هكذا تكلم مكيافيللي
من الأخطاء الشائعة ربط مقولة “الغاية تبرر الوسيلة” مع ما كتبه مكيافيللي في كتابه “الأمير” ولكن الواقع أن مكيافيللي لم يقل هذا على الإطلاق، ولم يكن هذا أحد المواضيع كتابه الرئيسية بل كان شيئا آخر لا يبت بصلة بتبرير الغايات. أن جدله كان يعتمد على موضوع “الولاء” ، كيف يحوز الحاكم على ولاء رعيته وكيف يحرم خصومه من الموالين لهم وكيف يشتري ولاء الضعفاء والمنتفعين ويحتفض ويقيم ولاء من معه.
الكثيرون يعتقدون بأن جدلية مكيافيللي هذه هي وراء تفكير الدكتاتوريات وحلفائهم، وبلا شك أن أستراتيجية الدكتاتورية هي الأستحواذ وأحتكار الولاء بأي طريقة وإتباع جميع السبل لتحقيق ذلك.
نحن نعرف اليوم بأن مقاييس الولاء ليست صحيحة وغير قابلة للتكرار، والشخص الذي تشتري ولائه اليوم تخسره غدا لمن يدفع أكثر. والأهم من هذا نعرف اليوم بأن الولاء والكفاءة يقفان على طرفي نقيض، فالولاء دافعه الخوف والكفاءة دافعها الطمع وذلك حسب نظريات الباحثة الإجتماعية جين جاكوبز التي صنفت القيم الإجتماعية لثنائية الإدارة والتجارة.
والديمقراطية بما فيها من تعاقب سلمي للسلطة وتغيير سريع للإدارة تشكل حماية طبيعية من تراكم الولاء لشخص أو لحزب أو فئة واحدة دون غيرها من أطياف الشعب، وتفسح المجال أمام ذوي الكفاءة التكنوقراط لشغل المراكز التي تحتاج للمواهب الإدارية أكثر من الولاء للحاكم.
نحن اليوم في العراق بحاجة للتغيير ليس لمجرد التغيير كما يعتقد الجهلاء، ولكن لكي يفسح المجال أمام الأصلاحات الإدارية ومحاربة الفساد والإبتعاد عن سيسنة مرافق الحياة الطبيعية التي لم يبق منها شئ غير خاضع للإعتبارات الطائفية والحزبية.