الخيط المشترك في أحداث اليوم
هنالك ثلاث محاور للإحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحاضر وترتبط بخيط مشترك لكن رؤية الواقع على الأرض تختلف حسب هوية المراقب. أولا أحداث سوريا فقد تمخضت عن إتفاق هش بين روسيا والولايات المتحدة لأجراء المزيد من المفاوضات ، ويعني هذا أن روسيا قد نجحت في كسب الوقت لكي تسعى حليفتها الحكومة السورية لأحراز بعض التفوق العسكري على أرض المعركة، لكن البعض قد فسر ذلك بأنه تراجع إستراتيجي وبرهان على عدم وجود الإرادة السياسية لدى الولايات المتحدة للتورط في سوريا بعد تجربة العراق وخصوصا لإعتبار تفوق جبهة النصرة السلفية على بقية المعارضة السورية من العلمانيين والعروبيين وبعد ظهور مشاهد وحشية على وسائل الإعلام نسبت لها، وهذه العوامل لا تشجع الغرب على مساندة المعارضة رغم الإستعمال المفرط للقوة العسكرية والسلاح الكيمياوي من قبل الحكومة في المناطق السكنية ورغم مشاركة عناصر أجنبية في المعارك. لكن العامل الأقوى في تحريك الوضع لم يأتي من الخارج، بل أنه العامل الداخلى الأساسي وهو إرادة الشعب السوري وإستعداده لتقديم المزيد من التضحيات في حرب غير متكافئة، ولا يبدو أن الشعب السوري سوف يقبل إستمرار الحكومة الحالية تحت أي ظرف من الظروف.
ثانيا: أحداث العراق وخصوصا تفاقم المواجهة بين قوات الجيش العراقي والعشائر العراقية في الأنبار وغيرها من المحافظات، فالمعروف أن القوى المعارضة للحكومة منقسمة على نفسها ومن بينها بعض المنظمات المرتبطة بالقاعدة وحزب البعث والتي تتهمها الحكومة دوما بالأعمال الإرهابية التي تعجز عن حلها، لكن الجديد في الأمر أن المواجهة أخذت الآن طابعا عشائريا مما سبب إمتناع وحدات الجيش المرابطة في المناطق الأخرى من التوجه إلى الأنبار والخوض في حرب عشائرية. ويبدو أن بعض المليشيات الممولة من قبل دول الجوار وقوات السوات التي لا يوجد لديها حساسيات عشائرية قد تكلف بالمهمات القذرة وتأجيج الموقف تمهيدا لتبرير المزيد من التدخلات الخارجية.
ثالثا: إنتخابات الرئاسة الأيرانية التي قد تشكل أولى قطعات الدومينو التي تسقط فتؤدي إلى تساقط الأوضاع في بقية بلاد المنطقة. فالمرشحين الأساسيين هم سعيد جليلي من المحافظين وهو المفضل لدى مرشد الجمهورية الإسلامية خامنئي والمرشح الثاني هو رفسنجاني وهو من أبرز الإصلاحيين. الإختلاف المهم بين المحافظين والإصلاحيين هو في رؤيتهم للواقع السياسي في المنطقة، فالمحافظون يرون أن لا سبيل أمامهم إلا الوقوف وراء حكومة الأسد ومنعها من السقوط بأي ثمن فنهايتها قد تعني نهايتهم، والإصلاحيون يرون أن لا تعايش محتمل في الواقع بين الشعب السوري وحكومة الأسد وأن من الأجدى البحث عن صيغ أخرى للحفاظ على علاقات ودية مع سوريا في المستقبل. عموما فمن غير المتوقع فوز الإصلاحيين وحتى لو فاز أحدهم فأن رؤية المحافظين في إستمرار دعم الحكومة السورية إلى النهاية المريرة هي المتوقعة، وتؤدي تلك بصورة مباشرة إلى المزيد من إصطفاف العراق في معسكر إيران ولا يوجد خيار أمام الحكومة العراقية الحالية إلا الرضوخ وتنفيذ سياسات أيرانية على حساب وحدة العراق ومصالح شعبه.
الأيرانيون هم أخوة لنا تجمعنا معهم أواصر دينية وأجتماعية وهم جيراننا وفخر لنا في الإصطفاف معنا كعرب ومسلمين، لكنهم على وشك المغامرة بسياسة مبنية على رؤية خاطئة تؤجج المنطقة وتؤدي إلى تفرقة الصف وزعزعة ما تبقى من إستقرار وحرق موارد الأجيال القادمة من شعوب المنطقة وأولها شعبهم.