ذيل الكلب في سوريا

September 15th, 2013

قيل ويقال الكثير من الأخبار عن المواجهة بين الحكومة السورية وحلفائها الروس من ناحية والأمريكان وحلفائهم من ناحية أخرى بسبب إستخدام السلاح الكيماوي ضد المواطنين العزل في ضواحي دمشق. ولسنا بصدد إستعادة الأخبار أو تلخيصها ولكن هنالك بعض الخواطر التي قد توضح سياقات الأحداث وعلينا طرحها للإستفادة.

مما قيل في أوساط المعارضة أن الحكومة السورية قد قامت بنقل كميات من العتاد الكيماوي إلى مواقع حلفائها في العراق ولبنان، وهذا يذكرنا بما قيل عن تواجد أسلحة الدمار الشامل في العراق وكيف تم نقلها إلى سوريا قبيل الأحتلال الأمريكي وذلك لتجنب إنكشافها أمام لجنة الأمم المتحدة. لا نستطيع التكهن بمصداقية أي من هذه الروايات لكننا نستطيع القول بأن الوضع في سوريا غير الوضع في العراق سابقا، فالسلاح الكيماوي قد يفيد الحكومة السورية تحت اليد في موقع الأحداث لكنه غير ذي فائدة حينما يتم تخزينه بعيدا عبر الحدود، وذلك لأن خطوط الأمداد إلى مواقع الحاجة تطول مما يزيد من خطورة النقل والتأخير والإنكشاف، لذا فأن هذا الخبر، إذا كان صحيحا، فأنه يشكل مجازفة لتحركات الحكومة.

يشكل وجود مفتشين دوليين على الأراضي السورية طرفا للمقايضة بيد الحكومة السورية، فقد يصعب على الولايات المتحدة إجراء الهجوم المرتقب خلال وجودهم خوفا من إتخاذهم كرهائن في أرض المعركة. ومن ناحية أخرى فأن إستمرار المواجهات مع المعارضة وإحتمال إستعمال الأسلحة الكيماوية مع وجود المفتشين يجعل فرض الإنتداب الدولي على سوريا أكثر إحتمالا، وإذا أستطاع الروس المفاوضة فقد يفرضوا إستمرار وجود قاعدتهم البحرية مقابل موافقتهم على التصويت لصالح العمل المشترك أو الإنتداب.

المثل الشعبي الذي يشبه طبيعة الفرد السيئة التي لا تتغير مهما تغيرت الظروف بإعوجاج ذيل الكلب، فيقال مثلا أن فلانا طبيعته عدوانية لا تتغير كذيل الكلب. أن الجهة التي أطلقت القذائف الكيماوية أظهرت طبيعتها العدوانية التي بلا شك سوف تعيد الظهور أمام المراقبة الدولية، حينها سوف يحصل إتفاق أو نوع من التفاهم بين الروس والغرب يتبعه عمل أو أعمال مشتركة خلال الأمم المتحدة.

The End

من المسؤول عن القذائف الكيمياوية على ضواحي دمشق؟

August 25th, 2013

أثارت أنباء القذف الكيمياوي على ضاحية الغوطة وغيرها من أطراف دمشق، وخصوصا صور الضحايا من أطفال يعانون من حالات الإختناق، عواطف وسخط الكثيرين في جميع أنحاء العالم. ولا نبالغ حينما نقول أن معرفة هوية الجهة التي قامت بهذا العمل الإجرامي قد أصبحت على قمة مشاغل السياسة الخارجية لدى العديد من البلدان، ونظرا لهول هذه الأحداث التي أصابت الآلاف من الأبرياء بأستعمال اسلحة محرمة دوليا فلن تنفع الضبابية في الإتهامات المتبادلة بين الحكومة السورية وقوات المعارضة لحجب المعتدي.

