محنة المستقبل السياسي في العراق
لا تزال لقطات تحطيم التماثيل الأثرية في متحف الموصل تثير أقصى درجات الرفض في الأوساط الثقافية لأعمال دولة الخليفة المزعوم ومبادئه الملتوية . لكن واقع الحكومات الدينية في العراق وأيران يفرض تساؤلاً مشروعاً وهو: هل تستطيع الأحزاب الدينية محاسبة المسئولين عن تدمير آثار تعود قيمتها للإنسانية جمعاء؟ لا أعتقد ذلك لكني لا أشك بأن المنتفعين من هذه الأحزاب سوف يؤكدوا للعالم بأنهم قادرون على محاسبة الدواعش، لكنهم سوف يحاسبون إستنادا لمصلحتهم ودفاعاً عن أعراضهم والأهم من ذلك هو عملهم في إطار الأستحقاق النضالي، أي أن حسابهم وتضحياتهم تبرر إستفرادهم بالسلطة و إستبعاد شريحة أخرى إضافة لإجتثاث البعث من العملية السياسية. وهنا تكمن محنة المستقبل.
فالأستبعاد يفاقم المشكلة ولا يحلها وهو يشكل إنتهاكاً آخر لشرعية النظام السياسي الذي لا يزال يقلص من القاعدة الشعبية التي يستند إليها، ولننظر مرة أخرى لجريمة تدمير الآثار بتمعن أكثر هذه المرة.
ما هو فحوى الرسالة من خلال نشر الفيديو لذوي اللحى المتربة وهم يضربون بمطارقهم على تماثيل ثيران مجنحة ووجوه ملوك آشورية لا ترقى لمستوى الآلهة التي يدعي بها الدواعش؟
أنها تقول: نحن لا نحترم مقدسات الغير، والرسالة في سياقها تقول: أنكم لا تحترموا مقدساتنا لذا فسوف لن نحترم مقدساتكم وهي تهديد تاريخي يفهمه العراقيون جيداً سبقه أعمال وتبعه أعمال.
ولا شك أن نبش قبور صدام وأقربائه مؤخراً تعود إلى نفس التفسير، وعلى الذين يحتفلون بهذة الأعمال ويبررونها بالمفاهيم القبلية (بالأنتقام) عليهم أن يفهموا تبعات أعمالهم، فالقبور والآثار هي مقدسات محلية وعالمية ،تدنيسها يعني تصعيد المواجهة، وإحتقار الخصوصيات المحلية وإستمرار الأستبعاد. أنها لغة مشتركة يفهمها المتطرفون والضحايا على وجه سواء.
نحن جميعاً طائفيون شئنا أم أبينا، بطبيعتنا نحتمي بطائفتنا في ساعة الخطر وكلما زاد الخطر إزدادت طائفيتنا، وهذه ظاهرة إجتماعية ثابتة أكيدة ومدروسة.وهي حقيقة يفهمها ويعتمد عليها الإستراتيجيون وتنطبق على الأحداث في العراق بتزايد ملحوظ مع إزدياد وتيرة المواجهات.
يشترك كلا طرفي التطرف في تحمل مسئولية الأستقطاب الطائفي مع سبق الإصرار والترصد، كلاهما تبنى إستراتيجية كارثية لم نشاهد نتائجها النهائية بعد لكن من الواضح أن الأطراف تسعى للمواجهة وتعتقد أنها سوف تفوز في النهاية وتستلم الدولة بالإستحقاق النضالي.
الحل يكمن في إسقاط الأستحقاق النضالي وإحلال الأستحقاق الإنتخابي بضمان نزاهة الإنتخابات، بإشراف الأمم المتحدة على العملية السياسية برمتها.