العراق إلى أين؟ الرقابة، الإشراف أم الإنتداب ؟

مطالب متظاهري الحشد في 25\11\2021

جاءت أوائل الدعوات لإشراف الأمم المتحدة على إنتخابات العراق بعيد الإحتلال من روسيا وفرنسا، فقد ناشدت هاتين الدولتين الولايات المتحدة باللجوء إلى الأمم المتحدة لأجراء الإنتخابات لكنها لم تستجب. كان واضحا منذ البداية أن الولايات المتحدة تعتمد على آلية التوافق عوضا عن نزاهة الإنتخابات على الرغم من عدم مقدرتها على لم القوى التي ترفض الإحتلال والتي تشكل قطاعا كبيرا ، وربما غالبيه من الرأي العام العراقي. ومن تداعيات عجز الإحتلال عن جمع الإتجاهات المناهضة له منذ البداية أن تنجح قوى وإتجاهات إنتهازية في ملئ الفراغ وفي توفير ورقة التوت من مصداقية زائفة لكي تغطي عورة العجز الأمريكي. وهكذا لم تشكل نزاهة الإنتخابات العراقية حلقة مهمة لدى المحتل الذي يعتمد عليها كليا في ممارساته الديمقراطية داخل بلاده، ودفعه ذلك إلى تبني مصداقية الإنتخابات الزائفة من أجل أن يغطي عجزه ويبرر إنسحابه.

لكن العجز الأهم لم يكن في إمكانيات وحكمة المحتل وإنما في عمل مؤسسة الأنتخابات التي ينبغي أن يكون هدفها الأساسي هو الإنتقال السلمي للسلطة. فالحكومات التوافقية التي تشكلت بين قوى عراقية مساندة أو قابلة بوجود الإحتلال أدلت بظلالها على مفوضية الإنتخابات “المستقلة”، بحيث أن أعضاء هذه المفوضية من 2003 إلى 2018 قد إختارتهم أحزاب السلطة وتصرفوا كوكلاء لأحزابهم وليس كمفوضين مستقلين. ومن الطبيعي والأمر كذلك أن يتم تزوير الإنتخابات وتتم تسوية أي تجاوزات بالتوافقات بطريقة “غطيني وأغطيك” وأن تصبح وظيفة الإنتخابات شكلية، والنتيجة أن لا تنتقل السلطة خارج الأحزاب الفاسدة.

كان الأمر كذلك في عام 2006 حين شاركت في طرح نداء ونشرته على مدونتي يدعو إلى إشراف الأمم المتحدة على تعداد السكان والإنتخابات في العراق. كان واضحاً لنا أن نزاهة الإنتخابات هي المفتاح الذي يؤدي إلى إصلاح العملية السياسية وبدونه لا يمكن تغيير حكومة التوافق على الفساد إلى حكومة الغالبية والمعارضة التي تقوم بمراقبة ومسائلة الفاسدين. لكن الوعي لم يكن منتشرا في ذلك الوقت، فقد أتصلت بالعديد من الشخصيات والقوى السياسية طالباً إضافة أسمائهم لكنهم جميعاً أمتنعوا ، وأستثني من ذلك حزبان قاما بتأييد النداء بدون تردد: الجبهة التركمانية تركمان أيلي والحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي. واليوم إذ أرى التشرينيون ينادون بالإشراف الأممي وبالأستجابة من الأمم المتحدة بتشديد الرقابة على الأنتخابات أفتخر و أشعر بالسعادة لتبنيهم ما نادينا به.

لكني لا أزال أرى بعض التساؤلات التي كانت مطروحة في حينها تعاد وتطرح مجدداً، فقد أثارني تساؤل مقدم برنامج تلفزيوني حين رد على ضيف كان يحاوره: ألا يعد الإشراف الأممي على الإنتخابات العراقية إنتقاصاً للسيادة الوطنية؟ أليست الرقابة التي تمارس الان أهون من الإشراف؟ أذكر أنني ناقشت أحد السياسيين العراقيين المخضرمين في بداية عرض النداء حول موضوع الرقابة أم الإشراف، قال لي أن الحل الممكن هو الإنتداب وليس الإشراف، إذ أن الأطر القانونية لفرض الإشراف على الإنتخابات لم تعد موجودة. قلت له ماهي هذه الأطر؟ قال أن العراق لم يعد رسميا محتلاً من الأمريكان كما كان الحال بعيد 2003. قلت له فما الحل؟ قال بالإنتداب المفروض من الأمم المتحدة. قلت له أنا لا أقبل بالإنتداب لأنه يمثل فقداناً كاملاً للسيادة ولا أعتقد أنه مقبول لدى الشعب العراقي، لكني أرى أن الإشراف على الإنتخابات لا يشكل إنتهاكاً صارخاً على السيادة الوطنية وبأي حال فهو أهون الشرين وقد يكون من .الممكن أيجاد صيغة دولية توفر .أطاراً قانونياً

كان تزوير الإنتخابات سائداً منذ 2003 وبسبب وضوح هذه الظاهرة طالبت التظاهرات التشرينية بالإشراف الأممي، وقامت الأمم المتحدة بتشديد المراقبة وتم إختيار قضاة أكثر نزاهة غير مرتبطين بالأحزاب الحاكمة، ونتيجة لهذه الإجراءات تمت إنتخابات 2021 بشفافية غير مسبوقة وأعترفت المنظمات الدولية بنزاهة النتائج الأولية. لكن المراقبين لسير الأنتخابات الماضية، وأنا منهم، لاحظوا بأن المرحلة التي يتم فيها أكثر التزوير هي التي تلي التصويت مباشرة، وهذه الفترة التي من الممكن أن تمتد لعدة شهور يتم فيها توافق الفساد وطبخ النتيجة ليناسب ذوق الفاسدين. ونرى الأحزاب الخاسرة التي فازت في السنين السابقة لكن لم تنتقد التزوير، نراها اليوم وهي تطالب بمحاكمة رئيس الوزراء الكاظمي ومفوضية الأنتخابات وقتلة متظاهريهم المزعومة وليس الشهداء التشرينيين، وكل هذا من أجل إستعادة أصوات تخيلوا أنها قد فقدت في عمليات تزوير لم ترها مفوضية الإنتخابات ولا المراقبين الدوليين ولا أحد سوى مسانديهم.

لقد دخل العراق في مرحلة دقيقة من الترقب والحذر من قبل العراقيين والمجتمع الدولي، فهنالك ضبابية حول حسم النتائج الإنتخابية والأطراف التي من شأنها التوصل إلى قرار قد توسعت لتشمل هيئات قضائية فاسدة، فإذا فرضت هذه الأطراف تغييرات جذرية تعكس إتجاه النتائج المعترف بها دولياً حينها ستكون الحلول التي تؤدي إلى فقدان السيادة، بما فيها فرض الإنتداب، أمراً مطروحاً أمام مجلس الأمن.

قالت العرب: يا شيوخ العُرب يا ملح البلد من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟
القضاة هم شيوخ البلد وعمادها الذين يرجع لهم عموم الناس طلباً للعدل إذا لاقوا فساداً. إذا خضع القضاء للفساد تفقد الدولة عمادها وسبب وجودها. أن العراق بأكمله مراقب وليس فقط عملية التصويت في الإنتخابات. وإذا فشل القضاء في بسط العدالة فلا مفر من فرض الوصاية الدولية. لا تستهينوا بالعدالة

Comments are closed.