إستراتيجية الضياع
كنت في رحلة خاصة الى عمان وعدت وفي خاطري بعض الأخبار التي قد يوصفها البعض بالشائعات ولكنها برأيي أكثر من ذلك. فقد قيل أن بعض الدول العربية رفضت إستقبال مبعوثين من الحكومة العراقية في إشارة الى عدم إرتياحهم منها، وتبع ذلك أنباء عن إحالة المئات من موظفي المخابرات ذوي الميول العروبية الى التقاعد. وما يعطي هذه الأخبار بعض المصداقية هو عدم قابليتها السهلة للنفي، فكليهما متعدد الجوانب، أي إذا نفت الحكومة حصولهما فهنالك أطراف عديدة ذات مصداقية تستطيع أن تفند النفي.
ولا اريد أن أناقش الدوافع التي أدت الى إحالة هذا الكم الكبير من الأوساط المخابراتية الى التقاعد في الوقت الذي يعاني فية العراق من هجمات إرهابية شرسة، ولا أود أن أدخل في التفاصيل الدقيقة والفروق بين العروبيين والمختصين بالتعامل مع التهديدات الإرهابية النابعة من دول عربية، فالعروبيين هم بالضرورة أكثر قابلية من غيرهم على التعامل مع العرب. لكني أشبه هذا العمل وكأنه إلغاء القسم الأمريكي في المخابرات السوفيتية في قمة الحرب الباردة. ففي سياق الإستراتيجية الأمنية يبدو هذا العمل إنفعالي متسرع وإنتقامي بل وكارثي على الجهود الرامية الى محاربة الإرهاب بالوسائل المخابراتية، وهي الوسائل الأكثر نجاحا والأقل تكلفة في صد الهجمات قبل حصولها.
يبدو أن القرارات الأمنية الخطيرة التي تتخذها الحكومة العراقية تخضع لإعتبارات وقتية ومتغيرات شخصية بدل أن تكون كما يجب جزء من أستراتيجية مدروسة بعيدة المدى، وهذه هي أستراتيجية الضياع.