*مختارات من مقالة كرستي ديفز حول الفكاهة تحت ظل الإشتراكية
يوجد أكبر عدد للفكاهة كمعارضة إجتماعية في النكات السياسية التي قيلت في الإتحاد السوفيتي السابق وفي الدول الإشتراكية الأوربية بين عامي 1920 و1989 .
إنتقدت هذه النكات النظام السياسي الإجتماعي وأفكاره بالإضافة لقادته السياسيين. كانت النكات عبارة عن همسات المعدمين أو فكاهة شعبية أصيلة وكانت مبعدة عن وسائل الإعلام ولم يكن لها مؤلفين ولا مصادر معروفة. مقاييسها وشعبيتها تشكل واقع إجتماعي هام جدير بالإستكشاف، من البديهي أنها ذات علاقة بالمعارضة الشعبية لكن طبيعة هذه العلاقة غير واضحة المعالم. لنناقش أولاً الأسباب التي أدت إلى إرتفاع أهمية النكات بعدها سوف نتفحص الظروف التي أدت إلى إزدياد شعبيتها ثم موقع راوي النكات بالنسبة للهيكلية السياسية صاحبة السلطة.
أهمية النكات
أن مجموع النكات التي تم حصرها تحت النظام الشيوعي تفوق عدداً وأهميةً تلك التي يتم تداولها في المجتمعات الديمقراطية أو حتى التي تنتشر تحت الدكتاتوريات القمعية والتي لا تسعى للتحكم بالمؤسسات الأجتماعية ولا تصر على إيقاد الحماس. وأهمية النكات تؤكدها المجازفات الموثقة التي يتعرض لها أفراد عديدون من خلال تداول الفكاهة الناقدة، وفي حالة سعي المثقفين المحليين لتجميع النكات المضادة لحكم السوفيت، وبالإضافة إلى العديد منها مما وجد في ملفات الكي جي بي والتي تعد من أفضل المصادر التي تحتوي على التصنيفات العرقية عن الرأي العام المعادي للسوفيت. أن النكات السياسية تحت الإشتراكية كانت تسرد كوسيلة لتوضيح الفكرة، أو كعبرة قوية أو قصة ممتعة تعبر عن فكرة ما، أكثر كثيرا من المجتمعات المغايرة.
نكات عصر الرعب ونكات عصر الإبتذال
من أجل التبسيط سوف نقسم النكات التي إزدهرت تحت الأشتراكية لنوعين حسب العصر الذي شاعت فيه: زمن الرعب وزمن الإبتذال، من 1928 إلى 1956 ثم من 1956 إلى 1985 تقريباً. النكات التي إنتشرت قبل هذه الحقبات مباشرة كانت أقل عدداً وأصعب في التحري، والنكات التالية كانت كثيرة العدد لكن الأحداث التي تناولتها النكات كانت شائعة ومتداولة حتى بين القادة السياسيين.
الفكاهة في عصر الرعب ويحتوي الحقبة التي تلت تعزيز ستالين لأواصر قبضته على الحكم إلى خطاب خروشيف المشهور الذي أدان به الإرهاب، يتميز من ناحية المحتوى والظروف الشائعة. شهد هذا العصر مقتل وسجن ونفي العديد من الأبرياء. وأشارت النكات السائدة بصورة مباشرة إلى سحق القرويين من خلال المزارع التعاونية ونفي ملاك الأراضي الزراعية وإختلاق المجاعات المتعمدة. وهنالك أحداث أخرى تناولتها النكات منها إقصاء المهندسين والمثقفين وقادة الجيش والحزبيين في الفترة ما بين 1946 و 1953 وبالطبع هنالك أحداث التعذيب والإعدامات العشوائية والأعمال الوحشية في معسكرات العمل . وبالأمكان إضافة النكات التي تناولت قوانين العمل الصارمة بين 1940 و 1956 حين حرم العمال من تغيير وظائفهم وجرموا لمجرد تأخرهم 20 دقيقة عن الحضور للعمل.