أن سوابق الأعمال الوحشية والتظليل في التعامل مع وسائل الإعلام تطال الجهتين، وأن التوقيت في الضربة وذلك خلال بداية زيارة المفتشين الدوليين يلقي بظلال الشبه بداية على المعارضة من ناحية، لكن من ناحية أخرى فأن تشتت قوى المعارضة وتكرار الضربة على نواحي متعددة من مناطق سيطرة المعارضة والتي يبلغ تعدادها من 8 إلى 10 أهداف بين شرق وغرب العاصمة دمشق يعكس الإشتباه ويشير إلى الحكومة التي وحدها تستطيع التحرك على هذا التعداد من الأهداف بأوقات متقاربة.

أن جميع هذه الإعتبارات لا تعدو كونها دلائل وليست براهين، لكن وسائل التكنولوجيا العصرية قادرة على تقديم البراهين بدون أدنى شك، فالأقمار الصناعية ذات المدارات المنخفضة وطائرات المراقبة بدون طيار تستطيع جمع الصور ذات الدقة العالية والسريعة التي تميز مصادر القذائف الكيمياوية، وهذه موجودة لدى الروس والأمريكان وقد إدعت روسيا أولا بأنها قد حددت بعض المصادر وأعزتها إلى قوات المعارضة. ولم تحدد أي من الأهداف ولا توقيت الإطلاق مما يخلق ضبابية أخرى وشكوك حول النوايا الروسية. وفي المقابل فقد تبعتها الولايات المتحدة وفرنسا بتصريح قالتا فيه بأنهما واثقان 100% بأن مصادر القذائف هي حكومية. وتبعته بإرسال حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط لتوجيه ضربة بالصواريخ الموجهة كروز.

وفي آخر التطورات فقد أعلنت الحكومة السورية صباح اليوم عن قبولها بزيارة الوفد الأممي إلى جميع المناطق المنكوبة، ولو كان هذا القبول قد جاء بعيد الضربة مباشرة لكان قد دخل في حسابات الدلائل، لكنه قد جاء بعد ظهور البراهين وأصبح زائدا عن الطلب..

The End

حرب الخسارة في مصر

August 18th, 2013

تتوالى الأحداث المؤسفة في مصر الحبيبة التي سقط فيها المئات من الشباب في مظاهرات تدعو إلى عودة الدكتور محمد مرسي إلى رئاسة الحكومة بعد أن أقصاه المجلس العسكري برئاسة الجنرال السيسي. أن أحداث مصر لا يمكن تجاهلها في العراق ولا في أي من دول المنطقة فالتشابهات في المسارات السياسية والتوازيات عميقة والتأثيرات المتبادلة لا يمكن نكرانها.

لا شك أن قرارات القمع العسكري على المتظاهرين تعود إلى عقليات عسكرية ومفاهيم عفى عليها الزمن وتظهر “فرعنة” وإجرام بحق الأبرياء لكن المسؤولية مشتركة.

فتوضح الأحداث هشاشة الألتزام بالمبادئ الديمقراطية والرجوع إلى صناديق الإقتراع حينما تحصل الإنقسامات والإختلافات بالرأي، وكما علق أحد المنتمين لتيار الأخوان المسلمين في مقابلة على البي بي سي، أن كل ما كان يريده وعمل من أجله الدكتور مرسي هو بناء دولة (ديمقراطية) بمرجعية إسلامية، وقالها ببراءة الأطفال وكأنها تبرر جميع تصرفات حكومته. ولا يهمنا هنا أن تكون المرجعية إسلامية أو شيعية أو حتى شيطانية، ما يهمنا هو من يحاسب المرجعية لو أخطأت في قراراتها أو أحكامها وما هي آليات المحاسبة؟ أن قرارات المواجهة والتظاهر قد أتخذتها مرجعية غير منتخبة وأن المرجعية ليست معصومة لكن حسابها على الله، ودخلت على الخط السياسي طرفا ثالثا مستترا يبطل التفويض الإنتخابي.

أن جميع الأطراف وحتى العملية السياسية برمتها قد خسرت من أحداث سقوط الضحايا في مظاهرات مصر.

