نقارن أم لا نقارن؟
تكثر هذه الأيام حالات الحنين إلى الماضي والمفاضلة بين حقبة فاتت وما نعاني منه الآن من فوضى وعدم إستقرار. وهنالك العديد من الآراء التي تقول بأن الحياة تحت حكم صدام كانت أحسن من الآن، وهذه المقارنة بالذات أثارت صديق عزيز مما دعاه للمناداة بعدم المقارنة مع أحقاب الماضي فجميعها سيئة من وجهة نظره.
هذا النداء يدعونا للتأمل واتخاذ موقفا بين المقارنة والإمتناع. فمن ناحية عملية فالمقارنين الآن هم كثر وربما اكثرية بين المعلقين العراقيين في وسائل الإتصالات الأجتماعية والوقوف أمامهم مضيعة للوقت، لكن تساؤلنا هو: هل يوجد مبرر للإمتناع عن المقارنة والإلتزام بالموقف الذي يدعو إلى إعتبار جميع الحقبات الماضية سيئة ولا تصح المقارنة مع الحاضر؟
سبق وأن أشرت إلى مقاييس السياسة والدين وكيف أنهما يختلفان في الدقة والأمانة، فالدين مقياس ذو أمانة ويقاس بالمقارنة مع قيم إلهية ووظيفته تحديد ما هو الخير والشر، فالخير خير دائم والشر لا يتغير في صفته العامة والحساب مع الرب في يوم الحساب. في حين أن السياسة مقياس دقيق وتقاس بالمقارنة مع بدائل مطروحة في لحظة ما لكي تحدد الفروقات بين العوائد والمحاذير، والسياسي له أن يختار البديل المناسب لتلك اللحظة وإذا تغير الزمن تبعته التغيرات اللتي قد تكون عميقة للبدائل المطروحة.
أن الدعوة لعدم المقارنة مع حقبات الماضي لو جائت من رجل دين لما كانت مستغربة لكنها تأتي كوسيلة لتحديد البدائل السياسية، وأحداث الماضي القريب حتى لو كانت غير قابلة للإعادة بصورة مطابقة لكنها تطرح البدائل التي تحدد نواقص الحقبة الحالية، وإلا فكيف نحدد ما كان موجوداً سابقاً ولكنه فقد أو إنعدم الآن مما يستدعي الحنين إلى زمن الدكتاتورية؟
لذا فأنني أقول أن المقارنات بين الأنظمة الحالية والسابقة بالوقت القريب ضرورية لأبداء الرأي السياسي لكنها ليست من صميم المقاييس الدينية. وأن الدعوة للإمتناع عن المقارنة لا يمكن أن تأتي من إعتبارات سياسية مبررة.