إطار الأحداث في الشرق الأوسط: نظرة ذاتية من خلال نموذج مركب للمنطقة – فيصل لؤي قدري
الخلاصة
كانت ممارسات عملية تحديد مناطق النفوذ للقوى العالمية في الشرق الأوسط متبعة منذ القدم وحتى قبل معاهدة سايكس بيكو. لكن يبدو أن تقاسم دوائر النفوذ على العراق وسوريا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقاً قد أستمر لما يزيد على نصف قرن، وحتى في أحداث المنطقة منذ 2003 إلى الآن يبدو أن الإقتسام محترم من قبل اللاعبين الدوليين، أي الولايات المتحدة وروسيا، لدرجة كبيرة، في حين أن اللاعبين الإقليميين، أي تركيا وأيران، يتمتعان بتأثير واسع على الأحداث وعلى العراق وسوريا وهم اللاعبين المحليين.
النموذج المركب المقترح لسياسات الشرق الأوسط يحتوي على ثلاث طبقات للاعبين زائداً طبقة منبثقة لكردستان كلاعب في طور التكوين.
تدعو هذه المقالة لإستقرار الشرق الأوسط من خلال إنشاء دولة مستقلة مصغرة لكردستان ذات أراضي في أجزاء من مناطق اللاعبين المحليين والإقليميين حالياً، وذلك بعد إجراء الإستفتاء والإنتخابات بإشراف الأمم المتحدة بحيث تؤدي إلى إنشاء دولة كردستان بضمانات دولية على أن يرتبط التنفيذ بسريان اتفاق إقليمي لتقاسم المياه.
المقدمة
مفاوضات تقسيم دوائر النفوذ في الشرق الأوسط كانت تجرى منذ القدم، وحتى قبل معاهدة سايكس بيكو المشهورة في 1916(1). في ذلك الوقت نصبت بريطانيا بالإتفاق المتبادل كصاحبة النفوذ على العراق ونصبت فرنسا على سوريا. وتطور نفوذ بريطانيا ليصبح إنتداباً رسمياً على العراق في (2)1921 وفرنسا على سوريا في (3)1923.
استمر نفوذ بريطانيا على مجريات الأمور في العراق بعد إنتهاء الإنتداب رسمياً على العراق في 1932 من خلال سلطة السياسي العراقي المعروف نوري السعيد(4)، والذي مال في قراراته إلى جانب بريطانيا إلى أن حلت الولايات المتحدة محلها كصاحبة القوة المؤثرة في حلف بغداد(6). واحتفلت الولايات المتحدة بتحول العراق ونوري السعيد إلى جانبها بترتيب زيارة رسمية للملك والوصي للولايات المتحدة في 1957، وأظهرت نفوذها في الوساطة بين العراق والمملكة العربية السعودية بمباركة الرئيس الأمريكي أيزنهاور(18). وكانت صورة نوري السعيد على مقدمة مجلة التايم(19) وارتفاعه في التقدير الأمريكي إلى موقع البطل الوطني ومقارنته بقادة مثل تشان كاي شك الصيني وسينغ مان ري الكوري الجنوبي كان قد كتب عنها في حينها الإعلامي البريطاني الشهير بول جونسون(6).
تلا إنقلاب 1958 في العراق عدة قيادات عسكرية ذات ميول يسارية ورغبات في توثيق علاقات الصداقة مع الإتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي، ولكن القيادات العسكرية إنتهت في العراق في عام 2003 مع إحتلال الولايات المتحدة، حيث إشتركت أيران وأخذت زمام المبادرة بسبب غياب القرار الإستراتيجي في سياسة الولايات المتحدة.
أما في سوريا فقد إنتهى الإنتداب الفرنسي رسمياً في عام 1946(5) وضعف النفوذ الفرنسي تدريجياً حتى عام 1956، حيث إبتدأ النفوذ السوفيتي مع تجهيز الجيش السوري بمعدات عسكرية ومساعدات إقتصادية بكميات متزايدة. وفي عام 1971 أسس الإتحاد السوفيتي أولى منشئاته في قاعدة طرطوس البحرية، واستمر نمو قواعده في سوريا حتى 2009 وإلى الآن(13).
توحي أحداث الشرق الأوسط منذ 2003 بأن الولايات المتحدة وروسيا، وهي اليوم الوريث الوحيد لنفوذ ومعاهدات الإتحاد السوفيتي المنحل، بأن كلاهما يحترم نفوذ الآخر في المنطقة. يبسط النموذج المقترح سريان النفوذ ويفترض أن دوائر النفوذ للاعبين الدوليين لا تتقاطع . يصف الفصل التالي تجربة الكاتب الذاتية التي تضع أحداث الشرق الأوسط في إطار إتفاق غير معلن بين وفدي الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي في لقاء فلاديفوستوك في عام 1974، بعدها نرسم النموذج المركب الذي يؤدي إلى تحديد كردستان كمنطقة تقاطع لنفوذ جميع اللاعبين وبذلك تكون النقطة الأكثر تأثيرا على إستقرار الشرق الأوسط. وفي الفصل الأخير نتحدث عن سيناريوهات بأمل تحديد مساراً سلمياً يؤدي إلى الإستقرار.
