الستينات، حينما كانت القاعدة أن يساهم السنة والشيعة في الأحزاب السياسية معا، مثلا كانت العناصر الشيعية في حزب البعث قوية في البداية. وفي هذا السياق تبدو السياسة العراقية في حقبة ما بين 2003 و 2007 هي الإستثناء وليست القاعدة_كفترة سيطرت عليها أفكار بول بريمر والعائدون من العراقيين المبعدين، والتي تميزت بالطائفية بشكل علني على نطاق لم يسبق له مثيل في العراق.

ومن ناحية أخرى فليس من المحتمل أن يلاحظ هذه الذكرى الكثيرون في العالم الخارجي. والسبب البديهي هو في أن هذا التحالف يبدو في حالة سبات بإضطراد ولا يوجد إلا القليلين من الذين لا يزالوا يستعملون إسم 22 تموز، وكانت إنتصاراته الأولى باهرة، حيث أن أحدى المكونات المبشرة بهذه الحركة أمنت تاريخا مثبتا للأنتخابات البرلمانية في 2009 وذلك من خلال التصويت على قانون السلطة المحلية في فبراير شباط 2008. وفي خريف 2008 وعلى الرغم من معارضة رئاسة الدولة، نجح العديد من الأحزاب نفسها في إبقاء كركوك على جدول الأعمال وتجنبوا إجراء الأنتخابات المحلية هنالك في ظرف يعتبره الكثيرون من السكان المحليين غير موافي للشروط القانونية. ولكن جاء بعد ذلك التصويت على الإتفاقية الأمنية في نوفمبرتشرين الثاني 2008، وإزاحة رئيس البرلمان محمود المشهداني في ديسمبر كانون الأول 2008 والذي كان عضوا مخلصا لمجموعة 22 تموز، ثم إنتخاب أياد السامرائي رئيسا جديدا للبرلمان في إبريل نيسان 2009.وبغض النظر عن الإتجاهات المعاكسة على الصعيد المحلي والتي أنعكست في نتائج الإنتخابات المحلية في يناير كانون الثاني 2009، كل هذا يبدو وكأنه رجوع للسياسات القديمة في أعوام من 2003 الى 2007 في داخل البرلمان العراقي، وتحكم الأحزاب التي تريد أن تعمق نزعتها الطائفية، حتى حينما يتعاونوا مع الآخرين، بدل أن تتجاوز الطائفية.

واليوم هنالك واحدة من أوضح بقايا حركة 22 تموز ربما هي التعاون المتزايد بين رئيس البرلمان السابق المشهداني وقيادي حزب الفضيلة نديم الجابري، والذين يقوموا بقيادة التيار الوطني المستقل ذو الرسالة الرافضة للطائفية منذ يناير كانون الثاني 2009. وهنالك تقارير عن مساندة قوميين مثل خلف العليان وصالح المطلك، وكذلك عن محاولات لجذب قيادات عشائرية من سائر أنحاء العراق. لكن من ناحية أخرى هنالك علامات بأن الصدريين، الذين كانوا جزءا حيويا من تحالف 22 تموز، قد ينساقوا للرجوع في إتجاه التحالف الشيعي،الإئتلاف العراقي الموحد الذي يخضع هذه الأيام لعملية إعادة بناء لكي يظهر أمام الناخبين في مظهر الوطنية قبيل الإنتخابات البرلمانية القادمة. حيث أن الصدريين قد إرتدوا عن مواقف 22 تموز في مناسبتين حاسمتين في 2009، وهما حين ساندوا السامرائي لرئاسة البرلمان في أبريل نيسان ومؤخرا حين قيل عن إنضمامهم للسامرائي حول قضية كركوك، وذلك عن طريق مقاومتهم، من خلال قيادتهم للجنة القانونية في البرلمان، للقوانين التي تعطي قضايا كركوك معاملة خاصة في الأنتخابات البرلمانية القادمة.

ولكن إحدى قواعد الدعم لهذا الوريث لحركة 22 تموز ربما تكون سببا في سقوطه، فالموضوع الذي أظهر الحركة قبل عام كان حول مدينة كركوك والمطالبة بالمشاركة في السلطة الإنتقالية لحين إجراء الإنتخابات. حيث أن التركيز على المحاصصة في كركوك في حينها قد إعتبره الكثيرون على أنه متناقض وعلى عكس الأهداف الوطنية العامة لجبهة 22 تموز وعزمها على رفض محاصصة كهذه، وقد تكون الطبيعة المؤقته لهذه الإجراءآت الإنتقالية قد خففت من وطأة هذا الإنتقاد بعض الشئ في حينها، وتركت الإنطباع بأن هذه المبادرة هي في سبيل إنقاذ الهوية العراقية لمدينة كركوك التي تواجه الهيمنة الكردية. في هذه الأيام، وفي سياق الجدال حول قانون الإنتخابات البرلمانية القادمة ، هنالك بعض الملتزمين بتيار 22 تموز الذين يقترحون ترتيبات إنتخابية تذهب بعيدا في تقويض موقفهم الأساسي. وبالتحديد هنالك المقترح بأن كركوك تقسم لأربعة مناطق إنتخابية بناء على الهوية القومية (الأكراد، التركمان، العرب والمسيحيين) وهذا الإقتراح يدفع لتعميق الهويات الطائفية ذاتها التي أكدت أحزاب 22 تموز على تجاوزها.

المشكلة هي أن تحالف 22 تموز يعتمد على مساندة عدة عناصر التي تتذبذب بين هوياتهم العراقية والأخرى الضيقة بطرق تبدو متناقضة في بعض الأحيان. مثلا نرى لدى التركمان، ومنهم من في المنفى، الذين إنساقوا نحو موقف يدعو الى اللامركزية بدفاعهم عن تأسيس وحدة فيدرالية بناء على الحزام التركماني الممتد من كركوك الى الموصل. وأيضا الشبك، الذين دعى قائدهم حنين القدو لمساهمتهم في محاصصة السفراء للشبك واليزيديين في ظاهرة تساند المبدأ الذي يفترض للجبهة أن تحاربه. الطريقة الأكثر نفعا قد تكون في تثمين الحقد الدفين الذي يكنه أكراد كركوك نحو الأحزاب الكردية الأساسية ومحاولة كسبهم، وكذلك في التأكيد على ترتيبات خاصة بمراقبة التصويت و التي تساعد في زرع الثقة بين السكان المحليين بالنسبة لنزاهة الإنتخابات. بدل التخبط في مطالبات المحاصصة في كركوك، قد يكون من الأفضل لمناصري تيار 22 تموز أن ينظروا للإنتخابات القادمة بصورة شجاعة ولإمكانية بناء تحالفات أكبر تحتوي على اللاعبين الذين هم خارج العملية السياسية في الوقت الراهن وللقوى التي ساندت المالكي في يناير كانون الثاني لكنها غير راضية عن خططه التي يبدو فيها إنه يريد الرجوع الى كنف الأئتلاف العراقي الموحد. مثلا، التركيز على الإصلاحات الدستورية العميقة بين الكثير من الملتزمين بخط 22 تموز بدلا عن التعديلات السطحية التي تريدها الأحزاب التي هيمنت على إنتخابات 2005، والتي قد تثبت بأنها ما يريده الناخب العراقي في عام 2010.

ترجمة بأذن المؤلف: فيصل قدري
faisal@montrealiraqi.com

Comments are closed.