ليست العدالة كالهدف الذي يخطأ أو يصاب
تناولت وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي نبأ إصدار حكم الأعدام المفاجئ على النائب السابق أحمد العلواني، وتسائل الكثيرون عن حيثيات الحكم وإجراءات العدالة وأضاف آخرون ملاحظاتهم عن توقيت الحكم وتسييس القضاء، ومن ناحية أخرى وعلى الضفة المصرية أصدرت محكمة حكما ببرأة الرئيس السابق حسني مبارك وبطانته من تهم قتل مئات المتظاهرين في ميدان التحرير. وتتركنا هذه الأحكام نتسائل عن الخطأ والصواب وعن عقلية القضاة وتأهيلهم ومن إختارهم ووضعهم في مواقعهم.
تشترك الأحكام في ظاهرة واسعة الأنتشار في مناطقنا العربية وهي عدم إستقلال القضاء وتدخلات الحكومة التي يتقبلها بعض القضاة والمحامين وكأنها طبيعية ومتوقعة، وقابليتهم على تبريرها تكون جزء من دراستهم وواجباتهم وشطارتهم.
وبيننا الكثيرون ممن يحمل النظرة التشاؤمية ويتمنى أن يأتي اليوم الذي تتم فيه العدالة وتكتمل الصورة وتملأ جميع الفراغات بمتطلبات شروط إستقلال القضاء وتحصل هذه اللحظة التامة الطمأنينة والكاملة المعاني وكأنها لوحة مرسومة في مخيلاتنا.
وهنا تكمن المشكلة، نحن نتخيل العدالة وكأنها هدف نسعى لتحقيقه، وحينما نصل إليه فلا نحتاج لعمل المزيد، ومن صفات هذا الهدف إجماع المساهمين في جزئياته على تحقيق هذا الهدف، فالقضاة والمحامون يتمتعون بكامل النزاهة والكفائة والشرطة تعامل الجميع بالتساوي ولا تستلم الرشاوي والناس كاملة الثقافة وتحترم سلطة الدولة ومؤسساتها. طبعا هذه الصورة ليست سوى طوبائية ومثالية أفلاطونية مستحيلة التحقيق لكن المقترحات والسياسات الحالية تعكس بساطة التفكير ومثالية أفلاطون وتخيلات ثابتة لا تتغير على مر العصور وبأختلاف الدول والمجتمعات.
الواقع كما أتصوره يرى القضاء المسييس في جميع الدول والفرق هو في عمل المؤسسات. المؤسسات التي تحاسب على سلامة الأجراءات وتعقب الفساد ومحاسبة المفسدين تمنع تعطيل العدالة لكنها تعمل ببطئ وتعمل بالسمعة. لقد غابت مؤسسات المحاسبة لدينا فحلت محلها تمنيات طوبائية وسياسات تعويضية مثل معالجة التسييس بالتسييس المعاكس ، والحل ليس بتغيير السياسات وإنما بأعادة عمل مؤسسات الدولة والحفاظ على إستقلاليتها.