إطار أحداث الشرق الأوسط: تجربة ذاتية
كان هنالك لقاء في مدينة فلاديفوستوك الروسية في عام 1974 بين جيرالد فورد رئيس الولايات المتحدة وليونيد بريجينيف السكرتير العام للإتحاد السوفيتي، وعرف اللقاء في حينها بلقاء قمة فلاديفوستوك لنزع السلاح(10). دام اللقاء يومان فقط وكان اليوم الثاني مخصصاً للنقاش حول الشرق الأوسط. ورغم أن الرئيس فورد أقر بعدم وجود تقدم ذو أهمية ذلك اليوم لكن أحد الدبلوماسيين العراقيين في لندن أخبرني بأن هنري كسينجر من الطرف الأمريكي وأندريه غروميكو من السوفيتي قد توصلا إلى إتفاق غير معلن لتحديد دوائر النفوذ في الشرق الأوسط، وكان الهدف منها هو تقليل إمكانية المواجهة المباشرة بين الطرفين في منطقة الشرق الأوسك الملتهبة. الإتفاق أعترف بأن سوريا سوف تخضع للتأثير المباشر من الإتحاد السوفيتي بدون أن تتحداها الولايات المتحدة مقابل أن يبقى العراق في دائرة نفوذ الولايات المتحدة. والمنفعة المتبادلة لهذا الإتفاق قدمت لكلا الطرفين ما يريدانه: الإتحاد السوفيتي يريد المرفأ لأسطوله في المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط بلا تحد أمريكي في حين أن الولايات المتحدة لها التأثير على منابع النفط في العراق بدون تحد سوفيتي. أتذكر بأن هذا الدبلوماسي قد أشتكى من الأضرار التي سوف تحل على العراق وسوريا لأن الإتفاق يؤدي إلى حرمانهما من الإستفادة من خيار الحياد الأيجابي. وكان الحياد الأيجابي في الخمسينيات يمثل الخيار الأفضل للدول غير المنحازة، حيث أن الدول الصغيرة أو النامية مثل مصر والهند وإندونيسيا كانت تتعامل مع كلا القوتين بالتوازن بما يحقق الفائدة الأعظم لها في مجالات المساعدات الإقتصادية والعسكرية.
وفي الدراسات السيبرانية هنالك مفهوم ذو علاقة بالموضوع هو التنوع الضروري (17)(Requisite variety) وحسب قانون التنوع الضروري فأن الكائن أو النظام الحي يحتاج لتنوع في سلوكياته بعدد مقابل لا يقل عن التنوع في بيئته والتي هي ضرورية لبقائه ولتحقيق مصالحه، وبالتالي فأن إنقاص التنوع السلوكي أو الخيارات (السياسية) المتاحة يقلل من قابلية النظام في التحكم في بيئته. لذلك فأن تحديد دوائر النفوذ حصرياً ينقص قابلية اللاعبين المحليين على التحكم في أمورهم ومنافعهم ويحد من السياسات المتوفرة أمامهم ويجعلهم بالضرورة معتمدين على اللاعبين الدوليين في البقاء. ولا ينبغي أن نسرع بالإستنتاج بأن دوائر النفوذ الحصرية تشكل إمتيازاً أو قوة بدون تكلفة أو مسئولية تقع على عاتق اللاعبين الدوليين، بل العكس لأن الإدارة الذاتية المحلية أو اللامركزية عادة ما تكون أكثر كفاءة وأقل تكلفة من الإدارة المركزية التي تنفذ عن بعد.
لكن قبيل مؤتمر فلاديفوستوك وتحديدا في عام 1972 قام الاتحاد السوفيتي تحت قيادة أليكسي كوسيغن بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون رسمية مع العراق(9)، لذلك فقد تكون غاية الولايات المتحدة من اتفاق فلاديفوستوك هو تحييد دور الاتحاد السوفيتي في العراق، لكن في الواقع استمر دور الاتحاد السوفيتي في العراق في النمو تحت قيادة صدام حسين الذي قرر شراء السلاح الروسي الرخيص الثمن عوضاً عن الأمريكي المبالغ في تكاليفه إلى عام 2003(8).