لقد نال الظلم جميع فئات الشعب في الأتحاد السوفيتي السابق وأكدت الوثائق الرسمية للأرشيف المفتوح أمام الباحثين حالياً، أكدت الأحداث المرعبة التي تناولتها النكات. مع ذلك كانت النكات التي تناولت ستالين وحكمه القاسي أقل عددا من تلك التي تناولت حقبة خروشيف وخلفائه الممتدة إلى تشيرننكو والتي سخرت كثيراً من قادتها. أن عصر الأبتذال كان بالتأكيد زمناً قمعياً لكن ليس بنفس التطرف والمستوى من العنف وعدم المبالاة. أن تعداد النكات المنخفض نسبياً في الوقت الأكثر قساوة يقلب موازين الأطروحة الأنثروبولوجية القائلة بأن إزدياد شدة القمع يصاحبه إرتفاع في شدة الفكاهة.والنكات السياسية في عصر الإبتذال قد فاقتها كثيراً والتي وصلت إلى أوجها خلال السنين الأخيرة لحكم بريجنيف في بداية الثمانينات حينما أشارت النكات المتناقلة على الملأ إلى “المستر بي” كناية عن بريجنيف، وذلك من أجل التمويه وإستمالة الضحك في نفس الوقت. كانت النكات في هذه الحقبة كثيرة العدد وكانت تنتشر بسرعة وسهولة في الدول الأشتراكية كالمجر وفي أنظمة شديدة القمع كرومانيا تحت حكم تشاوشيسكو.
النكات نتيجة لسعة القمع
نرى أن العلاقة بين القمع وإزدهار النكات توجد في إمتداد وسعة القمع وليس في شدته. كان هنالك الكثير من النكات التي تسخر من الجنرال فرانكو لكن ليس من النظام الأجتماعي والسياسي، ولم تكن النكات بنفس عدد النكات التي قيلت عن الأتحاد السوفيتي وتوابعه ولا بنفس الطرافة. بكل بساطة لم يكن هنالك الكثير مما يستدعي الفكاهة، لم يطلب فرانكو التحكم على الأقتصاد أو غيره من النشاطات غير السياسية. كان حكمه حكماً فردياً وواقعياً أكثر من كونه عقائدياً، ولم يكن حزبه الفاشي حزباً حاكماً بالمفهوم الشيوعي. لذلك أخرجت بلدان مثل أسبانيا نكاتاً عن قادة بذكاء محدود أو مصابين بالخرف، وهذا نفس النوع من النكات التي إنتشرت في عهد الإبتذال لكن الشيوعية أخرجت تنوعات أكثر من النكات السياسية.
طالبت الشيوعية بتفعيل التنازل عن الحرية في حين أكتفى فرانكو وحكمه بمجرد الإذعان. طالبت الشيوعية بالحماس والمشاركة والأيمان العميق والدعم الكامل لقادته وإحتفالاته وقصصه.أراد الأتحاد السوفيتي التحكم أكثر من الدكتاتوريات التقليدية إقتصادياً وعقائدياً، مما أدى إلى خيارات أوسع من الأهداف المناسبة للنكات، بما في ذلك النسخ الحكومية من الفنون والعلوم والتاريخ وهذه جميعها قد تم صقلها عقائدياً.
نكات عن الشحة وعن رداءة الصنع
وفرت شحة السلع أكثر مواضيع النكات تحت الشيوعية، وكانت هذه النكات ذات صبغة سياسية حيث أن الدولة كانت تدير الإقتصاد وتدعي المسؤولية على رفاهية المواطنين وكانت تلقنهم بأنهم على أتم حال ولا تنقصهم السلع.
أستمرت نكات الشحة من العشرينات إلى الثمانينات ولكن كانت هنالك إختلافات بين عصور الرعب والإبتذال. كان عدد المترفين في عصر الرعب قليلاً ومحدوداً بأعضاء بارزين في الحزب والذين تمتعوا بحياة رغيدة، وكان هذا أحد مواضيع النكات لكن أغلب النكات الشحة تناولت حياة الغالبية الجائعة وحياة القرويين المحطمة والرواتب التي بالكاد تكفي لشراء الطعام ولتغطيةالأحتياجات الأساسية، والسكن المكتض بأسر في شقق مشتركة والتعاونيات الزراعية التي لم تستطع توفير ما يكفي من الطعام. ، كانت النكات تقارن بين الشحة الحقيقية وشعارات الحزب الخيالية التي تدعي بأن حياتهم أسعد وأحسن في دولة العمال ومجتمع المساواة. لكن نكات الشحة كانت أكثر في عصر الإبتذال تحت خروشوف وبريجنيف، حينها كان مستوى المعيشة والرواتب في إرتفاع وكانت الحكومة تنفق العملة الصعبة على الحبوب المستوردة بدلا عن السماح بالمجاعة كما كان في السابق. والنكات التي كانت تتناول البضاعة الرديئة والطعام المستورد تعني أن هذه السلع قد أصبحت متوافرة أكثر من قبل. لكن مستويات المعيشة الصاعدة قد تكون قد أدت إلى توقعات خائبة والنكات تعكس هذه الخيبة. أن الأعذار التي إستعملها الحكم الذي بحوزته جميع وسائل الإنتاج لن يصدقها مواطنيها، والفكاهة في عصر الإبتذال تعكس شعورهم بالإحباط.
