حول الإنسحاب
ريدار فسر باحث نرويجي يهتم بصورة خاصة بتاريخ وشؤون جنوب العراق، كتب مقالة في 27 شباط فبراير وهو نفس اليوم الذي صرح به الرئيس الأمريكي أوباما عن تفاصيل نيته بالإنسحاب العسكري من العراق، هذه ترجمتي ومتابعتي لبعض الفقرات من مقالة فسر.
يقول فسر: في إستراتيحية الرئيس أوباما الجديدة للعراق، والتي قدمها في كامب لجون في ولاية نورث كارولاينا اليوم، هنالك تنافر ملحوظ بين تشخيص حالة اليوم وبين العلاج المقترح. فالتشخيص هو عموما وقتي. ففي خطابه أشار أوباما الى وجود أسئلة أساسية عديدة لا تزال معلقة و بدون حلول في الساحة السياسية، ولا نستطيع الكلام عن الأمل إلا وهو مرفقا بالأساسيات المنبثقة. وقال كذلك أن أي حل بالعراق يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا- وهذه نقطة سارية وتعكس إنتقادات الحزب الديمقراطي التي كان يقدمها بتكرار خلال سنين إدارة الرئيس بوش. وقد تجنب أوباما الخوض في تقليص المشكلة العراقية الى بعد واحد وهو الصراع الطائفي وأشاد بمقدرة العراق على الوقوف ضد محاولات الجماعات المتطرفة الساعية الى بذر التفرقة في عامي 2006 و2007 . ماذا إذا يقترح أوباما، والكلام هنا لا يزال لفسر، لعلاج العملية السياسية؟ هنا تبدأ المشاكل في إستراتيجيته الجديدة. فالأستراتيجية لها ثلاثة أجزاء: عسكري لإنسحاب القوات القتالية وفق الإتفاقية الأمنية في 2010 وبقاء قوات مساندة لعام آخر، علما بأن هذا الإنسحاب غير مشروط بحصول أي تغييرات في العملية السياسية ويبدو أن الشرط الوحيد هو في بقاء قوات الأمن غير طائفية وفي حال ثبوت طائفية القوات الأمنية حينها ستتوقف عملية تدريبها من قبل القوات الأمريكية!! ويبدو إنه لا يقدر إمكانية طلب الإنسحاب مبكرا عن هذه التواريخ بل إنه ربما يكرر إفتراضات بعض العسكريين الذين يرون أن القادة العراقيين سوف يرغبون في بقاء القوات الأمريكية لفترة طويلة بعد هذه التواريخ لغرض دعم إستمرارهم في السلطة.
لكن النقاد سوف يهتمون أكثر بالجزئين الثاني والثالث بخصوص العملية السياسية في العراق وفي المنطقة على التوالي، وهنا لا يوجد تحديد بل هنالك إعتماد على جهود بعض الدبلوماسيين الكبار الذين عينهم في مناصب رفيعة. هنالك الوعود بدبلوماسية مستمرة بهدف إنشاء عراق مزدهر ومسالم وبأن الولايات المتحدة سوف تكون وسيطا أمينا، ولكن من أين يأتي الحافز لهذه العملية؟ ألم يحدد نوري المالكي موقفا بهذا الصدد حين قال بأن الأيام التي تملي فيها الولايات المتحدة عمل التغييرات في العملية السياسية قد إنتهت؟ هل تكفي مساعدة الأمم المتحدة للحكومة العراقية في الإنتخابات وفي بناء الإمكانيات للتعامل مع المهمة الشاقة لإعادة العملية الدستورية لمسارها؟ أن الإنسحاب لن يبدأ بهمة إلا بعد الإنتخابات البرلمانية الموعودة في كانون الأول ديسمبر 2009، وهذه النقطة لم يذكرها خطاب أوباما ولكنها قد تسربت لوكالات الأنباء. ولكن أين الإجرآت التي تساعد في تحويل هذه الإنتخابات الى لحظات تحول حقيقية والتي لم تحصل مطلقا في المحاولة الآولى في 2005 والتي بإمكانها أن تجعل الوجود الأمريكي أمرا مما يمكن إحتماله أو حتى شرعيا في نظر أكثرية العراقيين حتى عام 2010؟
هذا أهم ما قاله ريدار فسر والسؤال المتبقي لدينا هو: ما هي الإجرآت الممكنة لتحويل الإنتخابات القادمة الى “لحظات تحول حقيقية”؟ والرد المعقول هو: أي إجراء يهدف لضمان مصداقية الإنتخابات وفعاليتها في التداول السلمي للسلطة وإستمرار العملية السياسية لكسب ثقة الناخب العراقي بحيث تقوم الأكثرية بالدفاع عنها. وفي سبيل هذا الهدف دعينا الى إشراف الأمم المتحدة على تعداد السكان وعلى الإنتخابات في آذار مارس 2006 وتتابعت الدعوات الموجهة الى الأمم المتحدة مباشرة، لأن الإدارة الأمريكية السابقة رأت الأمور ببساطة لا تسمح لإعتبارات النداء. لكن مقالة فسر تقول بأن الإدارة الجديدة قد تكون في حاجة لتحديد مساراتها السياسية في هذا المجال، لذا ندعو الجهات المؤيدة لإشراف الأمم المتحدة الى التجديد وتحويل الإتجاه الى إدارة الرئيس أوباما.
أن تعداد النفوس الذي تجاهلته الإدارة السابقة وضمان نزاهة الإنتخابات بالإشراف الدولي هما عاملان بنتائج متعددة وبعيدة الأمد ولا يقبلا الإختزال الى بعد بسيط واحد مثل حافز الولايات المتحدة للتحكم بقرارات الحكومة العراقية، بل بالعكس فالأطراف المستفادة من غياب التعداد وتزوير الإنتخابات هي نفسها التي تعرقل الخروج المناسب للولايات المتحدة من العراق. وأن أسمى ما يمكن أن تتركه الولايات المتحدة في العراق بعد إنسحابها هو عملية سياسية فعالة ومستمرة.