وهكذا تكلم مهاتير
تكلم رئيس الوزراء السابق لأتحاد ماليزيا مهاتير محمد في منتدى كوالالمبور فقال كلام ذو معان عميقة، كانت كلماته على شكل نصائح للشعوب العربية المتناحرة وكانت أولى نصائحة أن تساهم جميع الفصائل والمكونات بلا إستثناء..بلا إستثناء في حوار مفتوح! ويتوقع فيه أن يقدم الجميع التنازلات من أجل المصلحة العامة ومن أجل تحقيق الأستقرار الذي يؤدي إلى النمو الأقتصادي والأمن الأجتماعي.
بالمقارنة مع أحزاب وفئات الشعب العراقي نواجه بجدار من الأستحالة من أول خطوة يقترحها مهاتير، فجميع الأحزاب التي جائت مع الأمريكان طالبت وتطالب بأستثناءات وإستبعادات وشروط من أجل مشاركتها في العملية السياسية، ودكتاتورية صدام حسين تشهد عليه وأحزاب اليسار التي إستقوت بعد 14 تموز ونادت وما تزال بالديمقراطية كانت في الواقع من أشد الممارسين بأستبعاد معارضيهم. و قبلهم في العهد الملكي فقد حوربوا وأستبعدوا من العملية السياسية.
وهنا نرى تاريخاً مستمراً ومتصاعداً من ممارسة الأستبداد و إستبعاد المعارضة وظاهرة الضحايا التي تتحول بين يوم وليلة إلى مجرمين ومدانين بنفس الجرائم التي أرتكبت بحقهم، ويبدو لي أننا نبتعد شيئاً فشيئاً عن الشرط الأول والأساسي لنصائح مهاتير في سبيل السير على طريق الأستقرار. ونحن اليوم نتسائل إلى متى تستمر هذه الحلقة المفرغة وما هي الظروف أو الشروط التي أدت إلى هذه الظاهرة المدمرة وما الحلول التي قد تؤدي إلى إنكسار الأستمرارية؟ هل نستسلم إلى أنتظار المخلص الذي يستطيع تنفيذ سياسة مهاتير محمد أو غاندي أو مانديلا؟ وهل يمكن أن تكون الحلول بهذه الصعوبة وهل العلة فينا أو في ديننا أو عروبتنا أو مجتمعاتنا؟
صورة الحل تعتمد على المشاهد ورؤيته للواقع، إذا كانت الرؤية تبدو وكأنها مشكلة فردية، أي تعتمد على شخصية القائد، فلابد أن يرى المشاهد عجزه وعجز الذين من حوله في أختيار الرئيس المناسب أو تغير نفسيته أو تغيره بآخر ممن يتمتع بصفات الصدق والثبات، لذا فهو لا يرى سوى الإنتظار لحين ظهور القائد المخلَص. أما إذا شاهد الواقع كمشكلة أجتماعية، أي أنها جائت بسبب ضعف المؤسسات أو غياب المسائلة أو عدم إستقلال القضاء، فسوف يبدو الحل على صورة تغيرات هيكلية بدون شخصيات بطولية ولا إعتماد على ضربة حظ تعتمد على إخلاص وبعد نظر قائد من طراز الملك فيصل الأول، بل قد تبدو أقرب للتحقيق وليست ضرباً من الخيال، فالأفراد الفاسدون من العراقيين والأجانب الذين لا يتورعون في إختلاس الملايين والقتل والأفتراء داخل العراق لا تراهم يختلفون عن أي مواطن أوربي أو أمريكي في أتباعه للقانون في بلده عند سفره لبلاد الغرب.
مشاركة الجميع بدون إستثناء وإستعدادهم لتقديم التنازلات هو الشرط الأول والأساسي لتحقيق الأستقرار، والجميع هنا هو جميع العراقيين وليست القوى الأقليمية والدولية وكل من تدخل بالأموال والقوى في سبيل حماية مصالحة الخاصة.