السؤال غلط

April 10th, 2011

بمناسبة ذكرى الإحتلال الثامنة أقدم هذه الكلمات تحية للشهداء العراقيين من المثقفين والأساتذة والأطباء الذين ذهبوا ضحية الغدر نتيجة للإحتلال والتدخلات الخارجية

المقارنات عديدة بين المجتمعات المتقدمة وفوضى مناطقنا وخصوصا مع العراق، والسؤال المنطقي الذي يلي هذه المقارنات هو: لماذا لم نبلغ ما بلغوه من تقدم وأين العيب؟ هل هو في قياداتنا أم في شعوبنا؟ أم هو في قيمنا أوديننا أو عاداتنا؟ والأجوبة التي تأتي عادة ما تكون على هيئة وصفة من نقاط عديدة مستحيلة التحقيق على أرض الواقع وتبدأ بالثقافة أو تربية الأطفال والأخلاق وتمر بظلم الحكام والفقر والحرية لكي تنتهي بالتوبيخ والإحباط والحقد على كل ما هو منتمي لمجتمعاتنا..

ولكي نبحث عما يفيد من معاني فلنبدأ بإعادة النظر على القيم التي تسود المجتمعات محط أنظارنا:فاليابان والسويد وربما جميع هذه المجتمعات لا ترى في الدين سوى ممارسات وطقوس شكلية لدرجة ما، فالياباني مثلا يؤدي طقوس الشنتو عند ولادة أبنائه وطقوس مسيحية عند زواجه وبوذية في حالات الوفاة ولا يرى حرجا في ذلك، فالمهم في الدين عنده ليس الأيمان وإنما الشكليات. في حين أن الثوابت التي تحدد هويته لدى الآخرين هي علاقته بالمجتمع والدولة، والأثنتان تتمتعان بالإستمرارية والوضوح والمصداقية. أما عندنا فالعكس هو الصحيح، أي أن العلاقة بين الفرد وخالقه التي لا يمكن لأحد أن يخضعها لمقاييس موضوعية هي التي تحدد علاقة الفرد بمجموعته، أما المجتمع والدولة والإنتخابات فهي بالحرف الواحد “تحصيل حاصل” عند الأفكار الشمولية ولا تؤدي إلا الى الضياع لأن جميع الإنتخابات محسومة مسبقا. أي أن الإلتزام الشكلي بالدين يحدد عندنا العلاقات الإجتماعية أما العملية السياسية فهي مجرد وسيلة لإنتزاع الهيمنة من الآخرين.

وكثير من المجتمعات المتطورة بعكس ما يدعي به المتهجمون على قيمنا هي مجتمعات إستعلائية مغرورة حتى على جيرانها، بل ومن الممكن الجدال بأن الإعتزاز بالمواطنة والتعالي على الأجانب والوافدين قد يساعد على حفظ النظام، وهذا يتنافى مع الكثير من الناقدين الذين يدعون لترك الإعتزاز بالإسلام أو العروبة أو العشائرية أو الكردية وكأنها هي السبب في تخلفنا. لذا علينا أن نستنتج بأن الإنتساب قد يكون هو أحد أسباب النظام أو إستمراريته.

ومن ناحية أخرى فنحن في العراق إذ لدينا القيم العشائرية ومنها التي تمجد الغزو والكسب الحرام والشجاعة لدرجة التهور والإنفرادية، لكن مجتمعنا خليط من المدني والعشائري وتجدالمتمدنين فينا وذوي الشهادات العليا وقد أصابهم ما أصاب العشائر من حمى الطائفية والفساد والتكالب على المناصب ولم يمنعهم عدم إنتسابهم العشائري وثقافتهم العالية من الإنزلاق في الفساد حالهم حال البقية.

فالسؤال عما يجب عمله من أجل الوصول بمجتمعنا الى حالة تشابه الآخرين هو سؤال عبثي ليس من الممكن أن يؤدي الى نتيجة مفيدة وهو يفترض إمكانيات مستحيلة وشروط لا يمكن توفيرها بدون أن نفقد شخصيتنا وتاريخنا ولا يسمح لنا بالإستفادة مما يميزنا عن غيرنا من أجل أن نحقق السبق.