The End

لمحات التشابه في المسار السياسي بين العراق ومصر

August 11th, 2013

سألني جليسي وكان من دعاة حزب التحرير إن كان لدي مرجعية، قلت له إنني سنيا وأحترم آراء الأزهر في الأمور الدينية لكنني لا أعتبره مرجعية وليس لدي مرجعية غير ذلك، قال لي هذا غير صحيح فالذي لا يعتمد على مرجعية تكون مرجعيته الشيطان!! وذكر نصا دينيا يؤكد على ذلك. حصل هذا الحديث منذ سنين عديدة لكنه أخذ يطفو في الذاكرة في سياق البحث عن أوجه التشابه في الأحداث السياسية بين العراق ومصر، فالأثنان إبتدئا مسار الديمقراطية بقيادات ذات مرجعية دينية مؤثرة على الأمور السياسية.

وقد يعتقد البعض بأن رجوع القادة إلى أصحاب الرأي والتشاور حول الأمور السياسية هو من الأمور الطبيعية وأن الرجوع إلى مرجعية ثابتة هو من هذا القبيل لكن الواقع غير ذلك، فطلب الشورة شئ والمرجعية شئ آخر. رأي المرجعية هو توجيه بين ما يملى من حلال أو حرام والنكوص عنه قد يعتبر عصيانا في حين أن المشورة تدور حول درجات الفائدة والضرر وهي طبعا غير ملزمة في جميع الأحوال. والمشكلة تكمن في المرجعية ذات الرأي السياسي حيث أن القائد الذي جاء إلى موقع السلطة بالتصويت يكون مقيدا وموجها برأي مرجعيته والذي ليس من بين الوعود التي أعطاها للناخب.

الناخب والمرشح هما طرفان في عقد يتم فيه منح الصوت مقابل التعهد في تنفيذ الوعود الإنتخابية، ودخول المرجعية طرفا ثالثا تحت العباءة يكون له التأثير والإمتيازات بدون أن يخضع للمسائلة يبطل العقد. هذا هو لب الصراع السياسي برأيي في العراق ومصر، وسبب النجاح المحدود في التجارب الديمقراطية السابقة هو إبتعاد المرجعيات، طوعا أم قسرا، عن التأثير المباشر في أمور الحكم.

بل أنني أجادل بأن العلمانية في الممارسة العملية ما هي إلا إبعاد الأطراف ذات الإمتيازات بدون أن يكون عليها المسؤوليات والتي تبطل العقد الإنتخابي، ولا يعني ذلك إبعاد رجال الدين عن السياسة، بل العكس، فقد جادلني صديق حول المرشح أياد جمال الدين وقال مبررا خسارته في الإنتخابات البرلمانية العراقية السابقة، كيف تثق في رجل يدعي العلمانية ويلبس العمامة؟ وأقول ليس العلماني من لا يؤمن فأيمان المرشح لا يبطل العقد الإنتخابي وهنالك الكثير من القادة العلمانيين الملتزمين دينيا، لكن ممارسة العلمانية هي تأكيد العلاقة المباشرة بين الناخب والمرشح الإنتخابي وعدم وجود أطراف دينية أو عقائدية مستترة تبطل العقد بينهما.

The End

كلام عن مرسي

July 7th, 2013

كثرت التعليقات والإنتقادات للرئيس السابق محمد مرسي من ناحية وللجيش المصري الذي أقاله من ناحية أخرى وهذه مساهمتي المتواضعة في كلمتين وبس..

ففي خطابه الأخير قبيل تنحيته هلل الرئيس مرسي وأعرب عن سعادته لأنه أصبح لديه مرجعية، وواضح أنه يعني مرجعية الأخوان المسلمين المتمثلة في المرشد العام الذي يقبع خلف الكواليس ويفتي في الأمور الدنيوية والسياسية في دور يشبه دور الولي الفقيه في أيران وما على الحكومة إلا التنفيذ. وفعلا تناقلت رسائل الإنترنت لقطة فيديو يملي فيها المرشد العام خطاب الرئيس بحذافيره ويؤدي دور المرجعية السياسية.

