آراء متطرفة: الأحزاب الدينية باقية إلى ما شاء الله
تؤدي الفكرة السائدة إلى نقيضتها، ومن ثم إلى فكرة سائدة جديدة تتكون من تركيبة تجمع حسنات الفكرتين. وتؤدي هذه الفكرة المركبة بدورها إلى نقيضتها ثم إلى تركيبة جديدة محسنة عن سابقتها وهكذا دواليك تتطور الفكرة إلى الأحسن إلى أن تصل إلى مرحلة الكمال.
هذه هي خلاصة من فكر هيجل، الفيلسوف الألماني من أوائل القرن التاسع عشر، والمعروفة بالديالكتيكية التاريخية. وهي أيضاً إحدى دعائم الفكر الماركسي الذي يعتقد بأن الأسباب المادية هي المحرك الأساسي لعملية التطور التاريخي هذه.
وفي سياق أحداث اليوم والأمس القريب لا يسعني سوى أن أستعين بما كتبه صديقي العزيز أبو رائد موفق التكريتي في رثاء الأديب العراقي علاء المشذوب الذي أغتيل في كربلاء في 2 شباط فبراير 2019. يقول أبا رائد:
.هكذا يولد الضد من رحم المعاناة والموت والمطاردة
من رحم العثمانيين ولدت الدولة المدنية والحركة المدنية العراقية
العثمانيون تركوا في بغداد مساجد اكثر من المدارس فأنكب العراقيون على تأسيس المدارس ونادى الشعراء بحقوق المرأة والسفور
ومن العهد الملكي ولد الحزب الشيوعي فكل من عارض اتهم بذلك
ومن رحم الحقبة الجمهورية الأولى ولد البعث لان المايصفك عفلقي
ولا اعتقد ان حملة دعاية قام بها نظام لحزب مثل الدعاية التي قدمها النظام السابق لحزب الدعوة
وهكذا ولد حزب الدعوة أكبر من حجمه بسبب الهرمونات التي ضخها النظام السابق في خيال الناس
والى روح الرواءي علاء المشذوب القتيل في كربلاء اقول من رحم كفنك النقي سيولد عراق نقي جديد
عراق نلوذ به من عاديات الزمن ونستظل بنخلاته الباسقات ونتغنى فيه بحروفك الجميلة
ارقد بسلام وسكينة فدمك سينبت حرية وانسانا وانسانية وعراقا أكبر
فالفكرة تؤدي إلى نقيضتها ، والحكم الجائر يؤدي إلى حكم معارضيه، وهذه ظاهرة يعرفها العراقيون جيدا وخصوصاً من عاش في ظلال الإنقلابات خلال السبعين عاماً الماضية، وحتى فيما سبقها لأن حركة القومية العربية التي أدت إلى نشوء الدولة العراقية تحت لواء فيصل الأول ما نمت إلا بعد “المعاناة والموت والمطاردة” من قبل جمال السفاح وأعوانه من القوميين الأتراك.
ولكن هنالك خلل في ظاهرة تعاقب المتضادات في العراق، فالنظرية الأصلية تتوقع أن تتحسن الأفكار أو الأحكام مع كل مرحلة جديدة في حين أن واقع الشعب العراقي يزداد سوءً مع كل إنقلاب جديد، وهذا أمر لاحظه الكثير من العراقيين وكأن التاريخ يثبت بأن مجتمعنا لا يتعلم من أخطائه، بل ويزداد جهلاً وإنخداعاً مع كل مرحلة سياسية جديدة.
كنا ندعو الله أن يزول الحاكم بعد كل إنقلاب والآن ندعو لزوال الأحزاب الدينية وكأن نقائضها ستكون أحسن منها. أن أحزاب الأضداد للأحزاب الدينية من داخل الحكم وخارجه، من دواعش إلى الأحزاب اليسارية والشيوعية إلى البعث، عملت وسوف تعمل بنفس طريقة الأحزاب الدينية وهي ضرب وإستبعاد المعارضة الحقيقية وهي بذلك تحمي نفسها من المسائلة حين يؤول الحكم إليها. أن التوافق السياسي الذي تبنته الولايات المتحدة في العراق أدى إلى إستبعاد المعارضة الحقيقية فأصبحت العملية السياسية بلا حساب، فعلينا أن نعي ونحدد ما يخافه ويحاربه الفاسدون وهو العدالة و المحاسبة. لقد إستشهد علاء المشذوب وغيره من الأدباء والمثقفين ليس من أجل تغيير الفاسدين من الأحزاب الدينية بفاسدين من أحزاب أخرى ولكن من أجل العدالة ومحاسبة المجرمين والسراق، وهذه لا تأتي نتيجة لإستبعاد المعارضة وإسكات المظلومين والجائعين، بل نتيجة لوجود معارضة حقيقية وأصوات حرة لا تقبل السكوت سواءً كانت دينية أو غير ذلك.
تبنى صديق عزيز نداءً يدعو إلى منع إستعمال الدين للأغراض السياسية، أي إلى إستبعاد الأحزاب الدينية من العمل السياسي، وطلب مني التأييد في ندائه هذا. بغض النظر عن الأسباب العملية التي تجعل من إستبعاد الأحزاب الدينية أمراً من شبه المستحيل، فأنني لا أستطيع القبول بمبدأ إستبعاد الأحزاب الدينية، أولاً لأنه سوف يقوض آلية المحاسبة والعدالة ويفتح المجال أمام تعاقب السلطة بدون محاسبة الفاسدين وثانياً لأنه سوف يدين من ينتمي لهذه الأحزاب ويمنعهم من ممارسة حقوقهم لمجرد الإنتماء، وهذا شر أشد من معاقبة الأحزاب لأنها تقع ظلماً على الأفراد وتمنعهم من حق الإختيار.
أن إستبعاد الأحزاب الدينية سوف يؤدي إلى تسييس محاسبتهم على أخطائهم ونسيانها، لذلك أقول أنها باقية طالما كان لها رصيد من التأييد الشعبي، فلا أحد يستطيع إنكار حق المواطن في إختيار من يريده أو تجريمه لمجرد الإنتماء، سواء كانت لأحزاب اليمين أو اليسار.
أو كما قال أحد الحكماء: “ما من شيء أفضل للتقدم من وجود معارضين أقوياء”