والسؤال غلط لأنه يفترض أن الحصيلة النهائية من مجتمع فاضل هو كالوجبة الغائية يتم تحضيرها بخلط المكونات بطريقة معينة ثم تطبخ بطريقة ما وبعدها نجلس ونستمتع بمذاقها- لكن الواقع غير هذا فالمجتمع الجيد هو عملية متواصلة ونظام مراقبة وتحكم في المجرمين والمسيئين للمجتمع. والحل يكمن في مصداقية العملية السياسية وعمل الدولة إبتداء من تعداد السكان الذي ليس بمقدرة حكومة المالكي إجرائه ومصداقية الإنتخابات التي ضربت بها حكومة المالكي عرض الحائط وإلتفت على أهم الإتفاقات، لكن تغيير المالكي لوحده لا يؤدي بالضرورة الى الإصلاح فالخلل عندنا هو في العمليات السياسية وهذه العمليات هي الأهم في إرساء المحاسبة وتداول السلطة وهي الأساس في إحترام القانون والقضاء على الفساد وبدونها فأن الحديث عن الإلتحاق بركب الدول المتقدمة هو مجرد ثرثرة وقتل الوقت.

ومن هي الجهة المسؤولة التي عليها أن تعمل من أجل أن نخرج من المستنقع الي نحن فيه؟ أن قرار عدم القيام بتعداد السكان من بداية الإحتلال كان قرارا امريكيا حيث أن الحكومات العراقية المتعاقبة كانت قد طالبت بإجراء التعداد لكن سلطات الإحتلال كان لديها توجهات مختلفة، والآن وصل حال من التعقيد والتداخلات بين المجنسين من دول الجوار والتزوير من رجالات السلطة بحيث أصبح إجراء التعداد قنبلة داخلية موقوتة. مما لا شك فيه أن عدم وجود بيانات سكانية يخل بصورة مباشرة على الأمن ولنا أن نتسائل إذا كانت هذه النتيجة مقصودة من الأمريكان لكي تجتذب عناصر الإرهاب نحو العراق وبعيدا عن أراضيهم أم هو مجرد ترحيل للمشاكل المعلقة الى المستقبل بسبب سوء الأوضاع الأمنية التي هي في واقع الأمر تزداد سوءا؟

أننا الآن نستورد جميع ما نحتاجه من أكل وشرب ودواء وأفكار وقيم..الخ.. وأنني أتسائل لماذا لم نستورد ما نحتاجه أكثر من أي شئ آخر؟ لماذا لا نستورد مصداقية العملية السياسية؟ أن الإحتلال ودول الجواربتدخلاتهم وإملاآتهم قد أفقدوا من شعبنا الأمل في الإصلاح، فلا نتيجة ترى ولا بصيص نور في آخر التفق لما نحن فيه من ظلام وفساد. ما نحتاجه الآن هو المصداقية في العملية السياسية ولا سبيل لذلك إلا في تدويل التعداد والإنتخابات.

The End

ماذا وراء توزيع قطع الأراضي على الصحفيين؟

March 6th, 2011

أعلنت قنصلية جمهورية العراق في مونتريال عن موافقة دولة رئيس الوزراء بمنح الصحفيين العراقيين قطع اراضي سكنية، ولا غرابة في الخبر بحد ذاته فقد أقر البرلمان مؤخرا منح الصحفيين أراض سكنية لكن طريقة وصول الإعلان تدعو الى التساؤل، فالقنصلية العراقية في مونتريال تختص بشؤون الجالية الساكنة في منطقة كيبك ولا تخدم حتى الزائرين في حين أن الإعلان موجه لعامة الصحفيين العراقيين، والإعلان يخص موافقة دولة رئيس الوزراء مما يدعو للتساؤل عن طريقة وصوله الى القنصلية وهل هي من خلال وزارة الخارجية كما هو متعارف عليه أم مباشرة بدون الإشارة الى القنوات القنصلية والدبلوماسية؟ ولماذا لم يشير الإعلان الى قرار البرلمان صاحب الفضل؟

ولو إنتقلنا الى تفحص توقيت الإعلان لوجدنا المزيد، فالأنباء التي تشير الى تقييد الصحافة وقمع الصحفيين في إزدياد، مثلا مقالة الأستاذ أحمد المهنا، لذا فأن خصوصية منح الصحفيين بالذات تبدو وكأنها إستمالة وشراء ذمم مفضوحة، بل أنها إهانة لمهنة الصحفيين الشرفاء وتعتيم على أنباء التظاهرات ضد الفساد وعلى الإعتدائات على الصحافة التي تستمر بدون محاسبة.

