محنة تفسير الكتلة
يجادل البعض بأن حملات الإجتثاث والاعتقالات والتعسفات التي سبقت الانتخابات الأخيرة قد أدت غرضها من رفع الاستقطاب الطائفي وخلق حالة من الخوف وعدم الإستقرار، لكنها بالتأكيد لم تؤدي الى فوز القوائم التي دفعت بالاجتثاث، مما يدفعنا للتساؤل عن عقلانية التخطيط لدى القوائم ومقدار فهمهم لقوانين الانتخابات والواقع العراقي. وفي سياق التساؤل عن فهم القوائم لآليات الانتخابات والقوانين نتفحص من زاوية ضيقة محنة تفسير الكتلة التي سوف يناط بها تشكيل الحكومة الجديدة.
يدور الجدل حاليا بشأن أحقية من سيشكل الحكومة، خصوصا بعد أن أصدرت المحكمة الاتحادية العليا تفسيرا لها في السادس والعشرين من شهر آذار الماضي بناء على طلب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن المادة 76 من الدستور التي تشير إلى الكتلة الأكبر في البرلمان التي تكلف بتشكيل الحكومة اولا تعني إما الكتلة التي دخلت الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو الكتلة الناجمة عن تحالف قائمتين أو أكثر من القوائم التي دخلت الانتخابات واندمجت في كتلة واحدة بعد الانتخابات. بالتأكيد فأن الفهم السائد لدى القوائم قبل الإنتخابات وأثناء وبعد التصويت مباشرة كان حصرا على التفسير الأول، أي أن الكتلة الأكبر هي القائمة التي دخلت الإنتخابات وحصلت على أكبر عدد من المقاعد، وبهذا الخصوص فقد أشار الباحث ريدار فيسر الى تصريح أدلى به عبد الهادي الحسني عضو ائتلاف دولة القانون في 18 آذار يؤكد فيه أن القائمة التي دخلت الانتخابات وفازت بأكبر عدد من المقاعد هي التي تكلف
بتشكيل الحكومة
وقد تباينت المجادلات والمبررات حول موضوع التفسير بين جاد وهزلي وهذه عينة منها:
• لا نريد عمل التجارب في تشكيل الحكومة لأنها إضاعة للوقت: والطريف أن القائلين بهذه الحجة هم أنفسهم المضيعون للوقت في تشكيل الحكومة في الوقت الحاضر.
• الأمريكان والقائمة العراقية هم الذين كانوا يدفعون للأخذ بالتفسير الواسع للكتلة: وهذا قد يبرر للبعض تفسير المحكمة الدستورية أخلاقيا أو سياسيا لكنه لا يترتب على نتائج قانونية لأنه لم يتعدى الاتصالات والمناقشات المتوقعة في هذه الظروف.
• تفسير المحكمة دستوري دستوري: لو قبلنا جدلا بأنه دستوري لكنه حال أي قرار دستوري لا يجوز أن يسري بأثر رجعي، فالانتخابات قد جرت في 7 آذار والتفسير جاء في 26 آذار.
والنقطة الأخيرة هي بيت القصيد فالدستور الذي يسمح بإصدار القوانين والقرارات بأثر رجعي ليس هو دستورا بالمعنى الصحيح وإنما هو وسيلة لإيصال القرارات الدكتاتورية السريعة بغطاء الشرعية. وقد يجادل البعض بأن التفسير يخص الكتل النيابية التي تتشكل بعد انعقاد المجلس والذي لم يعقد بعد ولذا فهو ليس بأثر رجعي، لكن هذا الجدال لا يأخذ بنظر الاعتبار حقيقة أن انعقاد المجلس لغرض تكوين الكتل لن يتم لو لم يكن هنالك انتخابات مسبقة والكتل سوف تتكون بناء على نتائج التصويت، فالواقعة التي تحدد الأثر الرجعي هي الانتخابات وليست انعقاد المجلس. لذا برأيي المتواضع فأن التفسير السائد هو ما كان يؤخذ به قبيل التصويت والكتلة الأكبر هي العراقية سواء نجحت كتلتي دولة القانون والائتلاف بالاندماج وتسمية كتلتهم ومرشحهم أو لم ينجحوا. وإن تم ذلك وقبلت العراقية بمرشح الاندماج فلا يلغي ذلك أولوية العراقية بتكليف تشكيل الحكومة، حينها يمكن للعراقية إعلان تكوين الحكومة برئاسة مرشح الاندماج بعد التكليف.
أما إذا قبلت العراقية والكتل الأخرى بتفسير المحكمة الدستورية ضمنا أو صراحة قبل تكليفها بتشكيل الحكومة فهذا يعني قبول مبدأ إصدار القوانين والقرارات بأثر رجعي، وقد يعني ذلك بداية النهاية للعملية السياسية في العراق.