الفكاهة وسياسة اللوم
حاول الحكام السوفيت إيقاع اللوم بسبب الفشل الإقتصادي على موظفين صغار ومزارعين في تعاونيات وعمال إصلاح وحتى عمال المصانع، وكان الأفراد المتذمرين يشجعون على تقديم شكاواهم للمسؤولين الكبار وللصحافة. والملاحظ هنا في الشكاوى التي لم تنشر مثل التي تشكو من الجوع والبرد والتعليمات الرسمية. كان الأسلوب الحكومي يكمن في تحويل الملامة نحو الأهداف المحلية والأفراد المخطئين. كانت الفكاهة الرسمية تجسد هذا التحويل في مجلات ذات عناوين لاذعة مثل التمساح والأشواك والدبابير والتي كانت تنشر هجاءً وكاريكاتيرات عن أفراد في مقدمة التعامل مع العمال والزبائن. أما المدراء الكبار والنظام السياسي فلم يخضعو للسخرية، فالمحررين الذين يقتربون من الكلام المحذور يفقدون مناصبهم. فالفكاهة الرسمية تخطط من أجل إثارة السخط والسخرية على المخالفين الصغار بدلا عن إثارة الضحك، أما الفكاهة الشعبية فكانت عكس ذلك من ناحيتين، أولاً كان هنالك العديد من نكات الشحة التي تلوم الحزب ومخططيه والتي عكست حالة الإستياء التي سجلها المخبرون والتي يمكن الإطلاع عليها في سجلات الكي جي بي، وهنالك أيضاً وجهات النظر التي عبرت عنها إستطلاعات الرأي في تشيكوسلوفاكيا في فترة التحرر القصيرة في 1968، فقد لام الشعب حكامه بصورة قاسية وضالمة.
والناحية الثانية للإختلاف فعلى عكس الفكاهة التي تخطط لها الدولة حيث يلبي فناني الكاريكاتير ومحرري السخرية تعليمات الحزب، تنبعث النكات بصور لا إرادية كما هو الحال في الفكاهة عامة في جميع الأوقات، وتنتشر بلا معرفة من هو المؤلف ولا يمكن معرفة الهدف أو تنويهات أو الشعور عامة من قر اءة النص المكتوب بمفرده، حيث أن هذه المعلومات تضاف بواسطة الراوي في وقت الإلقاء.
النكتة والإحتجاج
يدعي الكثيرون من باحثي الفكاهة، عادة بلا دلائل، بأن الفكاهة تشكل نوعاً من أنواع المقاومة أو دعماً للمضلومين لتقويض الضالم ولكن هنالك من ينفي فعالية النكات في هذا المجال بل ويدعي بأن النكات تعمل كصمام الأمان مما يساعد الحكم الضالم على الأستمرار مما يعكس هدف الفكاهة. هذه المجادلة بأكملها لا تعدو مجرد هراء إذ كيف يمكننا أن نحلها؟ من المستبعد تماماً أن نجد أي تأثير للنكات في كلا الإتجاهين، خصوصا بالمقارنة مع عوامل إجتماعية أخرى ذات فعالية أكثر. النكات مقياس وليست أداة تحكم، تعطينا قراءة لما يحدث مثل قراءة المحرار لكنها لا تغذي العوامل الأجتماعية التي خلقتها لأي درجة محسوسة.