لو أردنا إختزال الأسباب التي أدت الى مانحن فيه من فساد وفقدان الأمان والإستقرار لوجدنا عاملا مشتركا بين جميع المسببات: أنتم يادولة رئيس الوزراء لا تحاسبون المخطئين المقربين من أمثال المعتدين على الصحفيين وهذا ما يميز فترة توليكم للسلطة بالكم الوفير من الأدلة، فلا يوجد من عوقب على إعتداء فاضح قامت وتقوم به جهة حكومية على الصحافة، بل نرى أن الحكومة تسعى الى تغيير وجهة الإنتقادات الموجهة لها الى المؤسسة الرقابية الأقوى الباقية على الساحة وهي البرلمان، ويمثل هذا المزيد من التهديد للعملية السياسية أو ما تبقى منها.

دوام الحال من المحال فليتعظ من يشاء وليسير الآخرون نحو الدكتاتورية والمزيد من الآلام للشعب العراقي مرة اخرى.

The End

سياسة القدر المكشوف

February 13th, 2011

قال حكماء السياسة بما معناه: توقيت القرار أهم ما فيه. تنشغل الساحة العراقية في الوقت الحاضر بعملية إضافة نائب رابع لرئاسة الجمهورية، وهو منصب شرفي بالدرجة الأولى وليس فيه شيئ من السلطة التنفيذية المباشرة. ويتسائل البعض عن سبب الإهتمام الزائد بهذه المناصب ويبرره بوجود الطموحات الشخصية وحبها للإستمتاع بالمركز والمال ومقابلة الشخصيات العالمية المهمة، أي بما يشبه الملكية والحصول على لقب البارون مثلا. ولكن هنالك جانب آخر لرئاسة الجمهورية وهو وإن لم يكن تنفيذيا بالمعنى المباشر لكنه يلعب دورا غاية في الأهمية في العملية السياسية، ألا وهو توقيت القرار. دور رئيس الجمهورية يتمثل في الأحداث التي تلت إنتخابات السابع من مارس آذار الماضي، حيث أن القائمة العراقية كانت ولتسعة شهور حسب جميع التفسيرات الدستورية هي الأكبر بين الكتل لكن رئاسة الجمهورية إختارت أن تنتظر وأن لا تسند تشكيل الحكومة لها وبالرغم من أن رئاسة الجمهورية قد فقدت صفتها التوافقية والقدرة على النقض التي كانت تتمتع بها قبل الإنتخابات فلا يزال رئيس الجمهورية يحدد توقيت تشكيل الحكومة ونوابه يمتلكون بعض التأثير بحكم قربهم من صانع القرار. لذا نقول أن إضافة نائب الرئيس من التركمان يوسع من دائرة التأثير على توقيت وجهة تشكيل الحكومة بحيث تزيد من أحتمالات التأخير، ولكن ومن ناحية أخرى فقد تفسر هذه الإضافة بأنها إعتراف بدور تركي في سياسة القدر المكشوف الذي تفضله الملايات المتحدة لأنه يسمح لها بالتأثير على سير العملية السياسية، لكن هذه السياسة التي حالفها النجاح في بلدان أخرى تؤدي الى نتائج عكسية في العراق لأن دور الولايات المتحدة ليس هو الأقوى ويبدو أنها لا تجيد التصرف من موقع الضعف.

نرى أن الرئيس جلال الطالباني يجسد سياسة القدر المكشوف وهذا يفسر لحد ما تهافت سياسة الولايات المتحدة وتعاونها معه وإعتماد توقيت تشكيل الحكومة على العوامل الخارجية، لكن هذه الظاهرة ليست صحية وتؤدي الى تعطيل القرارات المهمة لأنها تتطلب إتفاق أطراف لا تهمها المصلحة الداخلية. ما نريده هو تغطية القدر وإعتماد التوقيت الداخلي بما يحقق مصلحة وأمان الناخب.

