خواطر أوراق فيصل الأول
طالعت كتاب أوراق الملك فيصل ملك العراق، تأليف أ. محمد يونس العبادي والصادر في عمان عام ٢٠١٤. إستوقفتني عدة فقرات ذات علاقة بأحداث أو مواقف في الوقت الحاضر، هذه خلاصة خواطري:
من أقوال فيصل الأول : نحن عرب قبل أن نكون مسلمين وأن محمداً لعربي قبل أن يكون نبياً، نحن عرب قبل موسى وعيسى ومحمد
هذه الجملة المفيدة ليست مجرد خلاصة مبدأية، أنها تعبر عن موقف أستراتيجي في مواجهة تركيا الطورانية يؤكد على الإنتماء العربي كدافع يحفز الجماهير للمشاركة في الحرب العالمية الأولى. والعروبة تتقاطع مع الطورانية في الهدف لكنها تشترك معها في طريقة النظر للواقع، فكلاهما ينظر للإنتماء القومي أولا وفوق الإنتماء الديني أو الطائفي. لكننا اليوم نجد أن معظم الفصائل السياسية في العراق العربي تشترك في أن مرجعيتها دينية في نظرتها للواقع، أي أن الإختلاف الأساسي بين فكر الأمس واليوم هو في طريقة النظر للواقع وليس بسبب إختلافات سياسية.
وفي بيان اللجنة التنفيذية العربية فلسطين في وفاة فيصل الأول
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
تنعى اللجنة التنفيذية العربية إلى الأمة العربية بملء الحزن والأسف قطب رحى الوحدة العربية والعاهل الأكبر صاحب الجلالة الملك فيصل الأول ملك العراق العظيم.. أيها الفلسطينيون، لقد مات فيصل الأول المحبوب الذي كان أسمه ملء الأفواه وذكره ملء الأسماع وحبه متغلغلاً في شغاف كل قلب عربي..وأن كلمة “فيصل” اصبحت قرينة المجد ورفيقة الحرية والتضحية فعلى كل عربي اليوم في فلسطين والأقطار العربية الأخر أن يتلقى هذه المصيبة الجلى والكارثة العظمى بالصبر والجلد..رئيس اللجنة التنفيذية العربية موسى كاظم الحسيني
إستوقفتني هذه العبارات الدافئة لأنها تتناقض مع مفاهيم بعض الأخوة الفلسطينيين حول مسببات النكبة، حيث أنهم يعزونها لقبول فيصل الأول لتوطين بعض اليهود في مساحات محددة من فلسطين خلال مفاوضات معاهدة فرساي. وأشد ما أثار إنتباهي هو تاريخ هذا النعي في عام ١٩٣٣، أي بعد ١٦ عاماً بعد معاهدة فرساي وحينها لم يكن الوجود الصهيوني قد كبر في فلسطين ولم تكن هنالك نكبة ١٩٤٨ وربما إعتقد عرب فلسطين في حينها أنهم قادرون على فرض سيطرتهم على الجماعات اليهودية لكن فيصلاً كان أبعد نظراً، فكما علمت خلال حوار مع جدي أن عرض مساحات محددة وشروط معروفة لقبول هجرة اليهود خلال مفاوضات فرساي كان من أجل خلق قواعد للتحاسب والتنظيم ولتحديد الهجرة حسب المساحات المتوفرة. ومن ناحية أخرى كان لرأس المال اليهودي دوراً مهماً في دعم الحلفاء وصوت مسموع في مؤتمر فرساي ولم يكن واقعياً تجاهل مطالبهم خلال المفاوضات، في حين ان جبهات الرفض كانت قد ساندت الجانب الخاسر في الحرب. لكن الفكرة رفضت مما فتح باب الهجرة على مصراعية بلا حساب.
ينسى البعض أو يتناسى بأن فيصلاً قد شارك في مؤتمر فرساي وتوج ملكا على سوريا ثم على العراق بالإستحقاق النضالي، أجل لقد ساعده الأنجليز والميس بل وبالغت الصحافة الفرنسية في تهويل ذلك وهاجمته، ربما لكي تصرف الأنظار عن دور فرنسا الهزيل في مواجهة جيوش الدولة العثمانية، لكن العامل الأهم في تنفيذ إستحقاقته هو دور جيشه ومساهمته في إحراز النصر للحلفاء في ميادين الشرق الأوسط.
فهنالك من يجد علاقة منطقية بين شخص إقترح حلاً لمشكلة فلسطين عام ١٩١٧ ولم يُقبل هذا الإقتراح وبين أحداث نكبة ١٩٤٨، واليوم في العراق نجد من يدعي بأن سبب مشاكلنا الآن لا يزال شخصية صدام حسين الذي أعدم منذ ١٣ عاماً، وأنني أتسائل هل سوف نستمر في تعليق مشاكلنا على شماعة الموتى حتى عام ٢٠٤١؟
وفي رثائه نعت الصحف التركية قائلة:
أن الملك فيصل إشتغل في الحرب العالمية الثانية ضد تركيا..إننا كأتراك يسرنا جدا أن يخمد العراقيون فتنة محلية (الآشورية) بنفسهم، إلا أنه يسوئنا جدا أيضا وفاة الملك فيصل الذي كان صديقا لنا عاملا على إزالة كل سوء تفاهم بين الأمتين العربية والتركية ساعيا في سبيل ربط البلدين بروابط الصداقة والولاء.
لقد فاجئني مدى الإحترام والتقدير الذي عبرت عنه الصحيفة التركية والذي جاء بعد بضع سنوات من قتال ضروس في حرب عالمية، أنني لا أتصور وسائل الإعلام الأوربية تتحدث عن غرائمهم السابقين مثل هتلر أو موسوليني بنفس التقدير.
.لم ينسى فيصل جذوره وإنتمائه الديني لكنه رفض الأنصياع لهيمنة تركيا وفاز على إحترام الأعداء قبل الأصدقاء
. يبدو لي أننا بحاجة لنسخة جديدة منه تنتمي للطائفة الشيعية وتواجه أيران بنفس ما واجه به تركيا وتحضى منها بنفس الإحترام وتعتمد على مواردنا المحلية ووحدة صفوفنا الداخلية وليس على الدعم الخارجي لأخماد فتنة الدواعش.