النكات والكرنفال
هنالك من رأى تشابهاً بين النكات التي قيلت تحت الأشتراكية وبين تصرفات إحتفالات الكرنفال في القرون الوسطى في أوربا، حيث يسخر المتظاهرون بالكنيسة وطقوسها عاشوا جواً إنقلبت فيه الموازين لفترة قصيرة. وهذا ما فعلته النكات في العديد من النواحي تحت الشيوعية، حيث تسخر النكات من أيديولوجية الدولة وتقلب موازينها رأساً على عقب، وكانت إحتفالات وأبطال وقورين مثل لينين تعامل بحماقة وقادة العصر بشكل مضحك. وهنالك من يدعي بأن النكات حالها حال الكرنفال كانت أيضاً صمام أمان، لكن أنظمة الحكم لم تعتقد ذلك حيث أنها تبنت كرنافالات التكفير كسلاح من أجل تقويض الكنيسة الأورثودوكسية الروسية. والنكات تحت حكم السوفيت كانت تتداول بسرية وتخضع للمراقبة وليس على المكشوف كالكرنفال التقليدي.
وقارن البعض صفات الكرنفال التلقائية الحميدة مع النكات التي تداولها أتباع الكنيسة في روسيا القيصرية أو في بافاريا الكاثوليكية أو خدم السادة المخلصين التي تتناول سادتهم، وجميعها كانت تتداول في دائرة إجتماعية صغيرة في حدود العادات والتقاليد، وحتى السادة والقساوسة أنفسهم كانوا يتداولونها لأنهم لم يجدوا فيها ما يهددهم. ولكن الوضع يختلف حينما تتداول النكات في مجتمع حاقد على القساوسة والسادة المحليين، المقارنة ليست سارية.
النكات كنوع من التعويض عن المقاومة وإنهيار النظام السوفيتي
جادل البعض بأن النكات لم تكن مجرد صمام أمان ولكن نوع من التعويض عن المعارضة والمقاومة للدكتاتورية، أو أنه أفيون فكاهي للشعب ويلاحظون أنه عندما يبدأ العصيان بصورة جادة تختفي النكات. والعبرة في هذه المجادلة ليست في الشئ الذي هو تعويض عن الآخر وإنما في أن العوامل الخارجية هي التي تحدد النتائج المتوقعة. والسرعة التي يتحول فيها رواة الفكاهة من الهزل إلى المعارضة الجادة بعد تخفيف القمع بسبب ضعف الحاكم تشير إلى أن النكات كانت فعلاً جزئاً من المعارضة لكنها حورت وخضعت لعوامل خارجية. أما إذا كان التخفيف تدريجياً فأن النكات سوف تنضم إلى بقية أدوات المعارضة بصورة ناشطة وذلك كما حدث مع المقاومة النرويجية للإحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية أو كما حصل في تشيكوسلوفاكيا لفترة قصيرة في 1968.
يعتبر البعض أن النكات تحت الشيوعية بأنها الفكاهة لشعب توقف عن النظال، أو أنه التعبير عن الشعور بالتشاؤم والغربة لشعب لم يعد يستطيع المعارضة أو المقاومة، فاقداً لمعنوياته في عصر الرعب وراضياً بالأمر الواقع في عصر الإبتذال. من الصعب قبول هذه المجادلة مع ملاحظة السرعة التي إندحرت فيها الأنظمة الأشتراكية. كانت الأنظمة الشيوعية في حالة توازن فعلاً لكن هذا التوازن لم يكن ثابتاً، حالما تعرض هذا التوازن لإضطراب إنهار النظام بكامله تماماً. كانت النكات دالة على عدم الثبات، متنبئة بالإنهيار الممكن. قد لم يكن غورباشيف عالماً بأنه قد فتح المجال أمام إنهيار الكتلة الشرقية حينما أخبرهم بأن الإتحاد السوفيتي لم يعد راغباً بإرسال الجيش السوفيتي لدعم أنظمتهم في 1985-1986، وحالما تبين لشعوب هذه الكتلة ما جرى كانت علامة النهاية للحكومات الشيوعية لأنها لا تستطيع البقاء بدون القوة القسرية. تلى ذلك بفترة قصيرة فوز حركة التضامن بإنتصار ساحق في الإنتخابات البولندية، ثم إنهار حائط برلين ومعه نظام إلمانيا الشرقية وإنهارت الكتلة بأكملها خلال أسابيع. لم تكن هذه الأنظمة لتبقى بلا الدعم الخارجي من الجيش السوفيتي.