The End

المقاييس السياسية بين الدين والعلمانية

February 6th, 2011

السياسة والدين موضوع متشابك و يثير الكثير من الجدل هذه الأيام وقد تناوله الكثير من الكتاب والسياسيين والدعاة ولكن قلما يتطرق له أحد من زاوية علمية مجردة. وقد قرأت مقالة لمُنظر سياسي يخاطب زملائه من حزب الدعوة ويكتب تحت أسم أبو محمد بعنوان: لماذا أصبح إخواننا علمانيين، ويبدو أنها قد نشرت أوائل تشرين الأول أكتوبر 2010 . المقالة جيدة وذات معنى وتعكس هموم الكاتب من الفساد وعدم المحاسبة من قبل الجهات الحكومية، وهي بذالك حالة نادرة تستحق التقدير لصدورها من جهة قريبة من حزب السلطة وتعاملها مع هموم عامة بموضوعية وليس بأسلوب التملص أو ملامة جهات المعارضة، أو بتجريد الكلام من معانيه كما يحصل بأكثر مما يجب على الساحة العراقية.

يقول الكاتب ” استفادت فكرة العلمانية من ثغرة ..وهي غبش الرؤية لبعض القاديين..الذين فهموا خطأ فكر الدعوة القائل أن موقف الدعوة من الأحداث يقوم على أربعة اركان: 1-الحكم الشرعي 2- مصلحة الأمة 3- مصلحة الدعوة 4- الظروف والأحوال. وتصوروا (أي القياديون) ان هذه الأسس الاربعة بدائل يتنقل الداعية بينها ليختار منها ما يناسبه! ان خطا .. االقيادي ينبع من عدم فهمه ان هذه النقاط الاربع ليست بدائل يقفز من احدها الى الاخر عندما لا يعجبه واحد منها، بل هي دوائر متداخلة ملزمة على نحو التسلسل، أي اننا في تحديدنا لموقفنا من أي حدث ننظر اولا الى الحكم الشرعي لنلتزم به. “

واضح مما سبق أن الأستاذ أبو محمد يرى الأركان الأربعة كدوائر متداخلة أو مرشحات (فلاتر) ترتقي كميا لتلتقط الموقف المناسب في الوقت المناسب، أي أن الأركان الأربعة تختلف كميا، في حين أن القياديون يرونها تختلف نوعيا ولهم أن يختاروا إيا منها لما يناسب الموقف. ولتبسيط الفهم لدرجة أبعد نرى أن الأول يرى تحديد المواقف السياسية للدعوة كمرور الحبوب من فتحات المرشح (المنخل)، أوسعها هو الركن الشرعي ثم تتصاغر الفتحات فإن لم تتحدد مما سبق فلابد أن تحددها في الآخر إعتبارات الظروف والأحوال. وفي المقابل يرى القياديون إن كانت الشريعة تحدد المواقف عن طريق فصل الأحجام فأن مصلحة الأمة تفصل بين ألوان الحبوب ومصلحة الدعوة تفصل مثلا بناء على طعمها وهكذا..
رؤيتي المتواضعة ترى الشريعة الإسلامية وجميع المقاييس الدينية على وجه العموم بأنها تختلف نوعا وكما عما سواها من أركان تعتمد المصالح والظروف الوقتية. فالشريعة الإسلامية هي مجموعة من نحو 47 نصا قرآنيا تحدد الحلال من الحرام، وهي من الثوابت وهذا جزء من مسببات قدسيتها. والنصوص مقارنة بالعوامل الأكثر عددا التي تحدد مصلحة الأمة والدعوة وحتى بالنسبة للظروف والأحوال وهي ليست بنفس المقاييس، لذا لا يمكن شغل تنظيمات واسعة على مستوى معاصر بتحقيق الشريعة ولا مفر من أن ينتهي بها الحال بأساليب وممارسات أستبدادية وقمعية أقل ما يمكن القول عنها بأنها مضيعة للوقت ومسببة لعدم الإستقرار.

