سه ورق
صدرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية العراقية وكانت كالمتوقع متقاربة بين القائمة العراقية ودولة القانون، ونحن إذ نهنئ إخواننا العراقيين الشجعان الذين تحدوا الإرهاب والأجواء المشحونة وذهبوا إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ونهنئ الفائزين وجميع المرشحين اللذين ساهموا بدعم العملية الديمقراطية، ولسنا هنا بصدد إعادة سرد نسب التصويت وأخبار التحالفات التي أصبحت قديمة ولكن هنالك العديد من الأحداث ذات العلاقة والقليل من الربط بينها بحيث لم نعد نستطيع التنبؤ بما سوف يتمخض عنه المستقبل، ولم يعد حتى للمقتنعين بنظريات المؤامرة أي هيبة فالتوازنات والمعادلات السياسية تتغير فورما تتبلور الأحداث ومع كل استدارة نرى زوايا جديدة لنفس الموضوع الذي اعتقدنا إننا قد فهمناه وختمنا جوانبه.
الأحداث عديدة وعلينا انتقاء الأهم والأشد أثرا وإلا تهنا مع التائهين ولم نستخلص منها شيئا مفيدا، ولقد انتقيت اثنتان منها لكي أتفحصها بطريقة لم تفعلها وسائل الإعلام الأخرى ومن زاوية قد تكون جديدة. الحدث الأول هو سفر رئيس الجمهورية ونائبه إلى الجارة إيران في وقت صدور نتائج الانتخابات النيابية الأولية، ولا شك أن هذا قد أثار استغراب الكثيرين لأن منصب رئيس الجمهورية يجسد تكامل واستقلال العراق من ناحية وأن شكل الحكومة المقبلة يؤثر على جميع جيران العراق ومن الحكمة التشاور مع ذوي الشأن في المواضيع التي تخصهم من ناحية أخرى، لكن السياسة مسألة أولويات ومنصب رئيس الجمهورية من المفترض أن يكون شكليا ومرجعيا وفوق التيارات، لذا نرى أن الرئيس قد أخفق في تحديد أولوياته لحماية استقلال القرار السياسي وكان كرب الدار الذي ترك داره يوم ولادة ابنه البكر واحتفل بالنيروز في بيت الجيران.
أما الحدث الثاني فهو قرار المحكمة الدستورية العليا المستعجل في تفسير ماهية الكتلة الأولى التي تكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، ففي 21\3 استلمت المحكمة طلب رئاسة الوزراء وفي 25\3 صدر قرار المحكمة بالتفسير الموسع لما هي الكتلة الأكبر والتي يمكن تشكيلها بعد صدور نتائج الانتخابات ولا تعتمد على التشكيلات التي دخلت الانتخابات في البداية. لاحظوا توقيت صدور القرار قبيل صدور نتائج الانتخابات الأولية مباشرة وكأن المحكمة الموقرة ليست على مرأى ولا مسمع من الانتخابات. طبعا توالت آراء الخبراء القانونيين وحتى أولئك لم يهتموا بالتوقيت عمدا أو بغير قصد. ليس لدينا ملاحظات حول مبدأ التفسير الموسع لكن ما نقوله هنا هو أن التوقيت وسرعة القرار يشيران الى سيسنة قرارات المحكمة الاتحادية العليا في مواضيع جذرية وأساسية لضمان حياديتها، وتفعيل هذا القرار بعد خوض الانتخابات التي تمت بدون معرفة الناخبين والمرشحين المسبقة هو استهتار بالدستور ولعب على طريقة السه ورق (بثلاث ورقات الكوتشينة)، فلو علم الناخبون والمرشحون بها لتصرفوا في خياراتهم وتحالفاتهم بشكل مختلف. أن سيسنة الأحكام الدستورية بهذه الطريقة هو عمل خطير ليس له علاج سوى الإدارة الأممية على آلية التداول السلمي للسلطة، أو تعداد النفوس والانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.