المعاهدة الأمنية بين التأييد والرفض والحياد
لمعاهدة الأمنية المرتقبة بين الولايات المتحدة والعراق خلقت الكثير من التجاذبات بين الأطراف العراقية بين مؤيد يحذر من خروج الأمريكان الفجائي الذي يمكن أن يؤدي الى الحرب الأهلية والتدخلات السافرة للجيران والمجازر المحتملة، وبين رافض يندب سيادة العراق المنسية و يؤكد أن المعاهدة هي الدائمة والقواعد باقية على الرغم من نصوص المعاهدة. ونحن كمراقبين من على بعد لا يسعنا إلا الأسف على الشرذمة والفرقة التي لا يمكن قبولها أو تبريرها بين جهات وتيارات عراقية الأصل والغاية.
نقول للأطراف المتحمسة بإلحاح نحو المعاهدة والخائفة من مغادرة المحتل المفاجئة أن الأمريكان أتوا بناء على مصلحتهم الخاصة وإن إختاروا أن يحموا حدودنا فسوف يفعلون ذلك بناء على مصلحتهم الخاصة. أن إرادة العراق لن تقوى بالمعاهدات الخارجية والإعتماد على قدرات الآخرين بل بالإستقلال عنهم في العملية السياسية، والخطوة الأولى للإستقلال هي في تحديد هوية العراقيين بحياد وبدون إستثناء وبالرجوع الى مقاييس وإشرافات دولية في عملية تعداد النفوس.
أما الأطراف الرافضة الغيورة على سيادة العراق والنافية لجميع بنود المعاهدة قبل التأكد منها فنقول لها أن الوطنية والإخلاص والحرص على مصلحة العراق ليس حكرا عليها وأن مقياس المواطنة ليس فقط الخلاص من المحتل بل هو أيضا الحرص على وحدة الصف من أجل إتخاذ الموقف القوي الموحد أمام المحتل وأن موقف الرفض المطلق يستبعد الكثيرين ويخونهم ومنطق الإستثناء هذا مرفوض في الأنظمة الديمقراطية، وإن شئتم الوصول الى دفة الحكم بالطرق الديمقراطية فبالأحرى أن تطالبوا بالإنتخابات الحرة بضمان وإشراف الأمم المتحدة، فالإستقلال السياسي أهم من الخروج الصوري وإستمرار الإنتخابات على نفس المنوال الحالي وبضمانة المحتل سوف لن يؤدي إلا الى إستمرار الولاء لإدارة المحتل.
إننا مع موقف الحياد من موضوع المعاهدة الأمنية لأننا نعتقد بأن المعاهدة بوجودها أو بدونها ليست أساسية، فهي لا تعالج إستقلال العملية السياسية وهي مرتبطة بالإدارة الأمريكية التي ليس أمامها إلا شهران ثم تتغير، والإدارة الجديدة لم تعرف بعد ولا تضمن موافقتها. أما ملاحظات السياسيين العراقيين أو إعتراضاتهم على عدم سريان القوانين العراقية على محاكمات الجنود الأمريكان فهذه المادة ليست مرتبطة بالرئيس الأمريكي بل هي من شروط الكونغرس الثابتة، ومن يعترض عليها بعد تخفيف وقعها الى النص النهائي الحالي فهو كمن يرفض المعاهدة بأي شكل جملة وتفصيلا، وعلينا أما قبول إعتراضهم ورفض المعاهدة أو العبور من فوق الأعتراضات والتطلع الى عام 2011 حيث يمكن إلغائها بصورة قانونية.