أما الإختلاف النوعي فأقول أن المفاضلة بين خيرين والمماثلة بين شرين ليسا من اختصاص الشريعة كما هو ليس من إختصاص أي مجموعة من القوانين والقواعد الأخلاقية والدينية، فالمفاضلة تخضع دائما لعوامل وقتية ومتغيرات متعددة، في حين أن السياسة تنتقي أساسا الفروق والإختلافات بين البدائل الوقتية وتحدد الأولويات في الإنفاق وتوقيت القرارات. ناهيك عن الإعتبارات العملية في الممارسات الدينية وأختلافاتها النوعية عن مجالات السياسة التي تحتوي الكثير من الإنتهازية والكذب والمراوغة وهذه جميعها من عوامل البقاء في السياسة لكنها ليست ولا ينبغي أن تكون من المسموحات في الشريعة.

نرى أن الشريعة ومصلحة الأمة تختلفان نوعيا ولا يمكن للشريعة أن تتوصل لموقف سياسي بدون الرجوع الى المصلحة العامة، أما مصلحة الدعوة والظروف والأحوال بأن مجرد الأشارة لهما في أتخاذ القرارات السياسية هو إقرار بالذنب و خطأ سياسي فادح، فلا مجال لمصلحة الحزب في الدولة، أما الذي يسمح للظروف والأحوال بالتأثير على القرارات والمواقف السياسية فعليه ترك السياسة التي تعني بالمشاكل والمطالب العامة والتفرغ للعناية بمصالحه الخاصة والشخصية!

ومن أبسط ما يصور إقحام الدين بالسياسة في مشكلة تفسير الدوائر المتداخلة والبادئة بالشريعة هو تعريف الأمة في الركن التالي وهو مصلحة الأمة، فلو إعتمدنا الشريعة بالتعريف سنجد أن “الأمة” لا تحتوي على جميع مكونات الدولة، وإعتماد مصلحتها لا يحتوي على مصالح من لا يتفق مع اصحاب الدعوة. لذا نرى أن الفصل بين الدين والسياسة هو الركن المعتمد حفاظا على الدين أولا والسياسة ممثلة بالمصلحة العامة ثانيا.

The End

من ذكريات مصر.. لو كانت الانتخابات سليمة

January 30th, 2011

أعادت أحداث مصر ذكريات أليمة من فترة معيشتي هناك والتي دامت 13 سنة. فقد أمضيت أسبوعان في معتقل القلعة السيئ الصيت في عام 1986 استعدادا لترحيلي لبغداد التي لم أزرها منذ عشرون عاما في حينها نتيجة لقرير من (مجهول) في السفارة العراقية. الأحداث التي أدت إلى وضعي هذا متشابكة لكنها تحتوي على تعاون مصلحي بين المباحث المصرية والعراقية آنذاك، وقد شعرت وكأني كرة الطائرة بين الاثنين: واحد يرفع وواحد يكبس. لم أكن أول الضحايا ولا آخرها على ما أعتقد لكني نجحت بما لم يتمكن عليه غيري، فقد تمكنت بمساعدة أصدقائي من ذوي الشهامة من كسب الدعاوى القضائية وتجنبت الترحيل القسري لسجن صدام والبقاء في مصر والتمديد لإقامتي لعام ونصف، ولكني لم أتمكن من رفع اسمي من قائمة المنع من دخول مصر والذي لا يمكن رفعه إلا بتعليمات مباشرة من رئاسة الجمهورية رغم أني كنت مقيما بصورة قانونية. ولأني كنت أعلم بأنني لن أتمكن من الرجوع لو سافرت للخارج فقد سعيت للحصول على الهجرة لكندا وهاجرت عام 1988.

لنعود إلى الموضوع الأساسي، فقد جرت الانتخابات العامة في مصر في 28 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، أي منذ شهرين، وما يستحق الذكر بهذا الخصوص موقف جمال مبارك الذي رفض المراقبة الأممية بشدة ومقولة عبد المنعم سيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام وعضو لجنة السياسات للحزب الحاكم بما معناه لن نتنازل عن الحكم حتى لو اضطررنا لتزوير الانتخابات.

والسؤال البديهي هو لو كانت الانتخابات سليمة هل كانت ستحدث هذه الانتفاضة الشعبية؟ لا أعتقد ذلك.