خطب مرسي السياسية ومرجعيته تدعوان إلى المقارنة مع خطاب جون كندي في الدقيقة 1:40 الذي يقول فيه لن يكون أول رئيس ينصت لقس كاثوليكي كي يلقنه كيف يتصرف، شتان بين الإثنين..

أن إنتخاب الرئيس هو تفويض محدود لفترة محدودة وليس هبة من الله وقدر مقدر لأجل غير مسمى، والتفويض المحدود هو من أجل الشعب بأجمعه فالرئيس لا يعمل من أجل من أنتخبه فحسب بل من أجل عموم الشعب وهذا جزء من التفويض وليس ترجمة زائدة أو خاصة بأمريكا أو المجتمعات الغربية، فأصوات المعتدلين ومساهمة الأقليات ماكانت تتحقق لو أن التفويض يعني التسلط. والأصوات التي أتت به لم تعطى لمرجعيته بل له شخصيا بناء على برنامج عمل وسياسة أعلنها على الملأ وأن رجوعه إلى مرجعيته في أمور السياسة وإعتماده على آراء دينية تفضل فئة من الشعب على أخرى يعد إخلالاَ وتعديا على التفويض .

لا ندعي أن على الديمقراطية في البلاد العربية أن تتبع المثال الأمريكي لكن يريد الناخب المصري والعراقي وغيره من العرب أن يعرف قبل أن يدلي بصوته: هل أن صوته سوف يذهب إلى المرشح الذي ينتخبه أم لمرجعيته؟

ليس من شأن الناخب أن يعرف طريقة تعبد المرشح أو تفضيله لسماع الآذان، لكن معرفة مرجعيته إن كان لها فتاوى سياسية هي جزء من أسباب التصويت له، وإذا ما إختار الرئيس المنتخب تغيير مرجعيته في منتصف فترة أستخدامه أو غير المرشد العام (مستر مولانا) من أحكامه المعروفة فهذا مدعاة للرجوع إلى الشعب وإعادة الإنتخابات.

The End

المعارضة والطائفية

June 23rd, 2013

أثار إهتمام الكثيرين مقالة لحميد الكفائي بعنوان الحكومة تصنع معارضتها أبتدأها بمقولة: طبيعة النظام الحاكم تفرز نوع المعارضة له، وتجعلها معارضة سياسية أو مسلحة.

ولا شك أن هذا هو وصف لآلية فيها الكثير من المصداقية في شرقنا العربي والإسلامي، على الرغم من وجود أمثلة بارزة على عكس ذلك كالدكتاتوريات الناجحة التي لا تزال مستمرة إلى الآن والتي لم يتمكن أي نوع من المعارضة أن يؤثر على الحكم بشكل فعال.

لكننا في أقاليمنا المفتوحة لا نستطيع عزل أوطاننا من التأثيرات الخارجية كدول مثل كوبا وكوريا الشمالية، لذا نجد أن ما يصيب إحدى جاراتنا ينتقل إلينا بالعدوى السريعة.

ما لم يكمل المقال من إستنتاج منطقي هو مسؤولية النظم عن الإتجاهات الطائفية، فإذا أفرزت طبيعة النظام الحاكم نوع المعارضة فلماذا لا يحتوي ذلك نوع الطائفية، سياسية كانت أم مسلحة؟

أن أسوأ ما في هذه المرحلة التي تمر بها بلادنا هو أستفادة الحكام من الطائفية، مما يعززها ويجعل أسباب بقائها طويلة الأمد. نحن لا ننكر أن الطائفية كانت موجودة في السابق لكنها كانت واحدة من آليات وأحكام مسبقة عديدة كالعشائرية والمناطقية، والإنتماء إلى المعارضة لم يكن بناء على الطائفية. أما الآن فقد أصبح الإنتماء الطائفي هو الأساس ونحن في منتصف الطريق إلى “لبننة” مجتمعاتنا والمسؤولية الأعمق تقع على النظام الحاكم الذي بيده زمام المبادرة وبالدرجة الثانية على المعارضة التي ليس بيدها إلا أن تتبع إفرازات الحكام وأساليبهم في التعامل معهم.

