كلا يا دكتور: علة ديمقراطيتنا ليس في شكلها ولكن في أساسها

أشار الدكتور أياد علاوي في مقابلة مع وكالة رويتر للأنباء ونشرته العديد من وسائل الإعلام أوائل كانون الثاني يناير 2009 أنه قد أسدى النصح للأمريكان وغيرهم بأن العراق لن ينفعه الديمقراطية إذا تم تطبيقها على الطريقة الأمريكية بل سيعود هذا اللون بالوبال والشقاق، والأجدى أن نتبع أشكال أقرب لطبيعة شعبنا كالديمقراطية اللبنانية أو التركية. والحق يقال أن هذا ليس بالرأي الجديد بل هو شائع ومقبول لدى الكثيرين من المدافعين عن الديمقراطية، ونحن إذ إختلفنا مع هذا الرأي فليس ذلك عن إختلاف في الغايات أو النوايا بل العكس، فنحن نتفق على حرصنا على نجاح الديمقراطية، وإنطلاقا من هذا الحرص نرى أن السير في إتجاه الإستنتاجات التي تقودنا من هذا السياق سوف لن تؤدي الى الحلول بل الى المزيد من المشاكل ولهذا ندعو الى البحث عن بدائل تقود الى نتائج أكثر ايجابية.

أن الدعوة الى إتباع نموذج للديمقراطية بدون دراسة مسبقة وبإستقلال الإرادة العراقية يؤدي حتما الى الممانعة من بعض الأوساط الأمريكية، والدعوة الى إتباع النموذج التركي يؤدي الى الممانعة من بعض الجهات الدينية وليس كلها! أما إتباع النموذج اللبناني أو ما يسمى باللبننة فهو مرفوض مسبقا لما له من دلالات في ترسيخ المحاصصة والطائفية وعدم المسائلة في الفساد الإداري، وهي الأمور التي نشتكي منها في الأساس. مع ذلك فالبدائل لا تزال كثيرة وإختيار الأنسب بينها، حاله حال غالبية المشاكل المعلقة، سوف لن يكون بالتوافق بين جميع الأطراف. من ناحية أخرى علينا أن لا ننسى بأن المحاصصة جائت كرد فعل للممارسات التعسفية لدكتاتورية صدام حسين وعلينا أن نتفحص الجوانب الأيجابية قبل أن نرفضها جملة وتفصيلا كما يدعو الأستاذ أحمد الحبوبي وغيره من ذوي النوايا الحسنة. وقبل أن أشرح البديل الأكثر تلائما مع ظروفنا لنستعرض قليلا الأسس الفاسدة لما نحن فيه من أوضاع.

مما ليس من جدال فيه أن ديمقراطيتنا لم تبنى على نعداد سكاني معتمد وملزم لجميع العراقيين بل جائت مبنية على نسب المساهمة في الإستفتاء على الدستور الذى تم في 2005 وهو بطبيعته غير ملزم على الأفراد للمساهمة فيه وهذا هو أحد أهم مسببات الشقاق، فالتعداد السكاني لا يثير أي مشاعر أو تطاحنات إذا جاء صادقا ودقيقا لأن تكراره بنفس المصداقية سوف يؤدي الى نفس النتائج والتي لا تعتمد على الجهة التي تنفذه، أما الإستفتاء كما جرى في بلادنا فيؤدي الى نتائج لا يتوقع أن تعاد تحت ظروف مختلفة وهنا بيت القصيد، فالفئات المستفيدة تعتصر الموقف المؤقت بالمواجهات والسياسات التعسفية لتحقيق منافعها. أن المسؤولين عن الأزمة السياسية هم بالدرجة الأولى الأعضاء الفاعلين في العملية السياسية، أما من إستبعدتهم هذه العملية من خلال تجاهل الحاجة للتعداد فليس أمامهم إلا التأثير الهامشي في القرار السياسي . وأن سعي الأمريكان وغيرهم لتحقيق المصالحة الوطنية بالمؤتمرات والصفقات الفاوستية ما هو إلا من قبيل ذر الرماد في العيون لتحقيق مصالحهم وتعميق تدخلاتهم. وأول العلاج هو في الرجوع الى الأساس الصحيح للديمقراطية وهو تعداد السكان بمصداقية دولية.