أن النظم الاستبدادية في الشرق الأوسط ومسانديهم الغربيين يسعون لتحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة عن طريق التزوير أو التحكم في نتائج الانتخابات، متجاهلين حقيقة أن تزوير الانتخابات تفقد مصداقية الديمقراطية وتعطي المبرر للأنظمة الشمولية الأخرى مثل إيران وكوريا الشمالية لعمل الشيء نفسه، والأهم من هذا توضح أن ساسة الدول الديمقراطية الراسخة لا يفهمون شيئا أساسيا عن العملية وهو أن الانتخابات عملية تصحيح مستمرة وليست نتيجة بحد ذاتها. أن فشل الخصوم السياسيين في الانتخابات هو انتصار إذا كانت الانتخابات سليمة لكنه خسارة إذا جاء بالتزوير لكن نتائجه مؤجلة بعض الشيء.

The End

More American than the President

January 16th, 2011

In a full article titled Man of War in the Jan. 10-17 issue of Newsweek magazine, Stephen L. Carter compared the war records of presidents George W. Bush and Barack Obama and found a lot of similarity; Obama “Sacrifice(d) idealism for pragmatism in pursuit of his primary duty of keeping the nation safe.” because as president he had to “pick from among several unappealing ways to defend the nation”. Mr. Carter goes on to condemn the motivation behind the criticism against Bush, and now Obama, as the simplicity of the “hater” which makes him/her see the world differently from the complex reality in front of presidents. And for that reason, Obama “largely adopted Bush’s approach to Iraq” and “In the end, the administration even adopted parts of the Bush doctrine..to fight our enemies overseas, eliminating them where possible, rather than wait to be attacked.”
The argument of moving the fight against terror to locations outside the US is an old one, it provides the feel-good fig leaf to some Neocon minds for the invasion of Iraq, but the reasoning falls short to explain the multiple failure of the political process in post-invasion Iraq.
While the suggestion of clever GWB policy makes me chuckle, the analysis of Mr. Carter contains enough substance to make it worthwhile for a response. In a nutshell, the analysis suggests that the office of the presidency brings with it a unique American sense of reality (epistemology) which is too complicated for the haters to grasp, or the cognition of the haters is not up to the office of the presidency, whether it was Bush or Obama.
It is not the insult to the intelligence of GWB’s haters that needs addressing, it is the implicit suggestion that the presidency’s sense of reality is the pinnacle of patriotism that calls for re-examination. Preventive interventionism often depends on the judgment of regional US allies, and the relevant doctrine is the adoption of the allies’ position vis a vis regional threats. The ally’s sense of reality comes with the adoption of his position, so that the ally’s sense of reality over-rides poorly defined US policy. The continuation of GWB policies in Iraq can be seen as a continuation of ally piggybacking on the US presidency’s sense of isolationist reality, which contrasts with the promised multilateralism and sharing risks and responsibilities with the international community.
The US allies are not always successful in imposing their sense of reality over the US’s; the events of the recent ME peace talks is an example, where Israel offered token freezing of building expansion in Palestinian land in return for a large military assistance pack with implicit support for Israeli action against Iran’s nuclear installations. The Obama administration acted independently of the Israeli sense of reality and walked out of the deal. To my mind, the haters and this action is more American than the continuation of ally sense of reality lauded by Mr. Carter.

The End

الموقف الأمريكي المقترح المعاكس للهجوم على ايران – بإختصار

December 26th, 2010

تستطيع أن تدمر المباني بالقنابل لكنك لا تستطيع أن تقذف الكراهية ولا المعرفة العلمية بالقنابل.. هكذا لخصت مقالة جوناثان كاي تحت عنوان “الموقف المعاكس لقذف إيران” والمنشورة في صحيفة الناشيونال بوست الكندية في 17 كانون الثاني 2010. والمقالة تصف محاضرة القاها خبير الشؤون الايرانية الأمريكي كين بولاك أمام مؤتمر لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن أوائل كانون الثاني.

