لمحات التشابه في المسار السياسي بين العراق ومصر
سألني جليسي وكان من دعاة حزب التحرير إن كان لدي مرجعية، قلت له إنني سنيا وأحترم آراء الأزهر في الأمور الدينية لكنني لا أعتبره مرجعية وليس لدي مرجعية غير ذلك، قال لي هذا غير صحيح فالذي لا يعتمد على مرجعية تكون مرجعيته الشيطان!! وذكر نصا دينيا يؤكد على ذلك. حصل هذا الحديث منذ سنين عديدة لكنه أخذ يطفو في الذاكرة في سياق البحث عن أوجه التشابه في الأحداث السياسية بين العراق ومصر، فالأثنان إبتدئا مسار الديمقراطية بقيادات ذات مرجعية دينية مؤثرة على الأمور السياسية.
وقد يعتقد البعض بأن رجوع القادة إلى أصحاب الرأي والتشاور حول الأمور السياسية هو من الأمور الطبيعية وأن الرجوع إلى مرجعية ثابتة هو من هذا القبيل لكن الواقع غير ذلك، فطلب الشورة شئ والمرجعية شئ آخر. رأي المرجعية هو توجيه بين ما يملى من حلال أو حرام والنكوص عنه قد يعتبر عصيانا في حين أن المشورة تدور حول درجات الفائدة والضرر وهي طبعا غير ملزمة في جميع الأحوال. والمشكلة تكمن في المرجعية ذات الرأي السياسي حيث أن القائد الذي جاء إلى موقع السلطة بالتصويت يكون مقيدا وموجها برأي مرجعيته والذي ليس من بين الوعود التي أعطاها للناخب.
الناخب والمرشح هما طرفان في عقد يتم فيه منح الصوت مقابل التعهد في تنفيذ الوعود الإنتخابية، ودخول المرجعية طرفا ثالثا تحت العباءة يكون له التأثير والإمتيازات بدون أن يخضع للمسائلة يبطل العقد. هذا هو لب الصراع السياسي برأيي في العراق ومصر، وسبب النجاح المحدود في التجارب الديمقراطية السابقة هو إبتعاد المرجعيات، طوعا أم قسرا، عن التأثير المباشر في أمور الحكم.
بل أنني أجادل بأن العلمانية في الممارسة العملية ما هي إلا إبعاد الأطراف ذات الإمتيازات بدون أن يكون عليها المسؤوليات والتي تبطل العقد الإنتخابي، ولا يعني ذلك إبعاد رجال الدين عن السياسة، بل العكس، فقد جادلني صديق حول المرشح أياد جمال الدين وقال مبررا خسارته في الإنتخابات البرلمانية العراقية السابقة، كيف تثق في رجل يدعي العلمانية ويلبس العمامة؟ وأقول ليس العلماني من لا يؤمن فأيمان المرشح لا يبطل العقد الإنتخابي وهنالك الكثير من القادة العلمانيين الملتزمين دينيا، لكن ممارسة العلمانية هي تأكيد العلاقة المباشرة بين الناخب والمرشح الإنتخابي وعدم وجود أطراف دينية أو عقائدية مستترة تبطل العقد بينهما.