المظلومية وليست الطائفية

تكثر هذه الأيام المقالات التي تهاجم الطائفية وتتهمها بكل ما يجري من أمور سيئة في العراق، لكننا نرى أن الطائفية بحد ذاتها لا تسبب الكوارث فهي موجودة عند جميع المجتمعات الدينية وتمارس بتعقل وبلا أذى للآخرين، ناهيك عن المطبات الأخرى التي تترتب على تحميل الطائفية وزر الفساد وإنعدام الأمن والسياسات الأستبدادية، إذ لو تسائلنا ماهي الطائفية؟ هل هي تعيين الأقارب؟ أم إمضاء العقود المزيفة؟ أم تنحية الموظفين والأساتذة الأكفاء وتعيين أعضاء الحزب الحاكم في مناصبهم الأدارية؟ هذه كلها موجودة لدينا ولكننا لا نستطيع بكل أمانة أن نصفها بأنها وبحد ذاتها من الطائفية رغم سوئها ودلالاتها.

كلنا طائفيون ولا عيب بذلك، ورجال الدين بلا إستثناء ورغم إجتهاداتهم وإدعائهم بالعكس فهم طائفيون بالضرورة، فلولا إنتمائهم الطائفي لما تقدموا في مراكزهم الدينية، ونحن حينما نتعبد بطريقتنا الطائفية لا عذر لنا ولا إعتذار فنحن حينها نتصرف بطريقة طائفية. لكننا لا ندعي المظلومية وهنا بيت القصيد. المظلومية لا تعني الطائفية ولا ترتبط بطائفة دون الأخرى، فالذي يعين أقرابائه وجميع أفراد أسرته لا يستطيع تبرير عمله هذا إلا بالمظلومية، أي أنني وعائلتي مظلومين ونستحق التعويض بالمناصب والإدارات، والرشاوي والعقود السمينة لا توزع على قاعدة طائفية أو قومية لكن على إستحقاقات المظلومية، والإستحقاق الحزبي بمناصب الدولة التي ينبغي أن توزع حسب الكفائة هو من المظلومية وليس الطائفية إذ هو الآخر يستثني من هو ليس مساندا للحزب الحاكم.

المظلومية ليست في العراق فحسب، فهنالك الهنود الحمر والأمريكان الأفارقة واليهود الأسرائيليين والفرنسيين في كيبيك وبعض الأقليات وجميعهم يشتركون بشعور قوي من المظلومية وكثيرا ما يطالبون بتعويضات خيالية لما أصابهم من مصائب منذ مئات السنين، ولكن لا تنجح عادة مطالبهم هذه إلا بإستعداء التيارات السياسية المعتدلة وإبعادهم عن النفوذ السياسي.

تعمل آلية المظلومية بلا إستحياء ولا إكتراث للقيم الديمقراطية والعدالة، فإن سرق أحدهم أو قتل أو هجر وإعتدى على حرمة جاره فهو منا ويسانده إخوته ظالما كان أو مظلوما ولا شيئ يعوض عن الظلم التاريخي الذي يجمعنا. وتعمل الشراكة في المظلومية على تدمير القضاء والردع حيث أن إستثناء المقربين والمشتركين في المظلومية من العدالة يقوض آلية الردع فلم يعد أحدا يخاف من المحاكمة فكلها تبدو مسيسة أو مشتراة.

لو أردنا تحديد صفة واحدة تتصف بها الممارسات الخاطئة في عراق ما بعد الإحتلال لما إستطعنا إستثناء المظلومية من طابور الإشتباه.

Comments are closed.