تمضي المقالة فتصف المشابهة بين الهجوم الإسرائيلي على مفاعل الأوزيراك قرب بغداد وبين الهجوم المحتمل على ايران بأنه لن ينجح لأن ما أدى له هذا الهجوم هو زيادة عزم صدام على مضاعفة برامجه لتطوير أسلحة الدمار الشامل في ذلك الحين، بما فيها ثلاث برامج تستطيع أن تؤدي أي منها الى إنتاج القنبلة الذرية، لكن ما أدى الى توقف هذه البرامج هو هجوم الأمريكان في عملية عاصفة الصحراء حسب رأي بولاك. وكان إتجاه بولاك معاكسا لبقية المؤتمر الذي أكد المساهمون فيه على أهمية وأولوية الهجوم . فقد أكد عضو المؤسسة ريل جيركت على أن إمكانية أيران على ضرب المصالح الأمريكية مبالغ فيها ولا يتوقع أن يثور الرأي العام العربي إذا ما ضربت ايران، لكن التداعيات الخطيرة ستتم داخل ايران حيث يتوقع جيريكت أن يتم تصفية المعارضة بذريعة العمالة لأمريكا بحيث يقضى على أي إحتمالات تغيير الحكومة من الداخل.

وأكد بولاك على طموحات ايران التوسعية وموقعها العالمي المرجو لبعض قادتها في مواجهة أمريكا كقوة عظمى وليس مجرد قوة إقليمية على طراز كوريا الشمالية.

وقال بولاك أن الهجوم على ايران قد يؤدي الى إنسحاب أوربا وروسيا والصين من تفعيل العقوبات الصارمة وإنسحاب ايران من معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة النووية و يضيف بأن التشبيه الذي ينبغي إستعماله هو بين ايران وجنوب افريقيا العنصرية، بواسطة فضح الممارسات القمعية ومساعدة المعارضة الديمقراطية والتي هي ذاتها تطالب بعدم الهجوم العسكري على ايران ومتابعة الحصار السلمي، لكن المعارضة السلمية والملتزمة بالقيم الأخلاقية لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تعكس الحقائق العسكرية على الأرض حسب مقولة بولاك، لذا يجب أن يكون البديل العسكري جاهزا في أي وقت في حال لو جازفت ايران بالمبادرة بالهجوم .

The End

دكتاتورية قرارات الإجماع

December 19th, 2010

كثرت هذه الأيام الأنباء عن مطالبات تؤيد الإقرار بالإجماع أو بأكثرية إعتباطية كثمانون بالمئة أو 75% أو ما شابه. ولحسن حظ العملية السياسية لم تقر مثل هذه المطالبات وبقيت على الأكثر على أجندات النقاش فحسب.

أن قرارات الإجماع ليست مستحيلة ويوجد بعض الأمثلة التي تبرر وجودها مثل قرارات المحلفين الذين يطلب منهم التصويت على مذنب بالقتل ويؤدي قرارهم الى الإعدام. والقرارات القريبة من الإطلاق أو نسبة 99% من الأصوات ليست بعيدة عن بلادنا، فنرى أن الرؤساء عندنا تزعجهم المعارضة بحيث لا يسمحوا بأكثر من 1% عند التصويت على مناصبهم، وطلب قرارات الإجماع ما هو إلا ظاهرة الرجوع الى عقلية الدكتاتورية وعدم الإكتفاء بما يمليه واقع التعددية وتقبل معارضة المواطنين الآخرين الذين يستمتعوا بنفس قدر المواطنة للقائد.

نستطيع تفهم المبررات التي تتطلب إجماع المحلفين لأحكام الإعدام، فالأفضل أن يحكم المذنب بالبرائه ولا البريء بالإعدام الذي لا رجعة منه، فالمذنب الحر قد يقترف جرما آخر يؤدي الى محاكمته من جديد وقد تظهر دلائل جديدة تبرر إعادة النظر في حكم برائته لكن البريء المعدوم ظلما فقد حياته ولن يسترجعها. والموت مطلق في الزمان والدكتاتورية مطلقة في المكان وكلاهما لن يسمح بالجزئيات، لكن مالذي يدفع المطالبين بالمناصب الوزارية لإضفاء نفس المقاييس على ما يعتقدونه بأنه مستحقاتهم الأبدية؟ وهل هو إستحقاق أم مسؤولية؟ وما صلة قرارات مجلس السياسات بشروط الإجماع؟ يبدو لي بأن المطالبين بقرارات الإجماع لهم هدف الإستبداد وتعطيل العملية السياسية لخدمة أغراضهم بالصيد في الماء العكر.

