دكتاتورية قرارات الإجماع

كثرت هذه الأيام الأنباء عن مطالبات تؤيد الإقرار بالإجماع أو بأكثرية إعتباطية كثمانون بالمئة أو 75% أو ما شابه. ولحسن حظ العملية السياسية لم تقر مثل هذه المطالبات وبقيت على الأكثر على أجندات النقاش فحسب.

أن قرارات الإجماع ليست مستحيلة ويوجد بعض الأمثلة التي تبرر وجودها مثل قرارات المحلفين الذين يطلب منهم التصويت على مذنب بالقتل ويؤدي قرارهم الى الإعدام. والقرارات القريبة من الإطلاق أو نسبة 99% من الأصوات ليست بعيدة عن بلادنا، فنرى أن الرؤساء عندنا تزعجهم المعارضة بحيث لا يسمحوا بأكثر من 1% عند التصويت على مناصبهم، وطلب قرارات الإجماع ما هو إلا ظاهرة الرجوع الى عقلية الدكتاتورية وعدم الإكتفاء بما يمليه واقع التعددية وتقبل معارضة المواطنين الآخرين الذين يستمتعوا بنفس قدر المواطنة للقائد.

نستطيع تفهم المبررات التي تتطلب إجماع المحلفين لأحكام الإعدام، فالأفضل أن يحكم المذنب بالبرائه ولا البريء بالإعدام الذي لا رجعة منه، فالمذنب الحر قد يقترف جرما آخر يؤدي الى محاكمته من جديد وقد تظهر دلائل جديدة تبرر إعادة النظر في حكم برائته لكن البريء المعدوم ظلما فقد حياته ولن يسترجعها. والموت مطلق في الزمان والدكتاتورية مطلقة في المكان وكلاهما لن يسمح بالجزئيات، لكن مالذي يدفع المطالبين بالمناصب الوزارية لإضفاء نفس المقاييس على ما يعتقدونه بأنه مستحقاتهم الأبدية؟ وهل هو إستحقاق أم مسؤولية؟ وما صلة قرارات مجلس السياسات بشروط الإجماع؟ يبدو لي بأن المطالبين بقرارات الإجماع لهم هدف الإستبداد وتعطيل العملية السياسية لخدمة أغراضهم بالصيد في الماء العكر.

Comments are closed.