الشيخ والسماء
كنت في رحلة لزيارة الأهل في عمان على متن طائرة تحلق على إرتفاع 39000 قدم حينما إحتجت لزيارة المرحاض، وكان المرحاض قريبا من مقعدي لكن شيخا ذو لحية بيضاء كثيفة قد إحتله لفترة من الزمن. فوقفت في الإنتظار حالي حال بقية المسافرين أمام باب المرحاض وكنا خمسة أوستة. وكان من بين المنتظرين شابا ذو لحية سوداء كثة ورداء يبدو منه أنه قد يكون من أتباع ذلك الشيخ. بادرني الشاب بالكلام فقال أن الشيخ يتوضأ من أجل تأدية الصلاة ولكنه طول بعض الشيء. قلت له لماذا لا يتيمم فضحك الشاب، وقد تكون الضحكة من جهلي الواضح لمبادئ الصلاة التي تقول إذا حضر الماء بطل التيمم، والماء موجود في الطائرة فلا يصح التيمم. ثم بعد تبادل الحديث وإطالة الشيخ الذي لا شك أنه كان يكثر من ذكر الأدعية وإداء السنن الغير واجبة للوضوء، قلت للشاب لماذا إذاً لا يصلي قضاء وهو في سفر. وبدا من بعد ذلك متجهما وتوقف الحديث بيننا، فقد تعديت في إنتقادي هذا حدود اللياقة في عين الشاب حين إنتقدت الشيخ وتوقعت منه تقصيرا في واجباته أمام الله.
كان لقائي الثاني مع الشيخ أمام محطة إستلام الحقائب، فقد أطال النظر في وكانت نظراته تنم عن الإشفاق علي وعلى أمثالي من الضالين، حيث تذكرت نقاشا دينيا مذاعاً توعد فيه أحد الشيوخ السلفيين المشككين بالعقاب الشديد وأشفق عليهم من عذاب النار.
لم أشعر بتقوى الشيخ في تلك اللحظة بل العكس، شعرت بأني أقرب إلى الله منه وعدوانيته الواضحة في نظراته وموقفه الذي يعطي لنفسه حق الخلاص قبل إيفاء الحقوق الطبيعية في حياة عباد الله الآخرين.
يصف أرنست همنجواي في روايته الطويلة “الشيخ والبحر” صراع صياد سمك عجوز مع سمكة كبيرة أنهكت قواه الواهنة، وبعد إنتظار طويل كانت الأسماك الصغيرة فيها تترك الشص ولا يغريها الطعم إلتقطته في النهاية السمكة الكبيرة، لكن الشيخ الذي كان يحتقر صغار السمك إنتهى به الأمر إلى إحترام قوة وعناد السمكة الكبيرة. شعرت أن تصرف شيخنا هذا في السماء فيه قدوة تشبه شيخ البحر، الذي رمى الشص الذي لم يغري السمك الصغير وإنتهى به الأمر إلى صيد عملاق من سمك السيف. لحسن الحظ كنت من السمك الصغير الذي لم يجتذبه الطعم في شص الشيخ في السماء.