توفر حصرية دوائر النفوذ في الشرق الأوسط إطاراً يساعد على فهم الأحداث السياسية في العراق وسوريا منذ 2003، ويؤدي هذا الإطار إلى تبسيط لشكل الترابط في المنطقة. ولننظر أولاً إلى محاولات التأثير المتقاطعة التي قد تتناقض مع التبسيط، وهي محاولات تأثير روسيا على أحداث العراق وتأثير الولايات المتحدة على أحداث سوريا.
جاء الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003 بمساهمة إسمية من حلفاء مقربين، وكانت الإرادة السياسية للرئيس الأمريكي تعمل بصورة حصرية تقريباً. ولم تتحدى روسيا الإتحادية الوجود العسكري الأمريكي في العراق ولم تساند النظام العراقي لأي درجة مهمة كما كانت تفعل في الماضي(20). وكانت روسيا وفرنسا وألمانيا قد قدمت اقتراحاً للولايات المتحدة في 2003 يدعو لإشراف الأمم المتحدة على المؤسسات المدنية والإنتخابات، لكن كولن باول سكرتير الدولة للولايات المتحدة في حينها تهكم على فكرة تنازل بلده عن إدارة الأمور(21)، وهذا يدعو للاستنتاج بأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها صاحبة النفوذ الحصري على العراق.
أما في سوريا فقد إزداد تأثير روسيا بإضطراد منذ بداية تأسيس المرافق البحرية في طرطوس في 1971، وفي عام 2007 وقعت سوريا إتفاقية ثنائية تسمح لروسيا لأن تتمتع بالسيادة القضائية على قاعدتها البحرية لفترة 49 عام بدون مقابل(13). في حين أن العلاقة بين الولايات المتحدة وسوريا كانت بمثابة غير موجودة(14)، ومن ضياع مصداقية الرئيس أوباما حينما لم يقوم بتنفيذ تهديده المعروف بالخط الأحمر(15) على استعمال الأسلحة الكيمياوية إلى خطة الرئيس ترامب المفاجئة للإنسحاب من سوريا يبدو أن الولايات المتحدة تقوم بالتراجع دوماً من موقف التأثير على مسار الأمور في سوريا.
تشكيل النموذج الإقليمي
يؤدي تقاسم دوائر النفوذ في الشرق الأوسط إلى تبسيط النموذج المركب من تواصل جميع اللاعبين بعضهم ببعض إلى مسارين رئيسيين يتبعان اللاعبين الدوليين: الولايات المتحدة وروسيا. يوضح الشكل 1 المرفق توازي المسارين لنفوذ اللاعبين، ابتداء من اللاعبين الدوليين ثم الإقليميين تركيا وإيران ثم اللاعبين المحليين: العراق وسوريا. يستلم اللاعبين الإقليميين النفوذ من الدوليين ثم يتقاطعان في التأثير على العراق وسوريا، بحيث أن التأثيرات المتقاطعة تفوق في أهميتها التأثيرات المباشرة. ويلتقي النفوذ المتبادل لمعظم اللاعبين في المناطق ذات الأغلبية الكردية، مما يعطي أهمية بالغة لتطورات هذه المناطق وتأثيرها على استقرار المنطقة ككل.
لاحظوا عدم التوازن الإقليمي في النفوذ بين اللاعبين المحليين: نفوذ أيران السياسي والاقتصادي القوي على سوريا لا يقابله نفوذ سياسي تركي على العراق (مع وجود استفادة اقتصادية تركية حالياً من العراق)، كما وأن النفوذ الأمريكي على كردستان العراق لا يقابله النفوذ الروسي بنفس القوة. لاحظوا كذلك غياب الدور الإسرائيلي كلاعب بنفوذ قوي حيث أن إسرائيل كانت الدولة الأولى التي اعترفت باستقلال كردستان العراق بعيد استفتاء الاستقلال عام 2017، حيث أن الولايات المتحدة ساندت وربما تبنت استرجاع العراق لمنطقة كركوك التي حاولت ضمها القوات الكردية، وهذا يعني أن نفوذ إسرائيل غير كاف لفرض إرادتها على منطقة كردستان العراق الصغيرة.
يشبه النموذج المقترح لحد ما نموذج روس أشبي السيبراني المسمى بالهوميوستات. وهذا النموذج يتكون من أربعة محركات صغيرة تمثل عناصر النموذج وهي مرتبطة بعضها بالبعض، ويمثل حجم الارتباط واتجاهه سريان النفوذ من لاعب لآخر، وقد قام روس أشبي بتحري خواص هذا النظام المركب من حيث حدود الاستقرار(17). ولكن يوجد في النموذج المقترح عنصراً منبثقاً في دور التطور مميزاً من حيث ارتباطه بأغلب اللاعبين، وهذا هو كردستان. يؤدي وجود هذا العنصر إلى رؤية لاستقرار المنطقة تبتدئ من تحديد مساحة الدولة الجديدة بشروط مقبولة لجميع أو أغلب اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين. وبناء عليه أقترح مسارين محتملين لدعم الاستقرار، المسار الأول يفترض المساهمة الفعالة لجميع اللاعبين والتنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا، والمسار الثاني يستبعد روسيا وأيران نظراً لحاجة دولة كردستان المنبثقة لضمانات دولية مما قد لا يسر روسيا الاتحادية، وأيضاً نظراً لرؤية أيران الاستراتيجية في الوقت الحاضر التي قد لا تحتمل انبثاق دولة من أقلياتها على حدوده.
