تعقيب حول مقابلة الإمام حسين المؤيد
يتمتع الإمام حسين المؤيد بمصداقية واسعة بين المثقفين العراقيين نظرا لوطنيته وإستقلالية الرأي عنده، وكان قد لامني بعض الأخوة في جلسة الثلاثاء هنا في مونتريال لأنني قد أيدت الرأي بأن كلام الساسة من داخل العملية السياسية كله سواء من حيث الحرص على مصلحة الوطن والمعقولية ولكنه يختلف حصرا من حيث البلاغة، وما قصدته هو أن المواقف من داخل العملية السياسية تتساوى فيما تحذفه وليس فيما تحتويه، فالمطلوب من الساسة الحرص على إستقلال العملية السياسية وهذا محذوف من مواقف أحزاب الداخل ولكن ليس من موقف الإمام المؤيد. وقد أجاب سماحته في مقابلة له مع مجموعة من النخب السياسية العراقية والعربية على أسئلة دقيقة وحساسة عن العملية السياسية في العراق. وكان من بين الإجابات ما إستوقفنا. قال سماحته عن الطامة الكبرى : أن الإنتهاكات التي جرت على يد المحتل أفقدت مصداقيته في إقامة الديمقراطية.. وأن بناء العملية السياسية على ما يسمى بالديمقراطية التوافقية قد فشل. ولا جدال مننا حول صحة ذلك لكنها لغة المواجهة التي سوف تؤدي لا محالة الى الممانعة والإبتعاد بين أطراف الحوار. ثم يضيف في فقرة أخرى:
أن العملية السياسية التي أقيمت برعاية المحتل ودعمه تتعاكس في اتجاهاتها وآلياتها ومضمونها مع الديمقراطية والمجتمع المدني وبناء الدولة الديمقراطية الدستورية التعددية، إذ اعتمدت الصيغ التقليدية التي تجسد البنى الإجتماعية، مع أن الأحزاب والتنظيمات في الفكر السياسي الحديث هي جزء من نسيج الدولة الحديثة، ولا يتأتى لها أن تلعب دورها السياسي إلا اذا تشكل المجتمع نفسه على أساس مدني متجاوزا الصيغ التقليدية التي تجسد البنى الاجتماعية والتي تتحدد قيمة الفرد بحسبها في ضوء قيمة الجماعة التي ينتمي اليها على صعيد الطائفة أو القومية أو العشيرة، بينما ينظر الى قيمة الفرد في الصيغ الحديثة مجردة عن ذلك ومنحصرة في الانتماء الوطني
هذه فقرة مهمة وأهميتها تكمن في تحديدهاالمبدئي لما نحن فيه من العملية السياسية وما نريد أن تصير عليه الأمور في المستقبل، واذا أردنا أن نبسط طرحها لقلنا أن العملية السياسية الآن تشابه العملية اللبنانية أو الأسرائيلية من حيث دعمها وأعتمادها على الطائفية ونحن نريدها مستقلة عن الطائفية على شاكلة الديمقراطيات الناجحة بما فيها الأمريكية، وأختياري للتشابيه عن قصد كما سوف أوضح تاليا.
أن موقف التحدي أمام المحتل الأمريكي سوف يزيد من ممانعة التغيير لديه وعلى القوى المناهضة للإحتلال أختيار المواقف السياسية المناسبة التي تؤدي الى التغيير المطلوب بأقل تكلفة، وأن ما نريده فيه الكثير مما لدى الأحتلال، فالنزعة الأستقلالية والدعوة الى إبعاد الإعتبارات الطائفية والدينية والعرقية وغيرها من الممارسات الديمقراطية هي من صميم العملية السياسية الأمريكية، لذلك فأن الحوار والإقناع وتوجيه رسالة الدعوة الى الديمقراطية المدنية على نحومبسط الى الناخب الأمريكي مباشرة هي الإستراتيجية الأنجع، والتشبيه بالديمقراطية الأمريكية ليس حبا أو إعجابا بما أنتجته في بلادنا من مصائب، لكن لأنه سوف يوفر العامل المساعد الضروري للإنتقال من مرحلة الطائفية الى الدولة المدنية. لذا فأنني أقترح من منبري المتواضع هذا أن يصاغ الحوار مع المحتل على غرار: نريد أن نعمل كما تعملون وليس كما تأمرون، أو نرفض لبننة العراق أونريد إتباع النموذج الأمريكي لا الإسرائيلي في الديمقراطية، ولا أكاد أن أتصور بأي شكل سوف يمانع المحتل في تحقيق ذلك..