كتلة دولة القانون: ما لها وما عليها

رغم بطئ عملية تكوين الحكومة الجديدة وفشل الاتفاق على جميع المناصب السيادية لحد الآن والتي يبدو أن هدف التأخير منها هو الحفاظ على استمرار الوضع القائم أو التوازنات القائمة تتسارع وتيرة الأحداث نحو انكشاف المستور وعن تورط المسئولين بممارسات مشبوهة وعن مسببات هذه الأحداث بشكل لا يمكن معها بالتنبؤ بالنتائج النهائية. لذا فمن المفيد أن نعيد النظر في الثوابت والبدائل في هذه المرحلة التي تحمل في طياتها القلق وعدم الاستقرار، ومن أهم هذه الثوابت هو وضع اللاعب المركزي على الساحة العراقية: كتلة دولة القانون الحاكمة وسياستها المجسدة بمواقف رئيسها نوري المالكي، ما لها وما عليها في البقاء أم الزوال من المشهد السياسي.

فمن بين ما للكتلة من محاسن وإنجازات، فتدل أعمال المالكي السابقة على انه تحمل الكثير من المجازفة بسبب انتقائه الخيارات الوطنية الموحدة للصفوف بدلا عن المواقف الطائفية والفيدرالية الهلامية المفرقة، وكان من بين أوائل السياسيين الشيعة الذين تجرأوا على انتقاد الدستور بشكل جاد، ومن أوائل من هاجموا المحاصصة وأكدوا على أهمية التوافق المبني على البرامج والسياسات المعلنة، وقاوم بشدة الضغوط الرامية إلى الاندماج مع الائتلاف الوطني أواخر عام 2009، .ولا ننسى حملة صولة الفرسان التي أعادت شيئا من الاستقرار والشعور بالأمان للبصرة لكنها لا ترقى برأينا المتواضع لما سبق من المواقف الاستقلالية حيث أنها حظت بموافقة أو مساندة جميع الأطراف المتضادة من دول الجوار والقوات المشتركة وغالبية الأحزاب العراقية.

وما عليها من بين النواقص: لم تثمر الكثير من تحركات دولة القانون خلال وبعد الانتخابات بنتائج تصب في مصلحة الكتلة ولا الديمقراطية، بل دفعت بالعملية السياسية نحو المواجهات الطائفية ولم تؤدي إلى إعادة تجسيد الدعم الشعبي الذي حظي به في الانتخابات المحلية. ولو طلبنا الوصول للقاسم المشترك الذي يميز جميع القرارات المثيرة للجدل لوجدنا أن التوقيت الخاطئ لإصدار القرارات هو من أهم النواقص، فتفسير المحكمة العليا للكتلة الأكبر الذي جاء بناء على طلب رئاسة الوزراء بعد مرور ما يزيد على ثلاثة أسابيع من التصويت لا ينبغي أن يسري بأثر رجعي وكذالك طلبات الإجتثاث وإلغاء أصوات المرشحين التي كان من المفروض أن تنتهي قبل الدخول في عملية الانتخابات، ومؤخرا جاء قرار وقف استعمال مطار المثنى بتوقيت لا يدع مجالا للشك بأن المقصود منه هو شخصية رئيس القائمة العراقية، وتزيد الطين بلة لغة بيان التوضيح الصادر من مجلس رئاسة الوزراء بهذا الخصوص والذي تدعو فيه “هذه الجهات إلى تقديم ما لديهم من معلومات إلى الأجهزة المختصة قبل التحدث عنها بالأعلام لاتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا المجال” والإشارة للجهات المختصة التي هي تفتقر للمصداقية في مجال منع أو إيجاد المسئولين عن الاغتيالات العديدة التي ترتكب يوميا في العراق مع صعوبة التواصل والثقة بين الكتلة وبقية الكتل العراقية تنعكس سلبا على تقييم مقدرة الحكومة والحزب الحاكم في معالجة مشاكل البلاد بصورة جدية.

وكما هو الحال بإعادة النظر بالثوابت علينا أن نعيد النظر بالبدائل التي طرحت ورفضت لأسباب قد لا تكون مبررة تحت الظروف الجديدة الحالية، وما يهمنا هنا هو بديل تدويل العملية السياسية الذي طرحناه منذ عام 2006 ولا يزال يناقش من نواحي مختلفة. فقد أعيد طرح موضوع التدويل الكامل للعملية السياسية بشكل مبادرة القاهرة التي سبق مناقشتها في 2008 ورفضت لفقدانها للسيادة العراقية، وهذا نفس انتقادنا لهذه المبادرة في حينها. لكن التدويل مثله مثل الدواء الذي قد يقتل المريض إذا ما زاد كثيرا عن الجرعة المطلوبة، ولا يعالج الداء إذا ما قل عنها. فالمطلوب هو ضمان نظافة العملية السياسية وفعاليتها في التداول السلمي للسلطة ولكن بدون فقدان سيادة الدولة على أراضيها ومواطنيها. أن استمرار الوضع القائم في التخبط بين التحالفات وفقدان الأمن والخدمات الأساسية يدفع المواطنين الى رفض جميع الأحزاب والعملية السياسية برمتها، والبديل السلمي والأمثل في استعادة المصداقية وثقة المواطن هو الأشراف الأممي على تعداد النفوس والانتخابات في العراق.

Comments are closed.