هل من إختصاص السلطة الدينية الحكم على المجرمين من أتباعها دينيا؟
وعموما فالسؤال هو: هل يمكن للسلطة أيا كانت أن تستند على أحكام دينية (قرآنية مثلا) في التمييزالدقيق بين خير وخير آخر، أو بين شر وشر آخر أكثر ضررا منه؟
قد يبدو السؤال من أول وهلة عديم المعنى والفائدة فأن تاريخنا الإسلامي ملئ بالقضاة والفقهاء الذين أصدروا أحكاما عادلة، ولا يخفى أن الخليفة أبو بكر(رض) كان قد أصدر حكما قد يعتبره البعض دينيا بتكفير الممتنعين عن دفع الزكاة في حروب الردة، ويعتقد البعض أن من الممكن إعتبار هذا الحكم مثالا تاريخيا على كون “الإسلام دين ودولة” ونموذجا لدولة الخلافة المرتقبة من قبل الأحزاب الإسلامية. لكن الخليفة الأول وقضاة العصور الإسلامية التي تلته لا يختلفون في طبيعة أحكامهم، فهي جميعا أحكام جزئية لا تكتمل إلا في ربط النصوص الدينية مع الواقع السياسي والإجتماعي الذي تتناوله في وقت النطق بالحكم.
أن التعددية في المواقف القرآنية تجاه العديد من المواضيع ليس بالأمر المخفي، فهنالك طيف كامل من التوجهات تجاه غير المسلمين عموما واليهود والنصارى خصوصا، وكذلك تجاه النساء والميراث وغيرها من الأمور، ومن السهل الإعتقاد بأن هذا تناقض يؤدي إلى رفض الدين عند الملحدين جملة وتفصيلا، لكني لا أرى ذلك لأنني على معرفة بأن العلم الحديث الذي يعتقد البعض بقوته ومنطقيته فيه تناقض أشد.
أنني أفهم تعدد المواقف هذا بأنه أحكام أخلاقية مطلقة في الزمان ولكنها جزئية وليست مطلقة في المكان، أي أن ما يصح أن يكون حكما على المسلمين لا يصح على غيرهم، والسلفيون الذين يعتمدون على أحكام مطلقة متشددة مثل تكفير غير المسلمين ووجوب قتلهم، دون غيرها من النصوص والتي هي أقل تشددا وأكثر تسامحا، هم لم يخطئوا دينيا ولا نستطيع أن نحاسبهم دينيا ولا أن نحاسب الدين على أخطائهم، وإنما نحاسبهم إداريا أوإنسانيا أو أخلاقيا أو بالقضاء المدني أو بأشكال أخرى.
والنتيجة هي أن شرعية الدولة الحديثة لا يمكن أن تستمد من الدين فحسب ولا يمكن أن تكون الشريعة هي المصدر الوحيد للقانون لأن الحساب الديني ليس من إختصاص أحد من البشر.