أهم عناصر الإستقرار
1-الحدود المستقرة: ينبغي أن يخدم تحديد مساحة دولة كردستان المنبثقة هدف دعم الاستقرار في المنطقة بالإضافة إلى تلبية مطالب الشعب الكردي في الاستقلال، على أن يقبل الجميع باستحالة تحديد أهدافه بصورة كلية. مثالياً يقوم اللاعبان الدوليان بالاتفاق المبدئي حول آلية تحديد الحدود، ثم تناقش هذه الأمور من قبل اللاعبين الإقليميين والمحليين قبل إعلان البرنامج والضمانات ومناقشتها مع القوى الكردية الفاعلة على الأرض. لكن على أرض الواقع هنالك عدة عوامل تجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق متعدد الأطراف. وبأية حال فأن كردستان العراق وهي المنطقة الكردية الوحيدة التي تتمتع بالحكم الذاتي (عدا مساحة صغيرة معزولة في روسيا الاتحادية)، لكنها محاطة بدول معادية ولا تريد لها الاستقلال، لذلك فأن الدفاع عنها لابد أن يكون خاضعاً لضمانات دولية من قبل حلف عسكري كحلف شمال الأطلسي أو أن تقع في دائرة نفوذ روسيا الاتحادية. ولن تكون الدولة الصغيرة الأولى في المنطقة فهنالك لبنان وإسرائيل اللتان يعتمدان على علاقات دولية لضمان حدودها، لكن ينبغي أن يفهم بأن هذا الضمان سوف يحد من سياسة الدولة الكردية المزمعة حالها حال العراق وسوريا في دوائر النفوذ الدولية.
2-مصداقية الانتخابات: سادت معظم العمليات الانتخابية منذ 2003 في المنطقة عموما وفي العراق على وجه الخصوص عمليات تزوير واسعة، ولا تستثنى منها منطقة كردستان العراق. وكان الوعي بالتزوير واسعاً فقد قام المؤلف بنشر النداء لإشراف الأمم المتحدة على تعداد النفوس والانتخابات في العراق في عام (12)2006. والوعي بتزوير الانتخابات ساهم في مقاطعة انتخابات 2018 في العراق(23). لكن موقف الولايات المتحدة تحت إدارة الجمهوريين أو الديمقراطيين على حد سواء لم يتغير في التغاضي عن عمليات التزوير والتأكيد على التوافق مهما كانت درجة التعدي. كان يبدو لي بأن لا أحد يبالي بنزاهة الإنتخابات لكني وجدت ما يستثنى عن موقف التغاضي،وذلك في ما عبر عنه السياسي المخضرم الدكتور هنري كسنجر الذي ساند الإشراف الدولي على الانتخابات بقوله: كان من الواجب استبعاد صدام ولكن إرساء الديمقراطية في العراق كان يجب أن تكون بجهود عالمية متعددة الأطراف، لم يكن من الصح أن تقع على عاتق الولايات المتحدة حصرياً (15). يؤكد هذا الموقف غيرالمتوقع من شخصية معروفة بميولها اليمينية بأن نزاهة الانتخابات ليست مشروعاً يسارياً أو يمينياً، ولكنه شرط ضروري لمصداقية الانتخابات وللتعاقب السلمي للسلطة، سواء في العراق ككل أو في كردستان العراق.
3-التوزيع العادل لمصادر المياه في المنطقة: أن الربط بين إنشاء دولة كردستان وبين تفعيل معاهدة المياه بين الدول المعنية هو أمر ضروري لنجاح الاثنين، حيث أن مسارات المياه هي الروابط التي تجمع دول المنطقة في مصالح مشتركة وحيث أنه لا يوجد تعويض دائم للاعبين المحليين مقابل التخلي عن جزء من أراضيهم سوى ضمان احتياجاتهم المستقبلية من المياه. وقد أظهرت الأحداث المناخية الأخيرة من هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات غير المتوقعة في المنطقة بأن مشكلة التحكم في توزيع المياه قد لا تكون في شحتها المتوقعة على الأمد البعيد وإنما في التحكم بالظروف المناخية الطارئة. أن تفعيل معاهدة للتعامل مع الأحوال المناخية والكوارث الطبيعية هو ضرورة اقتصادية وسياسية وفوق كل شيء فهو ضرورة أمنية لأن الكوارث الطبيعية يمكنها أن تحرك مجموعات بشرية هائلة عبر الحدود لدول صغيرة.