The End

لا غزة ولا لبنان

June 16th, 2013

في مقابلة على قناة البي بي سي وصف أحد المعلقين السياسيين أناشيد الإنتخابات الأيرانية المؤيدة للمرشح المعتدل روحاني والتي تقول: لا غزة ولا لبنان..نحن فداء لأيران. ومننا كثيرون في الدول العربية نتعاطف ونؤيد هذا التوجه أكثر من التوجهات المتشددة والداعية للتدخل في مشاكل الدول الأخرى. فأيران القوية إقتصاديا والمزدهرة داخل أراضيها هي سند لدول المنطقة العربية، لكن أيران القلعة المغلقة على نفسها طائفيا من ناحية والماشية بعقلية التوسعات الأمبراطورية البالية من ناحية أخرى هي خطر على المنطقة وعلى أبنائها. واليوم وقد تبين أن روحاني قد حاز على ما يزيد من الخمسين بالمئة من أصوات الناخبين في إنتخابات الرئاسة، نتمنى أن يتبع ذلك تأكيد فوزه وليس طبخ النتائج لكي تخدم سياسات المتشددين، ونأمل حين ذاك أن تحصل التغيرات الأيجابية الضرورية لرفع المعاناة عن شعب أيران.

وفي سياق الإنتخابات الأيرانية وتداعياتها على المنطقة لابد لنا من أخذ التطورات على الساحة السورية في نظر الإعتبار، فقد تزايد زخم الحكومة المركزية في مواجهة المعارضة بعد التقدم الذي أحرزه الجيش النظامي وحلفائه في القصير، وأدى التصعيد الحكومي إلى التصعيد الدولي في المقابل من أجل مساندة قوات المعارضة، حيث قرر الرئيس أوباما دعم المعارضة عسكريا، والكرة الآن في الملعب السوري-الأيراني-الروسي لرفع الرهان أو الإنسحاب من لعبة الحرب الأهلية ذات الأيقاع السريع.

التصعيد المقابل المتوقع من أيران هو الدعم العسكري والمادي الضخم والمباشر خلال الطريق البري في محافظة الأنبار وهنا يأتي إنتخاب روحاني كعامل معاكس لهذا الإتجاه، فمواقفه الواقعية الواعية على الأوضاع الإقتصادية المتردية في أيران والتي ساعدت على إنتخابه قد تمنع من الدفع بإتجاه التدخل في سوريا.

الأمر الأكيد هو أن أيران التي أمسكت بزمام المبادرة في ساحات العراق وسوريا في الفترة الماضية قد فقدت البدائل المتاحة أمامها بحكم وضعها الإقتصادي وعزلتها وأصبحت على مقربة من سقف أمكانياتها للتصعيد، في حين أن القوى المساندة للمعارضة السورية لا تزال في أوائل خياراتها والتصعيد بالنسبة لها في الوقت الحاضر لا يزال في حكم المستطاع.

The End

لذة الجريح

May 26th, 2013

حين يصيب المرء جرحا عميقا ويبدأ في علاجه فيتجه الجرح نحو الشفاء، حينها ينتابه الشعور بالحكة قبل أن يلتئم الجرح، فإن إستجاب للذة الحك فسوف يفتح الجرح ويتقيح ويطول علاجه ولكن إذا إمتنع عن ذلك فسيلتئم ويشفى المرء سريعا. لذة الجريج في حكة الجرح قصيرة النظر ولا ترى الخطر المحدق نتنيجة للإستجابة للدافع الإنفعالي.

أن ما يحصل في بغداد الآن من تهجير وإرهاب وما يعد له من تحشيد لمزيد من المواجهات الدموية في المحافظات ما هو إلا إستجابة الجريح لفتح جرح الطائفية من جديد بدون النظر إلى عواقب المواجهات التي لن تؤدي إلا إلى الخسارة وإطالة المعاناة.

