التعداد أو الإنتداب
هنالك الكثير من العواطف المتضاربة نتيجة لأعمال العنف والإرهاب في أنحاء العراق ومنها الشعور بأن الحرب الطائفية حتمية والتحضير لها واجب وأن التقسيم على أساس طائفي سوف ينتج بوضع اليد وخلق الأمر الواقع بتطهير المناطق السكنية في بغداد وغيرها ، وسوف يلي ذلك تطبيق حل بايدن بمساندة الولايات المتحدة بصورة طبيعية وسلسة وإستنادا لأستفتاء وتعداد تعده الحكومة المركزية في توقيت وشروط من إختيارها راكبة على موجة السخط واليأس وعدم الأمان الذي أدى إلى طلب الطلاق الطائفي بدون رؤية النتائج.
ومما يشجع على هذه التوقعات الشكوك المتبادلة الواسعة الإنتشار بأن الطرف الطائفي الآخر يريد الإنفصال، ويؤدي ذلك إلى تبسيط الأمور ظاهريا بشكل كبير أمام القواعد الشعبية التي تعتقد بمصداقية العملية السياسية ومقدرتها على البت في أمور التقسيم أو الفدرلة، وهنا تكمن المشكلة.
فالعملية السياسية ما زالت فتية لم تبلغ النضج الذي يؤهلها للبت في أمور جذرية من ناحية، ومن ناحية أخرى فأن العراق ليس مثل البلقان أو جمهوريات الأتحاد السوفيتي أو سوريا.
يقول كليمنصو: الحرب أهم من أن تترك للجيش، أي أن الحرب هي وسيلة تستعمل كأداة من أجل أن تحقق غاية سياسية، والحرب الطائفية التي تحضر لها بعض الأطراف السياسية ليست أداة سياسية بل هي علامة ونتيجة لعدم المقدرة على التحكم بمطالب الجماهير والمرحلة التي تسبق التقسيم هي الإنتداب كالذي سبق إنشاء الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي. والإنتداب لن يقرر مصير الدولة تحت ضغط الإرهاب وبوجود المليشيات، أي أن الرغبة في الإنفصال سوف لن تكون مدعومة بالخوف كما هو الحال الآن.
أقول للمحرضين على الحرب الطائفية لا تطلقوا الشائعات ثم تعودوا فتصدقوها، سوف لن تؤدي الحرب إلى التقسيم لأن المناطق أصبحت فعلا مقسمة بالعراق ولن تزيدها الحروب إنقساما، ولأن أغلب الشعب والقوى الخارجية بما فيها الحلفاء الأقليميون لا يريدون التقسيم الآن وإنما “بعدين”، بعد أن ينتهي النفط أو تنخفض أسعاره. أما اليوم فالحرب سوف تؤدي إلى الإنتداب لأن العالم بحاجة لنفطنا وليس لسواد عيوننا. والإنتداب يعني إشراف الأمم المتحدة على تعداد السكان والإنتخابات مع فقدان سلطة الدولة ونحن نريد بقاء الدولة في أيادي عراقية.
ومؤخرا تزايدت الدعوات لإجراء تعداد السكان، بعضها يؤكد صراحة على إشراف الأمم المتحدة، ومن المظاهر المشجعة أنباء عن إتفاق حكومة الأقليم والحكومة المركزية على ذلك كجزء من إقرار الميزانية، لكن الوعود والأنباء المؤكدة عن التعداد قد حصلت بتكرار ممل، لذا فقد فقدت الإتفاقيات مصداقيتها ولم يكن هنالك إعتقاد بحيادية العملية إصلا .
ندعو الحكومة لطلب إشراف الأمم المتحدة المباشر على التعداد والإنتخابات فورا لأن فرصة تجنب الإنتداب تتقلص مع تطور الأوضاع وإذا وصلنا إلى مرحلة اللاعودة فسوف لن تنفع طلبات التأجيل وتجنب المحتوم.