The End

لو كانت الإنتخابات نظيفة..على هامش تسريبات ويكيليكس

December 11th, 2010

قرأنا من تسريبات ويكيليكس أن الأمريكان يعتقدون بأن القوى الإقليمية قد دفعت مئات الملايين من الدولارات من أجل دفع نتائج الإنتخابات لصالحها، والأمر هكذا لا يعدو كونه مجرد إستثمار ولولم يكن الإستثمار مضمونا لما دفعت هذه البلدان المبالغ الطائلة. والسؤال البديهي هو: لماذا لا تستثمر أموال خارجية متناسبة في إنتخابات الدول الأخرى؟ لا شك أن هنالك أموال خارجية تدفع للوبي في إنتخابات الولايات المتحدة وغيرها ولكنها بنسب تافهة إذا ما قورنت بالمصاريف المحلية، وكما نعلم فأن رأس المال جبان. لذا نعتقد بأن الفرق بين إنتخابات العراق وغيرها هو يقين المستثمرين بأنها ليست نظيفة وقابلة للتلاعب، فالإنتخابات النظيفة غير مضمونة النتائج وهذه طبيعة الديمقراطية ولا فائدة من الإنفاق الواسع بدون ضمانات.

لو كانت الإنتخابات نظيفة وشفافة 100% وعلى المدى البعيد لما كان هنالك خوف من التدخلات الخارجية، بل ولا هنالك داع للتقييد والقوانين الصارمة ولكان يكفي كشف مصادر التمويل لكي يحاسب الناخب مرشحيه بالإعراض أو التأييد يوم الأنتخاب.

كما هو الحال في تناقص العائد الإقتصادي مع الإنفاق المتزايد، لابد أن يصل إنفاق دول الجوار على إنتخابات العراق الى قمته ويبدأ في إنحداره. أنني أعتقد أن قمة العائد تنحسر مع نظافة الإنتخابات، أن تدويل الإنتخابات يعني شيئا مهما وهو تخفيض الحد الأقصى للمردود المتناقص للتدخلات الأجنبية بحيث أن أي زيادة في التدخلات سوف لن تؤدي الى زيادة العائد او ضمان نتائجه، وأن المسؤول الرئيسي للدعوة الى تدويل الأنتخابات هو الولايات المتحدة وعليها تقع مسؤولية مشاركة المجتمع الدولي في ضمان نظافة الإنتخابات.

The End

إستراتيجية الضياع

December 4th, 2010

كنت في رحلة خاصة الى عمان وعدت وفي خاطري بعض الأخبار التي قد يوصفها البعض بالشائعات ولكنها برأيي أكثر من ذلك. فقد قيل أن بعض الدول العربية رفضت إستقبال مبعوثين من الحكومة العراقية في إشارة الى عدم إرتياحهم منها، وتبع ذلك أنباء عن إحالة المئات من موظفي المخابرات ذوي الميول العروبية الى التقاعد. وما يعطي هذه الأخبار بعض المصداقية هو عدم قابليتها السهلة للنفي، فكليهما متعدد الجوانب، أي إذا نفت الحكومة حصولهما فهنالك أطراف عديدة ذات مصداقية تستطيع أن تفند النفي.

ولا اريد أن أناقش الدوافع التي أدت الى إحالة هذا الكم الكبير من الأوساط المخابراتية الى التقاعد في الوقت الذي يعاني فية العراق من هجمات إرهابية شرسة، ولا أود أن أدخل في التفاصيل الدقيقة والفروق بين العروبيين والمختصين بالتعامل مع التهديدات الإرهابية النابعة من دول عربية، فالعروبيين هم بالضرورة أكثر قابلية من غيرهم على التعامل مع العرب. لكني أشبه هذا العمل وكأنه إلغاء القسم الأمريكي في المخابرات السوفيتية في قمة الحرب الباردة. ففي سياق الإستراتيجية الأمنية يبدو هذا العمل إنفعالي متسرع وإنتقامي بل وكارثي على الجهود الرامية الى محاربة الإرهاب بالوسائل المخابراتية، وهي الوسائل الأكثر نجاحا والأقل تكلفة في صد الهجمات قبل حصولها.

يبدو أن القرارات الأمنية الخطيرة التي تتخذها الحكومة العراقية تخضع لإعتبارات وقتية ومتغيرات شخصية بدل أن تكون كما يجب جزء من أستراتيجية مدروسة بعيدة المدى، وهذه هي أستراتيجية الضياع.

The End