هنالك العديد من العراقيين من جميع الطوائف ممن يتحمسون للمواجهة الطائفية وحسم الأمور بالإقصاء وتطهير المناطق من الطوائف المقابلة وفي المقابل هنالك من يريد تقسيم العراق من أجل الإبتعاد عن أذى الآخرين، وهذه جميعها ذرائع محلية وحلول مكلفة لمشاكل مؤقتة والتي قد تنفع المنادين بها ولأجل قصير لكنها تضر المجاميع الأوسع وتقسم ليس العراق فحسب وإنما الأمة العربية والإسلامية والتي يدعي المتقاتلون الدفاع عنها.

أن حصار مناطق قليلة في بغداد لا يسكنها إلا أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة لا يؤدي إلا إلى نشوة وقتية كلذة الجريح الذي يفتح الجروح في مناطق أخرى ودول تنعكس فيها المعادلة ويكون القوي في المعسكر الضعيف، والسياسة الإنتقامية لا يمكن أن تستمر ولا يمكن لدعاتها قيادة دولة مشتركة الطوائف ودوام الحال من المحال.

The End

الخيط المشترك في أحداث اليوم

May 19th, 2013

هنالك ثلاث محاور للإحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحاضر وترتبط بخيط مشترك لكن رؤية الواقع على الأرض تختلف حسب هوية المراقب. أولا أحداث سوريا فقد تمخضت عن إتفاق هش بين روسيا والولايات المتحدة لأجراء المزيد من المفاوضات ، ويعني هذا أن روسيا قد نجحت في كسب الوقت لكي تسعى حليفتها الحكومة السورية لأحراز بعض التفوق العسكري على أرض المعركة، لكن البعض قد فسر ذلك بأنه تراجع إستراتيجي وبرهان على عدم وجود الإرادة السياسية لدى الولايات المتحدة للتورط في سوريا بعد تجربة العراق وخصوصا لإعتبار تفوق جبهة النصرة السلفية على بقية المعارضة السورية من العلمانيين والعروبيين وبعد ظهور مشاهد وحشية على وسائل الإعلام نسبت لها، وهذه العوامل لا تشجع الغرب على مساندة المعارضة رغم الإستعمال المفرط للقوة العسكرية والسلاح الكيمياوي من قبل الحكومة في المناطق السكنية ورغم مشاركة عناصر أجنبية في المعارك. لكن العامل الأقوى في تحريك الوضع لم يأتي من الخارج، بل أنه العامل الداخلى الأساسي وهو إرادة الشعب السوري وإستعداده لتقديم المزيد من التضحيات في حرب غير متكافئة، ولا يبدو أن الشعب السوري سوف يقبل إستمرار الحكومة الحالية تحت أي ظرف من الظروف.

ثانيا: أحداث العراق وخصوصا تفاقم المواجهة بين قوات الجيش العراقي والعشائر العراقية في الأنبار وغيرها من المحافظات، فالمعروف أن القوى المعارضة للحكومة منقسمة على نفسها ومن بينها بعض المنظمات المرتبطة بالقاعدة وحزب البعث والتي تتهمها الحكومة دوما بالأعمال الإرهابية التي تعجز عن حلها، لكن الجديد في الأمر أن المواجهة أخذت الآن طابعا عشائريا مما سبب إمتناع وحدات الجيش المرابطة في المناطق الأخرى من التوجه إلى الأنبار والخوض في حرب عشائرية. ويبدو أن بعض المليشيات الممولة من قبل دول الجوار وقوات السوات التي لا يوجد لديها حساسيات عشائرية قد تكلف بالمهمات القذرة وتأجيج الموقف تمهيدا لتبرير المزيد من التدخلات الخارجية.

