تعداد السكان في تقرير دي ميستورا

يحتوي التقرير الأخير الصادر من الأمم التحدة على توصيات مبعوث الأمم المتحدة للعراق ستيفان دي ميستورا متعلقة بتحديد المناطق التابعة لأقليم كردستان. ويعرف هذا التقرير الآن بتقرير دي ميستورا وهدفه المعلن هو “المساهمة في تطوير أسلوب لحل هذه المسائل المعقدة والحساسة“، وأعتمد التقرير على نتائج إنتخابات 2005 لتحديد توزيع النفوس في المناطق المتنازع عليها. وخضع التقرير لإنتقادات شديدة من كافة القوي السياسية في العراق في ما بدا وكأنه رفض لإعتماده على أساس إعتباطي. ومن المثير للإنتباه أن الأحزاب من إتجاهات متعاكسة قد توصلت الى إستنتاجات متناقضة، فنرى أن أسامة النجيفي الناطق بإسم الوفاق قد أصاب حين لاحظ أن نتائج إنتخابات 2005 هي بالأساس إنتخابات مطعون بعدالتها وشرعيتها“، في حين أن الموقف الرسمي لحكومة إقليم كردستان يرفض التقريرلأنه يشكك بصحة نتائج إنتخابات 2005 على الرغم من “ إشراف الأمم المتحدة على تنفيذها والتصديق على نتائجها وكون البرلمان الحالي وكذلك الحكومة من نتاجها، والتعامل الدولي مع العراق قائم على أساسها.” ولكن في الواقع أن الأمم المتحدة قد قامت بدور المراقب وليس الإشراف على إنتخابات 2005، كما أن الإدعاء بأن الأمم المتحدة قد صادقت على نتائجها هو ضرب من الخيال. من الواضح أن حكومة إقليم كردستان تعامل نتائج إنتخابات 2005 وكأنها البقرة المقدسة وهي تنتظر من الجميع أن يعاملونها بنفس الإحترام، وهذا ليس من المستغرب فالأقلية الكردية كان لها أعلى نسبة في حضور الناخبين وهي المستفيد الأساسي.

لقد حاولت الأمم المتحدة أن تلعب دور وسيط الخير بين الفرقاء العراقيين وكان هدفها أن تبتكر أسلوب لتقسيم المناطق الأثنية. ونلاحظ أن سياسة الإحتلال هي في إستمرار جهود الوساطة بين الفرقاء بدون تنفيذ تعداد للسكان، وهذه هي سياسة الوضع القائم، ومن المفهوم أن سياسة الأمم المتحدة تقوم على مساندة الوضع القائم، ولكن هنالك عامل مهم قد تجاهلته هذه السياسة وهو: أن التقسيم الجاد للسلطة والثروة في هذا العصر يجب أن يستند على بيانات سكانية حقيقية وليس على حضور طوعي لإنتخابات قابلة للطعن فيها. وفي إعتماد الأمم التحدة على هذه النتائج فقد أظهرت تفضيلها لسياسة الإحتلال المفرقة المؤقتة بدل أن تدعو لتعداد السكان ليكون عامل إتفاق راسخ وقابل للتكرار. أن من الأقرب لوجهة الأمم المتحدة أن تدافع عن حقوق المواطنين العراقيين الذين يعانون بشكل مباشر وغير مباشر من عدم وجود مستندات إثبات الشخصية ، والتي بدونها لن يتمكنوا من الإستفادة من حرية التنقل والأمان المكفولتين في لائحة حقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة سنة 1947، وأن تدعو لتعداد سليم وإشرافها على الإنتخابات. والنقطة هي: أن إشراف الأمم المتحدة على التعداد والإنتخابات يجب أن لا يكون قرارا سياسيا، بل أن يكون قرارا مبدئيا لإثبات لائحة حقوق الإنسان والدفاع عن وجود الأمم المتحدة، إذ لو لم تدافع عن وجودها لما وجدت أصلا. والنقطة الأخرى هي: أن التعداد في العراق قد أكتسب صفة الأستمرارية، فقد نفذ كل عشر سنوات منذ 1937 وهذا يجعله بصفة الوضع القائم، وعلى الأمم المتحدة أن تقوم بما هو منتظر منها في دعم الوضع القائم.

لا يثق الكثيرون من العراقيين في إدارة الأمم المتحدة للعراق بسبب ما جرى من فساد تحت سريان برنامج الطعام مقابل النفط في زمن صدام. أن الأمم المتحدة في حاجة لإستعادة الثقة في إدارتها خلال توفير الشروط الأساسية لعمل الديمقراطية وهما التعداد والإنتخابات السليمة، وأن لا تتصرف كأمين الخزانة في عملية سياسية حافلة بالفساد.

Leave a Reply

You must be logged in to post a comment.