أين مصلحتي في كل هذا؟
سيبرانية الدرجة الثانية (Second Order Cybernetics) هي الفلسفة السائدة حالياً بين الباحثين في مجال السيبرانية، ويمكن اختزال مفهومها الأساسي بأنها: مراقبة المراقب، أو أنها دراسة الحقيقة من خلال عين المراقب الذي يبني بنيتها من جزئيات متوفرة له وليس من جزئيات خارجية لواقع موضوعي مفترض. ولذلك فأن السيبرانية السياسية قد يمكن وصفها بأنها تعاطف سياسي (Political empathy) أو أنها شكل من الشخصنة السياسية، حيث أن الحقيقة السياسية نسبية وتعتمد بشكل رئيسي على رؤية المراقب أو اللاعب السياسي، ومهمتنا هنا هي في محاولة الإستفادة من الإختلافات في وجهات النظر من أجل الوصول إلى حلول واقعية. وأن مهمة الممارس لسبرانية الدرجة الثانية هي في شخصنة اللاعبين والبحث عن دوافعهم الذاتية وعن رؤيتهم للواقع، آخذين بنظر الاعتبار الاختلافات بينهم. فأن معرفة دوافع ورؤية اللاعبين قد تؤدي إلى تحديد الأعمال المناسبة للوصول إلى أهداف محددة. فيما يلي تجدون لمحات خاطفة لما قد يكون سيبرانية السياسة في الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة الأمريكية: قد ترى منطقة الشرق الأوسط وكأنها مجموعة من آبار البترول محاطة ببالوعات لامتصاص الأموال وفخاخ للإيقاع بجيوشهم! فقدت الولايات المتحدة الكثير من نفوذها في العراق ووصلت إلى درجة اللاعلاقة بالأحداث في سوريا وأصبحت علاقتها مع تركيا حليفتها هشة وقاطعت أيران وتركت المبادرة في يد روسيا. وهذا لا يترك سوى كردستان كحليف طارئ يتقبل نفوذها وقد يوفر لها موطئ قدم والاستقرار في المنطقة على المدى البعيد.
روسيا الاتحادية: استثمرت كم هائل من المال والموارد العسكرية في سوريا وترى أن الحرب في الشرق الأوسط قد انتهت أو تكاد إلى صالحها، لكن النصر في إحلال السلام قد يكون مكلفاً وخطراً لدرجة أكثر من النصر في الحرب كما كشفت عنه أحداث العراق بعد 2003. ونتيجة للاستثمارات الروسية الهائلة في سوريا نتوقع أن يستمر اعتماد سلالة الأسد الحاكمة الكامل في المدى الطويل على الدعم الروسي العسكري والاقتصادي. لذلك لا نرى أي دافع واقعي لروسيا لكي تتنازل عن نفوذها على سوريا على المدى القريب، لكن الروس أحسن من الأمريكان في تقدير المنافع السياسية على المدى المتوسط والبعيد!
تركيا: الموقف التركي من استقلال الأكراد في مناطقهم كان دائما في جانب الرفض وعدم الاعتراف بخصوصياتهم القومية في السابق، لكن تركيا قد تستفاد كثيرا لو تنازلت عن مناطق من أراضيها الجبلية الوعرة لكي تتبع كردستان الصغرى. فالمتطرفين من الأكراد الأتراك سوف يتاح أمامهم السفر والعيش في كردستان بعيدا عن خلق المتاعب للتيارات القومية التركية، والمساهمة في بناء دولة الأكراد له منافعه الاقتصادية والسياسية على تركيا. لكن في المقابل ينبغي أن تنفذ معاهدة لتقسيم المياه في المنطقة بضمانات دولية مرتبطة بضمانات أمن كردستان.
أيران: هي لاعب آخر يرى نفسه كمنتصر في الوقت الحاضر ويصعب إقناعه بالتنازل عن جزء من أراضيه في سبيل أهداف متوسطة وبعيدة المدى. لإيران نفوذ قوي على العراق وعلى جزء من كردستان العراق، وعملية خلق الدولة الكردية سوف يكون تطوراً مهماً لإيران إذا ساهمت بإنشائها. فالفائدة تعود على إيران مثلما تعود على تركيا وسوف تساهم الدولة الجديدة في استقرار أيران. أما إذا اختارت دولة الفقيه النأي عن المساهمة فسوف يكون للأكراد الإيرانيين حلفاء يساعدوهم من خارج الحدود وسوف يتعين على الضامنين لأمن كردستان أن يحددوا أيران كواحدة من أهم مصادر التهديدات الوجودية.