كانت هنالك أوقات للمعارضة القوية قبل 1979، منها في المانيا الشرقية في 1953، المجر في 1956، تشيكوسلوفاكيا في 1968 وبتكرار في بولندا، وكانت جميع علامات المعارضة تسحق بواسطة الدبابات السوفيتية، أما مباشرة أو بالتهديد بإستخدامها، وفي جميع الحالات كانت الأنظمة المدعومة من قبل الجيش السوفيتي تسقط بسرعة.لم تكن النكات تعويضاً عن المعارضة لكنها كانت مرحلة من المعارضة وإستمراراً لها لحين ظهور الفرصة التالية لفعالية تكون أكثر نشاطاً.
بإمكاننا أن نرى حالة عدم الثبات في عصر الرعب حينما إنتشرت نكات تتناول إزاحة الحكم بوسيلة الحرب، حينها كان مليون مواطن سوفييتي قد غيروا ولائهم وإنظموا لمعسكر الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، لذا فقد إضطر ستالين لتغيير دعايته بعيدا عن العقيدة الشيوعية وبإتجاه الوطنية الروسية التقليدية. وقد أدى هذا التغير إلى إستمرار حكمه والنصر في الحرب ولكن لم يكن هذا ممكناً بدون الإبتعاد عن الدفاع عن الأشتراكية.
النكات والتنبؤات السياسية
قد يبدو أن التحليل السابق هو مجرد حكمة تلي الواقعة ولم يكن من الممكن إستعماله للتنبؤ بالمستقبل، لكن الواقع غير ذلك. أقنعني الأستاذ ألكساندر شتروماس في 1971-1972 والذي كان محاضراً بدراسات السلام في أنكلترا في ذلك الوقت، أقنعني بأن النكات هي نذائر الإنهيار.تنبأ الأستاذ شتروماس بالتغير الجذري والإنهيار القادم في الإتحاد السوفيتي في كتاب نشر في عام 1981، ونظم مؤتمراً واسعاً في جنيف عام 1985 أسماه إنهيار الأمبراطورية السوفياتية . وقد قدمت مقالة تلبية لطلبه بعنوان الفكاهة للمستقبل ومستقبل الفكاهة والتي تحققت تنبؤاتها لاحقاً. كان معظم من يدعون الخبرة في ذلك الوقت يعتقدون بأن الأتحاد السوفيتي ثابت وباق ولكن تنبؤات ، شتروماس تحققت خلال ست سنوات. كانت النكات جزء من حججه ولكن ليس كسبب للإنهيار وإنما كعلامة للمعارضة التي تشير إلى أخطار لم يراها الخبراء الآخرون. والآن وملفات الكي جي بي متاحة للباحثين ، بالأمكان التيقن بأن النكات كانت تشكل دلائل جيدة لما كان يحدث، فالنكات كانت قمة جبل جليد التذمر، الواجهة المتحركة التي لا تحتاج لسياق لفهمها كتحدي كما نعرفه، وتقارن مع الدلائل الأخرى مثل التعابير الجادة للمعارضة الخفية والمقاومة السلبية، والتي لا يمكن لأحد أن يؤكدها سوى الكي جي بي. وهذه التقارير هي التي مكنتنا من تحليل النكات كظاهرة مجتمعة وأكدت شكوكنا السابقة. لم يمكن فعل ذلك إستنباطاً من نصوص النكات بمفردها، ولا من ذكريات أولئك الذين قد تكون ذاكرتهم إنتقائية أو تأثرت بأحداث تالية. وإنما هي الدلائل المسجلة التي تصف تصرف راوي النكات في وقت الرواية مما يجعلنا نحدد النكات كشكل من أشكال الإحتجاج ونرى كيف كانت تتنبأ بالنهاية الغير متوقعة من البعض للشيوعية في أوربا.
* ترجمة فيصل قدري بأذن كرستي ديفز ،أستاذ فخري، جامعة ردينغ، المملكة المتحدة، عن محاضرة قدمت في جامعة سان بيترسبورغ، روسيا في تموز 2015.
Translation with permission from a lecture by Christie Davies, Professor Emeritus, Reading University, UK, delivered at St. Petersburg ٍ State University, Russia in July 2015.