ومن أهم ما يميز العملية السياسية بالإضافة لما سبق هو أحادية المجلس، رئيس الدولة ليس بالإنتخاب المباشر، الإنتخاب بالقائمة المغلقة و التصويت المتناسب في العراق كمنطقة إنتخابية واحدة، وجميع هذه المميزات ليست في النموذج الأمريكي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما شكل النموذج الذي بنيت عليه ديمقراطيتنا؟ قيل أن النموذج الأسباني كان أحد النماذج ذات الأثر في إنتقاء شكلها في البداية لكني أجد أن هذا النظام فيه الكثير من المركزية بالاضافة لكونه ملكيا ما يجعله بعيدا من واقع الحال وتطلعات الإتجاهات السياسية المتنفذة من فيدرالية هلامية، لذا أجد أن التشبيه بالنظام الأسباني يفتقر للمصداقية. وعلى الرغم من النكران والإستنكار أجد أن التشبيه الأقرب للواقعية هو بين النظامين اللبناني والإسرائيلي، فعدم الإستناد للتعداد والمحاصصة والتقسيمات الطائفية هي من خصائص اللبننة، لكننا نفتقر الى الإنتخاب على مراحل على شاكلة التقاليد اللبنانية مما يسهل الإشراف على التصويت و تأمين نزاهته. والتصويت بالمنطقة الإنتخابية الواحدة والرئيس الذي لا ينتخب مباشرة وأحادية المجلس وغيرها مما يشابه النظام الإسرائيلي وليس الأمريكي. هذا هو حالنا الآن والسؤال هو: أين نريد أن نكون في المستقبل؟ وما هي أنجع السبل للنجاح؟ للوصول الى جواب مفيد لهذه التساؤلات علينا أن نتبنى رؤية ما، وهي في هذه الحالة رؤية كاتب المقال.

نحن نريد إستمرار وتثبيت حرية التعبير عن الرأي، وهذه ليست كما يتوهم البعض مرادفا لمفهوم الديمقراطية فقد عرفنا حرية التعبير في بلادنا وفي مجتمعات أخرى تحت حكام وعادلون، لكن حرية التعبير هي من شروط الديمقراطية ومن أهم وجوهها هو سلامة الإعلاميين وهذه مفقودة. نحن نريد أساسا ثابتا للديمقراطية وإنتخابات نظيفة: إشراف الأمم المتحدة على تعداد النفوس والإنتخابات. نحن نريد حكومة ذات سياسة واحدة يمثلها شخص منتخب لبرنامجه السياسي وليس حكومة ذات سياسات على عدد الوزراء كل يسعى لمصلحة مجموعته. نحن نريد ضمان تمثيل الأقليات وليس تهميشها. نحن نريد ضمان عدم رجوع الدكتاتورية ونظام شمولي لا يستثني أحدا ولا يجرم أحدا بسبب لحزب معين أو مجموعة ما. نحن هاهنا نرى أن ما نريده فيه الكثير مما لدى النموذج الأمريكي. أن المحاصصة مسيئة إذا تداخلت مع القرارات الإدارية كتوظيف المقربين وإنفاق المال العام على المصلحة الخاصة، لكنها مفيدة إذا إعتدلت في المناصب التمثيلية والإستشارية، ومجلس البرلمان في وضعه الحالي يمكن أن يتحول الى مجلسا للشيوخ، حينها تنقلب مسيئة المحاصصة والإصطفافات الطائفية والعرقية الى مزايا حميدة، على أن يبادر بإنتخاب مجلسا للعموم يستبعد عنه الإعتبارات الطائفية، وهذا يعني إتباع النموذج ثنائي المجلس. لذا فالموقف السليم الآن يكمن في المطالبة بإتباع النموذج الأمريكي وليس إستبعاده، إذ يصعب على الأمريكان وحلفائهم عدم الإستجابة ويسهل الطريق أمام الإصلاح وتجسيد إرادة العراق الحرة المستقلة.

Comments are closed.