من ذكريات مصر.. لو كانت الانتخابات سليمة
أعادت أحداث مصر ذكريات أليمة من فترة معيشتي هناك والتي دامت 13 سنة. فقد أمضيت أسبوعان في معتقل القلعة السيئ الصيت في عام 1986 استعدادا لترحيلي لبغداد التي لم أزرها منذ عشرون عاما في حينها نتيجة لقرير من (مجهول) في السفارة العراقية. الأحداث التي أدت إلى وضعي هذا متشابكة لكنها تحتوي على تعاون مصلحي بين المباحث المصرية والعراقية آنذاك، وقد شعرت وكأني كرة الطائرة بين الاثنين: واحد يرفع وواحد يكبس. لم أكن أول الضحايا ولا آخرها على ما أعتقد لكني نجحت بما لم يتمكن عليه غيري، فقد تمكنت بمساعدة أصدقائي من ذوي الشهامة من كسب الدعاوى القضائية وتجنبت الترحيل القسري لسجن صدام والبقاء في مصر والتمديد لإقامتي لعام ونصف، ولكني لم أتمكن من رفع اسمي من قائمة المنع من دخول مصر والذي لا يمكن رفعه إلا بتعليمات مباشرة من رئاسة الجمهورية رغم أني كنت مقيما بصورة قانونية. ولأني كنت أعلم بأنني لن أتمكن من الرجوع لو سافرت للخارج فقد سعيت للحصول على الهجرة لكندا وهاجرت عام 1988.
لنعود إلى الموضوع الأساسي، فقد جرت الانتخابات العامة في مصر في 28 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، أي منذ شهرين، وما يستحق الذكر بهذا الخصوص موقف جمال مبارك الذي رفض المراقبة الأممية بشدة ومقولة عبد المنعم سيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام وعضو لجنة السياسات للحزب الحاكم بما معناه لن نتنازل عن الحكم حتى لو اضطررنا لتزوير الانتخابات.
والسؤال البديهي هو لو كانت الانتخابات سليمة هل كانت ستحدث هذه الانتفاضة الشعبية؟ لا أعتقد ذلك.
أن النظم الاستبدادية في الشرق الأوسط ومسانديهم الغربيين يسعون لتحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة عن طريق التزوير أو التحكم في نتائج الانتخابات، متجاهلين حقيقة أن تزوير الانتخابات تفقد مصداقية الديمقراطية وتعطي المبرر للأنظمة الشمولية الأخرى مثل إيران وكوريا الشمالية لعمل الشيء نفسه، والأهم من هذا توضح أن ساسة الدول الديمقراطية الراسخة لا يفهمون شيئا أساسيا عن العملية وهو أن الانتخابات عملية تصحيح مستمرة وليست نتيجة بحد ذاتها. أن فشل الخصوم السياسيين في الانتخابات هو انتصار إذا كانت الانتخابات سليمة لكنه خسارة إذا جاء بالتزوير لكن نتائجه مؤجلة بعض الشيء.