العراق: نظرا لوجود إدارة كردية مستقلة في المحافظات الكردية فأن العراق سوف يفقد مساحة كبيرة من أراضيه، وهذا أمر صعب القبول للساسة التقليديين في العراق والشرق الأوسط. ينبغي أن تعوض الخسارة عن طريق تفعيل معاهدة للمياه وأن تحمى مصالحه في الحفاظ على حقول كركوك وعلى مسارات دجلة والفرات.
سوريا: سواء استمرت سلالة أسرة الأسد في الحكم أو لم تستمر فأن سوريا مثقلة بالقيود والديون لروسيا الاتحادية، لذلك فلا نتوقع سوى استمرار النفوذ الروسي. يشكل تعداد الأكراد السوريين نسبة صغيرة من مجموع نفوس سوريا وهم موزعون على رقعتين غير متواصلتين. من غير المتوقع أن تتنازل حكومة سوريا المركزية أو تركيا لطلبات الأكراد في توسيع رقعة دولتهم من أجل أن تتصل بميناء على البحر الأبيض المتوسط، ولكن شمول سوريا بمعاهدة المياه سوف يصبح ضروري لتكامل واستقرار وأمن المنطقة.
كردستان المنبثقة: يشوب نظرة بعض أكراد العراق للواقع الجيوسياسي الكثير من الطموحات غير الواقعية والخطط قصيرة النظر للتوسع في المناطق المتنازع عليها لأنها مبنية على وجود التفوق العسكري على المدى البعيد. ولكن عملية الانفصال تشبه كثيراً طلاق الأزواج، فالانفصال يحتوي على الكثير من التسويات بين الأطراف المعنية. والأطراف المعنية في إنشاء الدولة الكردية هي اللاعبين المحليين والإقليميين جميعا. ومما سبق نجد أن نظرة هؤلاء اللاعبون تختلف عن طموحات قادة كردستان العراق، لذلك علينا أن نعطي الأهمية اللازمة لهم في تقرير مصير المنطقة. كردستان العراق تقع في مساحة جبلية مغلقة، وهذه الحقيقة تفرض مساوئ اقتصادية وعسكرية بالمقارنة مع جميع جاراتها الأكبر مساحة ونفوساً، لذا فالضمانات الدولية لأمن كردستان هي ضرورة وجودية وتؤدي لا محالة إلى فقدان بعض الخيارات في تشكيل سياسات الدولة الوليدة.
يحتوي المجتمع الكردي عبر البلدان المضيفة على عدة كتل سياسية (24)، أذكر منها الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة سلالة أسرة البارزاني في أربيل، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة هشة من أسرة الراحل جلال الطالباني في السليمانية، ثم هنالك الحزب الديمقراطي الكردستاني الناشط في تركيا وهو حزب يساري ذو أتباع كثيرون، والتجانس السياسي بين هذه الأحزاب ليس قوياً فهنالك العديد من الممارسات اللاديمقراطية من الأحزاب التي تسمي نفسها ديمقراطية! ولو أضفنا هذا العامل إلى لا محالة وجود التهديدات من جيران كردستان لاستنتجنا بأن شكل الحكم الأكثر احتمالا هو الدكتاتورية العسكرية.
خضعت عمليات الانتخاب والاستفتاء منذ 2003 في كردستان العراق إلى ضغوط قسرية من قبل الأحزاب الحاكمة(22)، أن إشراف الأمم المتحدة على العملية الديمقراطية هو أمر ضروري لإصدار نتائج شرعية ذات مصداقية وقبول لدى اللاعبين الإقليميين والدوليين. وفي حال إجراء الاستفتاء أو تعداد النفوس فينبغي جمع تفاصيل كثيرة وليس الاكتفاء برد نعم أو لا لسؤال يطالب بالاستقلال، مثل تفاصيل المواطنة المزدوجة ورغبة المواطن في الاحتفاظ بالجنسية القديمة بالإضافة إلى الكردية الجديدة. والنتائج ينبغي أن تكون علنية لكي تتحدد الحدود وفقاً للتعداد.
الخاتمة
أدت النظرة العامة لسريان النفوذ في الشرق الأوسط إلى تحديد نموذج مركب لكن مبسط لمسارات النفوذ أو التأثير السياسي. وحددت مساران اثنان منفصلان نسبياً يتبعان القطبين في السياسة الدولية: الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية. يتحد المسارين في العنصر الطارئ الذي يمثل كردستان المنبثقة، والتي هي في دور التحديد من حيث الحدود والضمانات الدولية. ولأن كردستان المزمعة تستلم النفوذ من جميع اللاعبين، لذلك تبدو كعنصر مؤثر ومهم في دعم الاستقرار أو هدمه في المنطقة.
