الذئاب والديمقراطية

شاهدت مقطعا على الإنتر نت حول إعادة الذئاب البرية إلى محمية يلو ستون في الولايات المتحدة، والتي إنقرض وجودها في هذه المحمية منذ سبعين عاماً بسبب الأصطياد المستمر من قبل المزارعين الذين كانوا يعانون كثيرا من إفتراس الذئاب لأغنامهم وحيواناتهم. بعد إبادة الذئاب تكاثرت الغزلان البرية التي لم يعد أمامها أعداء طبيعيون يفترسونها، وإزدادوا لدرجة لم يتبقى قرب مناطقهم أية أعشاب طرية ولا أشجار صغيرة تقتات عليها الغزلان وتناقصت مساحات الغابات وتسببت التعرية بتجريف الأنهار التي فقدت مساراتها الثابتة فكثرت الفيضانات وأختفت الطيور المهاجرة وتحولت البيئة إلى ما يشبه الصحراء المقفرة الخالية من مظاهر الحياة.

ثم قدم بعض علماء البيئة إقتراحاً بإدخال قطيع صغير من الذئاب التي تنتشر في براري كندا وسهولها القريبة إلى هذه المحمية.وكانت المفاجئة، فقد قامت قطعان الغزلان بتجنب المناطق المجاورة لمنعطفات الأنهار والتي يسهل فيها أصطيادها، مما فسح المجال أمام الأعشاب والأشجار لأعادة النمو ورجعت الطيور والحيوانات المتنوعة الأخرى وزال إقفرار المناطق المحاذية للأنهار.

ومما يثير الإعجاب هو ماحصل لمسار الأنهار، فقد تسبب رجوع الأعشاب إلى ضفافها في إستقرار مساراتها وقلت مخاطر الفيضانات.

الفكرة الأساسية وراء هذه القصة ليست جديدة، فالروايات التاريخية تحدثت عن أحد ملوك بابل الذي تضايقت زوجته من كثرة الغربان في حدائقها، فقام الملك بقتل جميع الغربان وتكاثرت نتيجة لذلك العصافير وأتلفت المحاصيل والأشجار وأضطر الملك لأرجاع الغربان حماية لبيئة الحدائق والمحاصيل .

لكن قصة الذئاب تحتوي أكثر من مجرد مزاج الملكة وحماية الرعية، أنها عبرة التدخل الخارجي وإستقرار البيئة المحلية. فالبشر من المزارعين الذين أبادوا الذئاب حماية لمزارعهم ومصالحهم الفورية كانوا عاملا خارجياً أثر في توازن البيئة المحلية وتحول هذا التأثير إلى تهديد مباشر لمصالحهم في المدى المتوسط والبعيد. أنه التفاعل بين العائد المنظور والتهديد الأكثر خطورةً المختبئ وراء المنعطف القادم. وهو الإقصاء لفئة قد لا تعجبنا ولانتفق مع آرائها ومعتقداتها والذي يؤدي إلى تمادي الفئات الأخرى والقيام بنفس الأعمال التي سببت الإقصاء للفئة الأولى.

لكن المعنى الأعمق الذي يتضح من قصة ذئاب محمية يلو ستون هو تأثير تنوع الأصناف على ثبات وإستقرار البيئة، ما أفهمه من توازي المعاني أن إقصاء فئات المجتمع لا يؤدي إلى إنسجام المتبقي من بقية المجتمع وإنما إلى عدم إستقرار النظام الديمقراطي والإجتماعي الذي يحتوى الجميع بطرق قد لا تكون ظاهرة في البداية.

أن العراق بيئة متعددة الأعراق والطوائف والمعتقدات والتعددية جائت نتيجة لتعايش طويل على مدى آلاف السنين بالإعتماد المتبادل والتجارة والتبادل الثقافي، والتنوع هو مصدر ثبات مجتمعنا وثبات الديمقراطية ومن يعتقد أن التقسيم سوف يؤدي إلى الإستقرار لا يرى علاقة الإعتماد بين جيران الوطن الواحد.

Comments are closed.