دروس الإنتخابات الكندية

جرت في 2 نيسان مايو 2011 الانتخابات العامة الكندية ونشرت جميع النتائج في الصحف المحلية صباح اليوم التالي، وتمت عمليات إعادة العد بعدها بيومين. ولا مفاجئة بهذا ولكن النتائج التي كان قد تنبأ البعض بأنها سوف لن تغير خارطة السياسة في كندا جائت بعكس ذلك و بشكل يقلب بعض مفاهيم الأنتخابات العراقية رأسا على عقب.

فلنبدأ الشرح بنبذة تاريخية. فقد تكون المشهد السياسي في كندا أساسا من تداول الحكم حصرا بين حزبي المحافظين التقدميين والليبرالي لفترة طويلة مع مداخلات بسيطة وعلى فترات متباعدة من الحزب الثالث الأصغر بكثير وهو الحزب الوطني الديمقراطي ذو النزعة الأشتراكية. ولكن حصلت مفاجأة في أنتخابات عام 1993 حيث تحول حزب المحافظين التقدميين الحاكم من حزب الأغلبية الى فقدان صفته الرسمية كحزب برلماني وبحوزته مقعدان فحسب. وحينها قفز حزب الإصلاح اليميني الذي أنشئ حديثا الى الفوز بمقاعد كثيرة لكنها غير كافية لازاحة الحزب الليبرالي من موقع الأغلبية. وقد إضطر حزب المحافطين التقدميين للإندماج مع حزب الإصلاح بشروط قاسية ومنها قيادة الحزب الجديد والمسمى بالمحافظين فحسب، وكان هاربر رئيس الوزراء الحالي الذي جاء من حزب الإصلاح هو الزعيم الجديد للحزب المندمج.

والمفاهيم العراقية للديمقراطية وممارساتها ترى التمويل والضغوط أنجع الوسائل للفوز بالأصوات والمقاعد ومن ناحية أخرى فالإصلاحيون يرون أن الديمقراطية تتحقق بالتمثيل المتناسب، أي أن المرشحين الأكثر إستحقاقا هم الذين يستطيعون الفوز بميزاتهم الشخصية بالدرجة الأولى وليس بإنتماءآتهم الحزبية.

ونأتي الآن للإنتخابات الأخيرة، فقد ترأس هاربر زعيم حزب المحافظين حكومة أقلية لفترتين متتاليتين ولم يكن يرغب في إجراء انتخابات طارئة، في حين أن رؤساء الكتل الأخرى كانوا يعانون من ممارسات هاربر الإستبدادية في داخل البرلمان وفي إدارته لشؤون الدولة وضاقوا ذرعا لذا إغتموا فرصة لسحب الثقة حين جاء التصويت على ميزانية عام 2011. وكان لهم ما أرادوا وأجريت الإنتخابات على توقعات فوز المعارضة أو تقليل سطوة هاربر، لكن جائت النتائج على عكس التوقعات فقد فاز هاربر بالأغلبية هذه المرة وخسر الحزب الليبرالي الكثير من مقاعده وجائت المفاجئة الكبرى بفوز الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة جاك ليتون بأكثر من مائة مقعد. ولو تمعنا بالتفاصيل لوجدنا أن الحزب اليبرالي قد هيأ نفسه وخطط وأنفق على الإنتخابات الشئ الكثير ولم يساعده ذلك على الفوز أو حتى تجنب الخسارة المنكرة، أما الحزب الوطني الديمقراطي ذو الموارد المحدودة جدا فقد فاز مرشحيه من طلبة الجامعات وعاملات المطاعم وقليلي الخبرة على الرغم من أنهم كمرشحين لم يساهموا في المناقشات والتجمعات ولم ينفقوا من مالهم أو أوقاتهم شئ يذكر، بل أعتمدوا كلية على قائد حزبهم وبرنامجه الإنتخابي وجاذبيتة، وهذه حالة واضحة بأن الناخب الكندي لا يعرف ولا يأبه بخلفية المرشح ذاته وإنما بقادة الأحزاب الذين هم يروجون للحزب وسمعته ونجاحه. ونتوقف قليلا لنلاحظ في المشهد العراقي بين آونة وأخرى نجد من يعترض على دكتاتورية قادة الأحزاب وأهمالهم للأخذ بآرائهم الفذة قبل المضي في سياسة أو موقف قد لا يوافق تطلعاتهم، نرى أن إستبداد هاربر داخل حزبة وحكومته لم يعاقب بل العكس، وأن قلة جاذبية زعماء الليبراليين وكتلة كيبك التي هي الأخرى قد خسرت الكثير من مقاعدها كانت العامل الأساسي في تصويت الناخبين، وأن نشاط جاك ليتون وأمانته وبرنامجه قد إجتذبت الأصوات أكثر من هوية المرشحين وخبرتهم وسمعتهم وهم قد فازوا في مناطق لم يكونوا معروفين فيها ولاساكنين فيها لفترة طويلة.
أن بعض المعتقدات التقليدية عن الديمقراطية في الشارع العراقي لا يساندها واقع الممارسة السليمة وقد تكون القناعة بها قد حصلت نتيجة للتزوير والتدخلات الخارجية والسبيل لقطع الطريق أمام التدخلات وفي نجاح التجربة في العراق هو ضمان نزاهة الأنتخابات بالإشراف الدولي.

Comments are closed.