أن عملية خلق كيان جديد يتمتع بالسيادة في منتصف جيران يضمرون له العداء ليس بالعملية السهلة، لو اعتمدت عملية اعلان الاستقلال من جانب واحد على نتيجة استفتاء تجريه حكومة كردستان العراق حينها ستكون الدولة الجديدة محاطة بحدود مغلقة ووضعها يشبه مدينة برلين الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. أعتقد أن حجم وحدود كردستان الجديدة سوف يكون عاملا مهماً في تحديد سياستها الداخلية والخارجية. إذا حققت حكومة كردستان العراق كل آمالها في إنشاء كردستان الكبرى على أراض واسعة من العراق وتركيا وسوريا وإيران فسوف تكون تحت رحمة جيرانها وسوف تضطر لإنفاق الجزء الأكبر من ميزانيتها على الدفاع وبالتالي فمن المرجح أن يلي ذلك نشوء دكتاتورية عسكرية تشرف على المال العسكري وتستفاد منه. من الناحية الأخرى إذا تحققت كردستان الصغرى فسوف تستند على ضمانات دولية في أمنها الخارجي وسيادتها. ولكن هنالك ثلاث عوامل قد تجعل من مسار كردستان الكبرى غير محتملاً:
يعتبر اللاعبون الإقليميون أكرادهم ذوي الميول الاستقلالية بأنهم إرهابيون، تحقيق كردستان الكبرى يعني التنازل لفئة من المواطنين الذين هم في مصاف الإرهابيين في أعين حكامهم.
أحداث الشرق الأوسط منذ 2003 تعكس دوائر حصرية للنفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، مما يجعل الحل من جانب واحد أكثر احتمالا للنجاح وللاستمرارية.
روسيا وإيران يعتقدان بأنهما قد حققا النصر العسكري أو كادا، لذلك فلا يتوقع القبول بتنازلات من الطرفين.
والحل من جانب واحد ليس بلا مخاطر. فيما يلي قائمة ببعض المخاطر المحتملة:
أعتقد أن الرأي العام للسكان العرب في العراق في الوقت الحاضر لا يدعو للتعاون مع الأكراد، وأعتبر أن الربط مع اتفاقيه المياه والضمانات الدولية هي عناصر ضرورية لاستقرار كردستان والمنطقة، لذلك فموضوع هذه المقالة لا يتوقع أي فائدة من النقاش الثنائي بين عرب وأكراد العراق حصراً.
أدعو لاستفتاء شعبي عام حول مستقبل العراق من أجل تحديد نفوس وحدود كردستان وعرب العراق تحت إشراف الأمم المتحدة. لقد رفضت الولايات المتحدة بإصرار عجيب إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات رغم علمها بالتزوير الواسع النطاق، وبدون مصداقية الأمم المتحدة على معلومات الاستفتاء فأن هذه المعلومات قد لا تعتمد من الأطراف الدولية.
ينبغي أن يخضع تنفيذ الاتفاقات والمعاهدات الدولية إلى جدول زمني يحدد مواعيد تسليم الأراضي وتفعيل المعاهدات وإدارة المؤسسات. أن الممارسات الشائعة في المنطقة وخصوصاً في العراق بعد 2003 تحتوي على الكثير من المماطلات والتسويف عن طريق خلق اللجان وانتظار نتائج مطبوخة حسب رغبة أطراف خارجية، وهذه الأمور قد تشكل خطراً على العلاقات بين الدول وعلى الاستقرار الاقتصادي والأمني.
وختاماً أود أن أعيد طرح موقفين سبق أن وصفتها أعلاه وأن أضعهما جنباً إلى جنب، ما قاله اثنان من أبرز الساسة الأمريكان: كولن باول وهنري كسينجر: الأول رفض إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات في العراق بتهكم بذريعة عدم التنازل عن نفوذ بلاده، والثاني دعا إلى ضرورة الإشراف الأممي على الانتخابات. الأول قائد عسكري والثاني داهية سياسية. ليس أوضح من هذه المقارنة التي تؤكد بأن السياسة الأمريكية المتبعة في الشرق الأوسط تعتمد على الرؤية العسكرية وأن الحاكم الفعلي كان ولا يزال هو البنتاغون، وقد يفسر هذا سبب فشل سياستها في العراق. أن استقلال كردستان يجب أن يتم برؤية سياسية وليست عسكرية كما يراها قادة كردستان العراق، وإذا أصروا على الرؤية العسكرية فسوف يتم فشلهم كما تم فشل السياسة العسكرية في بقية العراق.
