الديمقراطية لماذا؟

واجهت مجتمعاتنا الشرقية تقدم الغرب بأهتمام بالغ منذ مطلع القرن العشرين، وكانت ردود الأفعال متنوعة وتعكس طرقا مختلفة لفهم الديمقراطية منها أعمال وكتب من شخصيات قد تكون عظيمة أو مغمورة. ليس بوسعنا نقد أو تكملة الكم الهائل مما جاء به السوابق لكن تطور العلم يوفر أفكاراً وزوايا جديدة للنظر إلى مفاهيم قديمة، نحن بصدد الأعتماد على علوم جديدة لأعادة النظر نحو الديمقراطية ومحاولة إنتقاء الأساسيات الضرورية منها لملائمة ظروفنا وإحتياجاتنا الشرقية الخاصة.

نبدأ بتعريف ما نعنيه بفكرة الديمقراطية ولا شك أن هنالك من سوف يجد هذا التعريف ضيقاً أوغير كاف، لكننا نحتاج لحصر المفاهيم في زوايا ضيقة إذا أردنا أن نعتصر الأساسيات ولا نستخرج بيانا ختاميا للتعبير عن الحد الأدنى من الأتفاق على هذه الفكرة المثيرة للجدل.

تبدو الديمقراطية بالنسبة للأفراد على أنها الأستحقاق الأنتخابي لممارسة السلطة التنفيذية في الدولة. والتأكيد هنا على الأستحقاق الأنتخابي لأن ما يريده الأفراد هو التبرير المقنع للتفويض الشعبي للحزب أو القائد الذي يتمتع بالشرعية القانونية لممارسة السلطة عن طريق الأنتخابات. والأنتخابات بالنسبة للأفراد هي عملية قياس للرأي العام مبنية على مبدأ صوت واحد للفرد الواحد، الغاية منها هو تقليص أو إختزال تعددية السياسات المطروحة إلى سياسة حكومية واحدة وتكون محاسبة الحكومة على أعمالها التي تشكل تياراً فريدا من الأحداث الواقعية وليست نواياها التي تتنوع مع تعددية الطروحات.

ولكن ما يراه الفرد من المواقف والإدعاءات الرسمية لا يشير بالضرورة إلى أساسيات الديمقراطية، الأمثلة عديدة على حالات ودول تدعي الديمقراطية حيث أنها تجري الأنتخابات وتقلص سياسات مطروحة وتطابق ظاهريا على الأقل المفاهيم الفردية للديمقراطية، فالديمقراطية كمؤسسة من مؤسسات الدولة وكظاهرة هيكلية لها وظائف وأساسيات أعمق مما يراه الفرد.

الديمقراطية لها وظيفة إجتماعية ذات إتجاهين متعاكسين، من ناحية هي تخلق التنوع السياسي بدون إستبعاد أو إستثناء مبني على إعتبارات سياسية ومن ناحية أخرى هي تختزل هذا التنوع إلى إتجاه واحد ينفرد بممارسة السلطة، والمرحلة الوسطى التي توفر التنوع السياسي قبل الأنتخابات هي ما يميز الديمقراطية عن سواها ويوفر لها الشرعية.

والسؤال هو: مالذي بإمكان الديمقراطية تقديمه لمجتمعاتنا المتناحرة مما يؤدي إلى الإستقرار؟ ألم نجرب الأنتخابات والتنوع؟ ألم يؤدي تسامح القادة المتحررين إلى بروز الدكتاتوريات من بعدهم؟ لماذا ننادي بالديمقراطية الآن بعد تاريخ طويل من التجارب المريرة؟

والجواب هو أننا لم نحقق المرحلة المتوسطة من توفير التنوع الكامل بلا إستثناء ولا إستبعاد، فقد كان هنالك دائما بعض الأستثناءات والأجتثاثات والجزئية في إتباع الحكام لما شائوا من تفسيرات الديمقراطية، ونلاحظ أن السلطة التالية لما كان قد توفر من حيز للحرية الجزئية يكون دائما من أتباع أو أنصار التيارات المستبعدة، وتأتي التيارات التالية غالبا بقوة السلاح وتستلم السلطة بالأستحقاق النضالي وتستبعد جميع من والى أعدائها. ولهذا السبب نادينا بأشراف الأمم المتحدة على الأنتخابات لأن جميع من نادى بالديمقراطية من أحزابنا التي مارست السلطة أو إقتربت من ذلك مارست إستبعاد المعارضة أو رضت عنه ولم تدافع عن حقوق من عارضوا سياساتهم.

لماذا الديمقراطية؟ لأنها السبيل الوحيد لتحقيق الشرعية بدون الأستحقاق النضالي الذي يأتي نتيجة للإستبعاد والأستثناء والأجتثاث وتزوير الأنتخابات وتسييس القضاء.

والنضال كالسلعة التجارية المطروحة في سوق السياسة، كلما كانت تؤدي لنتيجة تغني أصحابها وترفع أقدارهم كلما كانت تتبع وتشترى، لكن إذا لم تؤدي إلى نتيجة وإذا حل الأستحقاق الأنتخابي محلها فلن يشتريها أحد.

جائت الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان بنسخة مخففة من الديمقراطية وساندت حكومات تستبعد المعارضة فلم تؤدي إلا إلى عدم الأستقرار وإلى زيادة قوة المستبعدين وإضعاف ما تبقى من الديمقراطية وإلى إستمرار الوضع القائم، فلم تأتي الولايات المتحدة في واقع الأمر بجديد.

Comments are closed.