ثالثا: إنتخابات الرئاسة الأيرانية التي قد تشكل أولى قطعات الدومينو التي تسقط فتؤدي إلى تساقط الأوضاع في بقية بلاد المنطقة. فالمرشحين الأساسيين هم سعيد جليلي من المحافظين وهو المفضل لدى مرشد الجمهورية الإسلامية خامنئي والمرشح الثاني هو رفسنجاني وهو من أبرز الإصلاحيين. الإختلاف المهم بين المحافظين والإصلاحيين هو في رؤيتهم للواقع السياسي في المنطقة، فالمحافظون يرون أن لا سبيل أمامهم إلا الوقوف وراء حكومة الأسد ومنعها من السقوط بأي ثمن فنهايتها قد تعني نهايتهم، والإصلاحيون يرون أن لا تعايش محتمل في الواقع بين الشعب السوري وحكومة الأسد وأن من الأجدى البحث عن صيغ أخرى للحفاظ على علاقات ودية مع سوريا في المستقبل. عموما فمن غير المتوقع فوز الإصلاحيين وحتى لو فاز أحدهم فأن رؤية المحافظين في إستمرار دعم الحكومة السورية إلى النهاية المريرة هي المتوقعة، وتؤدي تلك بصورة مباشرة إلى المزيد من إصطفاف العراق في معسكر إيران ولا يوجد خيار أمام الحكومة العراقية الحالية إلا الرضوخ وتنفيذ سياسات أيرانية على حساب وحدة العراق ومصالح شعبه.

الأيرانيون هم أخوة لنا تجمعنا معهم أواصر دينية وأجتماعية وهم جيراننا وفخر لنا في الإصطفاف معنا كعرب ومسلمين، لكنهم على وشك المغامرة بسياسة مبنية على رؤية خاطئة تؤجج المنطقة وتؤدي إلى تفرقة الصف وزعزعة ما تبقى من إستقرار وحرق موارد الأجيال القادمة من شعوب المنطقة وأولها شعبهم.

The End

المليشيا السنية..التداعيات والتوقعات

May 5th, 2013

يشكل تكوين ميليشيا سنية في العراق خطا أحمرا لأيران وسياستها في العراق وقد يكون هذا السبب وراء الحساسية المفرطة لتجنب نقاش هذا الموضوع رغم أهميته. لكن أحداث الإعتصامات والإقتحامات الأخيرة تشير إلى بروز الحاجة إلى تنظيمات مسلحة لحماية المواطنين والمتظاهرين من القسوة المفرطة لقوات الحكومة وفي المدى الأبعد إلى خلق نوع من التوازن بين مكونات المجتمع العراقي العشائري الذي يعتبر حق حمل السلاح ضرورة تاريخية وحياتية.

ومن أهم التداعيات لظهور المليشيات السنية هو التحدي الواضح لخط أيران الأحمر ولن يقتصر التحدي على المناطق السنية العربية فأن الكثير من السياسيين الشيعة ذوي الميول المنتقدة لأيران سوف يجدوا حلفاء لهم ممن لا يخشوا المجاهرة بارائهم وحمايتهم إذا إقتضى الأمر. لذا فمن المفهوم ممانعة أيران لوجود المليشيا السنية وموقف الحكومة العراقية الواضح في رفضها والتعامل معها بطريقة مغايرة تماما عن المليشيات المسندة من قبل أيران والتي تتمتع بالمشاركة في أحتفالات مكشوفة في مناطق نفوذ الحكومة.

أن المواجهة مع المليشيات السنية تتجه نحو الحتمية وتبدو الحكومة ظاهريا على ثقة من التعامل بحزم وإنهاء وجودها، لكن الموقف ليس بالبساطة التي تصورها الحكومة، فقد كشفت جريدة العالم عن أنباء تشير إلى التنظيم على مستوى عال في المناطق السنية، وقد يكون نشر هذا النبأ من مسببات غلق مكاتبها في العراق، وكذلك فأن العوامل الجغرافية والجيرة مع مناطق المعارضين السوريين والخبرة التي بحوزة ضباط الجيش السابقين من أبناء هذه المناطق وصلات القرابة والعشائرية، جميعها عوامل تجعل من الصعب توقع سيناريو مشابه للحرب الأهلية الدائرة في سوريا كما يتصور البعض.

The End