إلغاء صفقة الأسلحة الروسية لا تعني محاربة الفساد

قيل الكثير عن صفقة السلاح بين العراق وجمهورية روسيا الأتحادية الأخيرة، وملخص ما قيل هو أن مجموع العقود التي تم التوقيع عليها كانت بنحو 4 بلايين دولار، وأكتشف أن الصفقات تمت بدفع عمولات ضخمة لأشخاص مقربين من رئيس الوزراء وأن مصادر المعلومات التي أكدت العمولات لرئيس الوزراء العراقي كانت من شخص رئيس الوزراء الروسي وحاشيته، وقيل أن رئيس الوزراء العراقي قد رفض إتخاذ الأجراءات القانونية بحق الذين إستلموا العمولات لأن ذلك سوف يخلق حرجا لأحزاب الحكومة وقيل أن العقود قد ألغيت نتيجة لذلك وأعلنت السلطات الروسية أن الإلغاء جاء نتيجة لضغوط أمريكية..بعدما أخذ الموقعون حصصهم وصرفوا صكوكهم وأعلنوا برائتهم ثم سوف يغسلون عملاتهم ويدفعوا صدقاتهم وتصبح الرشاوى الحرام بنظرهم مالاً حلالا وماءً زلالا.

والدرس المعتبر للمجتمع الدولي أن لا تقفوا ضد الفساد وتكشفوا المتورطين وإلا فسوف تخسروا صفقاتكم وتأثيركم على الحكومات الفاسدة ولن يعيلكم قانون ولا عدالة. وإلغاء الصفقة لا يعني محاربة الفساد بل هو جزء من محاولات التغطية ودرس للمجتمع الدولي بتبني الفساد وليس فضحه.

ولا يخفى على أي عراقي إنتشار الفساد الإداري لدرجة لم يسبق لها مثيل لكن حماية الفاسدين الكبار بذريعة تجنب الحرج لها تداعيات تفوق كثيرا مجرد حماية المقربين والحرص على وحدة الكتلة الحاكمة، فالإنتقائية في تطبيق القانون يفقد قدرة القوانين على الردع وينسف عمل هيئات العدالة من محاكم وإدعاء وشرطة من أساسها مما يؤثر بصورة مباشرة على الأمن والإستقرار.

الحل

ندلو بدلونا في موضوع الفساد ولا نتوقع الكثير. نرى أن الفساد عرض وطلب في سوق حرة تكاد تكون عديمة المقدرة على التحكم بواسطة القوانين والقضاء، حالها حال السلع التجارية وسوق الأفكار والعلاقات والمواقف والولاءات المعروضة للبيع. وسوق الفساد بحيرة مليئة بالأموال الحرام والمستثمرين في سوق السياسة وتأثيرات دول الجوار والسماسرة..الخ.. وهنالك آليات تساهم في مستوى البحيرة، شيئ يزيد في العرض أو الطلب وشيئ ينقص منها. وليس أمام إستراتيجية القضاء على الفساد إلا تجفيف هذه البحيرة وإستهلاك الأموال السائبة لأن القوانين لن تستطيع مواجهة هذا الطوفان من أموال السحت الحرام من ناحية والنفوس الضعيفة وثقافة الإنتفاع الموروثة من عصور الكبت والقهر السياسي من ناحية أخرى.

ولنبدأ بتفقد بعض هذه الآليات. قد يبدو لأول وهلة أن مركزية الإدارة هي الحل، سيما وأن المركزية قد أدت في السابق إلى تحديد الجهات المتعرضة لأغراءات الفساد وبالتالي قلت أعداد المشترين وضحلت البحيرة، لكن ظروف الماضي لم تستمر فقد كانت لدى السلطة آنذاك المقدرة والنية على محاسبة المخطئين وكان هنالك بقية من نزاهة وإستقلال القضاء. وبالتالي فأن مركزية القرار لم تعد تحسب في جانب محاربة الفساد بل أصبحت بعد ثبوت الإنتقائية في العدالة مجرد أداة من أدوات الفساد والتغطية عليه. الآليات المقترحة لأستهلاك البحيرة قد تبدو محابية للمفسدين في المدى القصير لكنها تأخذ من ممولي الفساد أكثر مما تعطي. من أسهل الطرق لمكافحة الفساد في المعاملات الرسمية هو خلق قنوات مرادفة لإنجاز المعاملات وعدم حصرها في إدارة واحدة، فهذا سوف يكسر إحتكار الإدارة الفاسدة وإذا تم إختيار موظفي القناة الرديفة بعناية وتوظيفهم بشفافية و شروط وإدارة كفوءة فأن نجاحها يمكن أن ينتقل من إدارة إلى أخرى، بحيث يزداد عرض الخدمات وتقل أسعارها بدون الحاجة لقوانين معطلة أو تحكيم أنتقائي. لكني أعتقد أن أهم ما هو جدير بالحماية هو العملية الإنتخابية، وهنا فأن الحساب مفقود والقضاء مسيس والعدالة محفوفة بالمخاطر لمن يجرأ على رفض الرشاوى فالتهم المفبركة جاهزة والتصفيات والعقابات سهلة. لذا فأن التحكم المباشر مستبعد وعوضا عن ذلك يمكن إستهلاك الفساد من خلال زيادة الطلب لدرجة كبيرة، أي مثلا جعل قرارات لجان المراقبة على التصويت نهائية وبذلك يتوزع هدف الفساد على قاعدة عريضة، وعدم الإعتماد على هيئة مركزية للإنتخابات لإعادة الفرز وإنما إعادة الإنتخابات في الدوائر ذات الخلافات بلجان جديدة.

هنالك المزيد من المقترحات والآليات الممكنة ولا نريد سردها ونبتعد عن الواقع الأليم الذي قد بلغ درجة من السوء لا يحتمل معها الإصلاح وقد يكون التغيير هو الأجدى.

Comments are closed.