مستقبل العراق الغامض بين المركزية والفدرلة السياسية
تعصف رياح التغيير بالمنطقة ولا تقتصر على صراع الأفراد على المناصب وإنما هنالك تيارين متعاكسين في الساحة التي تلعب فيها قوى أقليمية وعالمية و يلتقيان في العراق: هنالك موجة الديمقراطية الحديثة التي إبتدأتها أحداث تونس ثم مصر وليبيا وعاملها الفعال هو إنزياح الخوف من الجماهير التي تعودت على الدكتاتورية ووسائلها القمعية من ناحية وهنالك الرغبة الدفينة لعدم الإستقرار في العراق يجسدها إستمرار موجة العنف وتصاعد إغتيالت كاتم الصوت والعبوات اللاصقة وعاملها الأساسي المعاكس هو إستمرار الخوف وعدم الثقة وزيادة الصراع الطائفي في سبيل فرض واقع التقسيم على شعب لا يرتضي التقسيم أساسا من ناحية أخرى.
أي أن الصراع الآن هو بين زخم الوضع المتدهور ومسبباته من سياسات حكومية قمعية تهدف لاستمرار الوضع القائم على المدى القصير وتدخلات من دول الجوار طويلة الأمد في خططها تدعي الرغبة في استقرار ووحدة العراق لكنها في الواقع تعمل على تقسيمه، وبين موجة التغيير المعاكس التي تهدد إستمرارية الزخم في زوال حاجز الخوف وأيجاد صيغة توافقية للتعايش.
من الواضح أن الانقسام الطائفي والقومي قد وصل إلى أبعاد جديدة من القطيعة وأصبح الكلام عن رجوع الأجواء التسامحية أو حتى الى نوع من الدكتاتورية العادلة التي توزع البؤس على الطوائف والأقليات بشيئ من التكافؤ والتي كانت سائدة في السابق مجرد أمنيات، ومن أهم العوامل التي أدت إلى هذه الحالة من الانقسام هي السياسات الحكومية التي تدعي المركزية في الإدارة لكنها توزع القمع بصورة غير متكافئة للمناطق والتعيينات والإستثناءآت الإستفزازية التي تؤدي إلى تأجيج نيران المجابهة عوضا عن التعايش السلمي. لذا نتوقع أن تستمر حالة التشرذم وأن تتجسم في واحد من التيارين.
سيناريو التقسيم كما نراه يتلخص في إنفصال إقليم كردستان وتقسيم الوسط والجنوب على طريقة جو بايدن، والخطوة الأساس تتلخص في إتفاق الولايات المتحدة مع أيران على طريقة لمعالجة طموحات أيران النووية مقابل الإعتراف بدورها في تسيير الأمور في العراق، وهذه مجرد أستمرار لسياسة بوش وأوباما منذ بداية الأحتلال التي تتجنب المواجهة مع أيران حتى لو عملت في العراق أكبر الكبائر، لذلك نراها مدفوعة بالزخم ونصفها بالمركزية السياسية.
أما سيناريو الفدرلة السياسية ففيه أحترام لخصوصيات المناطق في العراق بدون فقدان الإنتماء لبلد واحد، فالمناطق تحتفظ بهويتها السياسية بدون الخضوع لهيمنة الرأي من المركز، وإن شائت قرية العوجة عمل تمثال وضريح لصدام فهذا من شأنها وإذا حاول أحد هدم هذه الرموز حينها يخضع للعقاب و للقوانين المحلية التي تعتبر هذا العمل إستفزازا وتخريبا في العوجة لكنها لن ترى ضيرا في حرق صور الخميني مثلا، وإذا اختارت قرية أخرى أن ترفع صور الخميني وجاء أحد ليمزق الصور سيخضع حينها لقوانين محلية أخرى تعتبر هذا العمل تخريبا وإستثارة لكنها تتغاضى عن أي إستهانة بصدام أو حزبه. وبنفس السياق قد نرى تمثالا لعبد الكريم قاسم في واسط أو نصبا تذكاريا للملوك وجميعها تحت حماية القوانين المحلية.
يأتي هذا الإتجاه في نقض الواقع الأليم الذي تمثله سياسات الحكومة القمعية التي تدعي المركزية في الإدارة ولا تطبق منها سوى مركزية التسلط وفرض سيطرة أيديولوجية المركز السياسية على فئات ومناطق لا تؤمن بها، والإستجابة لموجة الديمقراطية الأقليمية تحتاج لتصورات تحتفظ بأهم المكاسب وبنفس الوقت تصحح السلبيات، نأمل أن يوضع الخيار واضحا أمام الناخب العراقي في الإنتخابات القادمة بين مركزية وفدرلة السياسة.