المصادر
1- Wikipedia contributors, “Sykes–Picot Agreement,” Wikipedia, The Free Encyclopedia,
title=Sykes%E2%80%93Picot_Agreement&oldid=874928179 (accessed November 6, 2019).
2- Wikipedia contributors, “Mandatory Iraq,” Wikipedia, The Free Encyclopedia, https://
en.wikipedia.org/w/index.php?title=Mandatory_Iraq&oldid=875023571 (accessed November
6, 2019).
3- Wikipedia contributors, “French Mandate for Syria and the Lebanon,” Wikipedia, The Free
Encyclopedia, https://en.wikipedia.org/w/index.php?title=French_Mandate_for_Syria_
and_the_Lebanon&oldid=869864925 (accessed November 6, 2019).
4- Encyclopaedia Britannica Editors, “Nuri as-Said,” Encyclopaedia Britannica, https://
www.britannica.com/biography/Nuri-as-Said, (accessed November 6, 2019)
5- Wikipedia contributors, “Modern history of Syria,” Wikipedia, The Free Encyclopedia,
https://en.wikipedia.org/w/index.php?title=Modern_history_of_Syria&oldid=872835049 (accessed
November 6, 2019).
6- Paul Johnson, Journey into Chaos, Western Policy in the Middle East. London: MacGibbons and Kee, 1958. PP 76.
7- William Quandt, Force Without War. Washington: Brookings Institute, 1978. PP 232-253.
8- Wikipedia contributors, “20th-century history of Iraq,” Wikipedia, The Free Encyclopedia,
(Accessed November 6, 2019).
9- Wikipedia contributors, “Alexei Kosygin,” Wikipedia, The Free Encyclopedia, https://
en.wikipedia.org/w/index.php?title=Alexei_Kosygin&oldid=873933658 (accessed November 6, 2019).
10- Wikipedia contributors, “Vladivostok Summit Meeting on Arms Control,” Wikipedia, The
Free Encyclopedia, https://en.wikipedia.org/w/index.php?title=Vladivostok_Summit_Meeting_
on_Arms_Control&oldid=861533941 (accessed November 6, 2019).
11- Reuters, “Iraq Leans toward Russia in War on Islamic State”, https://www.reuters.com/article/
us-mideast-crisis-iraq-russia/iraq-leans-toward-russia-in-war-on-islamic-state-idUSKCN0S112120151007,
2015
12- Faisal L. Kadri, “UNCEI-Petition”, http://www.montrealiraqi.com/UN_Petition/index.htm, 2006.
13- Wikipedia contributors, “Russia–Syria relations,” Wikipedia, The Free Encyclopedia, https://
en.wikipedia.org/w/index.php?title=Russia%E2%80%93Syria_relations&oldid=868161515 (accessed
November 6, 2019).
14- Wikipedia contributors, “Syria–United States relations,” Wikipedia, The Free Encyclopedia,
title=Syria%E2%80%93United_States_relations&oldid=870272707 (accessed November 6, 2019).
15- The Atlantic, “Kissinger Order and Chaos”, https://www.theatlantic.com/international/archive/
2016/11/kissinger-order-and-chaos/506876/, 2016.
16- Wikipedia contributors, “2017 Iraqi Kurdistan independence referendum,” Wikipedia, The
Free Encyclopedia, https://en.wikipedia.org/w/index.php?title=2017_Iraqi_Kurdistan_independence_
referendum&oldid=875344247 (accessed November 6, 2019).
17- William Ross-Ashby, “Design for a Brain”, Electronic Engineering, 20, 379-383, December 1948.
18- Editor, “The Nation: A New Concord”, Time Magazine, Feb 18, 1957.
19- Editor, Iraq: “The Pasha”, Time Magazine, June 17, 1957.
20- Wikipedia contributors, “2003 invasion of Iraq,” Wikipedia, The Free Encyclopedia, https://
en.wikipedia.org/w/index.php?title=2003_invasion_of_Iraq&oldid=875809184 (accessed November
6, 2019).
21- Editor, The Sydney Morning Herald, “France, Germany, Russia offer US trade-off on Iraq” ,
20030912-gdhdkl.html, Sep 12, 2003.
22- The National, “KDP wins Iraqi Kurdistan elections in vote marred by fraud allegations”, https://www.thenational.ae/world/mena/kdp-wins-iraqi-kurdistan-elections-in-vote-marred-byfraud-allegations-1.782818
23- Wikipedia contributors, “الانتخابات التشريعية العراقية 2018 ” Link to source (accessed November 6, 2019).
24-Shehata, A, “الأحزاب والتيارات السياسية الكردية “
https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/d761795e-04bd-426e-bd82-3e63d0e2c2b0
(Accessed November 6, 2019).