لا تقاطعوا الانتخابات
تزداد هذه الأيام وتيرة الأحداث المؤدية إلى الانتخابات النيابية العراقية ومن أكثرها إثارة للجدل هو موضوع منع هيئة المسائلة والعدالة للمرشحين ، ويجادل الكثيرون هل يمثل هذا المنع شيئا من الطائفية؟ وهل الممنوعون هم حقا بعثيون؟ أم هو استبداد وإنفراد بالسلطة؟ لا يهمنا هنا تحليل أسباب ولا دوافع المنع بقدر استنباط النتائج، والنتائج من المنع مهما كانت مبرراته الجدلية هي ذاتها التي يسعى لها الطائفيون.
أساس الطائفية والاستبداد وأصلاهما هو الخوف من الآخرين ومن الطبيعي أن يزداد الشعور بالطائفية مع ازدياد الانفجارات والاختطافات والقلق. وهذه النتيجة التي تؤدي إلى استقطاب الآراء والأصوات الانتخابية يعرفها المجرمون والسياسيون على وجه سواء وقد أدت ولا تزال إلى نتائج معروفة ومتوقعة من خلال خلق الأجواء الإرهابية يتبعها فوز وهيمنة قوى مستبدة على زمام الحكم. فالمواجهة الحقيقية هي بين التطرف والتعصب واحتكارية السلطة ويقابلها الاعتدال والتعددية.
أن المواجهة بين التطرف والاعتدال ليست حصرا على الساحة الانتخابية العراقية بل تشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وما التعنت الإسرائيلي من جهة والقاعدة من جهة أخرى سوى أعراض جزئية لظاهرة عمومية لهيمنة التطرف في المنطقة، لذا لا يمكن الدفع بأن صراع التطرف هو شأن داخلي بحت فالمنطقة والعالم يهتم بمنع عودة الدكتاتوريات وطغيان الإرهاب. والمقاطعة لا تخدم سوى التطرف لأن الذين يستجيبون للإرهاب هربا من المواجهة هم بطبيعتهم معتدلون وغيابهم عن ساحة التصويت هو غاية الإرهاب.
بأي حال من الأحوال فأن الانتخابات سوف لن تتوقف بالمقاطعة ولا بمنع مرشحي المعارضة ولا بالتهديد والإرهاب الذي تعودنا عليه ولا بالرشوة والفساد ولا باستعمال الرموز الدينية والتمويل من المال الحرام. جميع هذه الأمور تجرح المصداقية لكن لا تقضي عليها، فهي معروفة ومكشوفة ولها ردود فعل معاكسة وهي ذات تأثير محدود على النتائج رغم أنها تتراكم. وخلق الجو الإرهابي يؤدي لا محالة إلى ضعف الإقبال على التصويت ومن ثم اعتماد النتائج على أصوات المتطرفين، والمقاطعة تفسح المجال أمام التطرف للفوز بلا عناء ولا تزوير وما هي إلا تصويت مقنع للدكتاتورية، فالامتناع هو موقف رافض للتداول السلمي للسلطة ودعوة لرجوع أساليب الانقلابات والقمع. لذا ندعو إلى المساهمة الواسعة في الانتخابات مهما إتبعت السلطات من أساليب الإبعاد فمهما يقوله الطائفيون من تفسير ودفع للتصويت بإتجاة أحزابهم فالتصويت بحد ذاته هو رفض للتطرف و مساندة للاعتدال والتعددية.