ماذا بعد إقرار قانون الانتخابات ؟

أقر البرلمان العراقي اليوم نسخة معدلة جديدة من قانون الانتخابات الجديد وذلك بعد مفاوضات مكثفة كما قيل في وسائل الإعلام بين الأحزاب الكردية الكبرى والأمم المتحدة من ناحية و نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ورئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور أياد علاوي من ناحية أخرى. هذا الاصطفاف الجديد له دلالاته التي سوف أحاول استقرائها فيما يلي. فقد أظهر بعض السياسيين والكتاب العراقيين امتعاضهم وتهجماتهم على الاعتراض الأول لنائب الرئيس طارق الهاشمي على قانون الانتخابات الجديد وهدد البعض بالويل والثبور إذا ما تبعه بالاعتراض الثاني، ولا ريب أن الجميع متلهف على إجراء الانتخابات في موعدها وينظر لأي تأخير وكأنه مؤامرة وتسويف لكن الأمر يتجاوز الانطباعات السطحية ومجرد أعادة توزيع الدوائر والتمثيل العادل للمهاجرين والمهجرين. يقبع وراء الأحداث مبدأ دستوري مهم وهو مبدأ المراجعة القانونية الذي تحتفظ به المحكمة الاتحادية العليا العراقية التي أصدرت حكما مهما في 26 أبريل نيسان 2007 مفاده أن قانون الانتخابات لعام 2005 قد أصبح غير دستوريا وذلك لأنه أعتمد على سجلات الناخبين الطوعية لذلك العام في توزيع مقاعد البرلمان والاستحقاقات المالية بدل بيانات تعداد السكان الحقيقية التي يعتمدها الدستور. وأهمية هذا الحكم ليست حصرا في اعتماد قاعدة التعداد الحقيقية ولكن في أولوية هذا الحكم فوق جميع القرارات السياسية الأخرى، حيث لا يجوز تعديه في البرلمان ولا الحكومة أو مجلس الرئاسة. حيث أن مبدأ مراجعة القوانين من اختصاص المحكمة العليا وهنالك سابقة شهيرة في رئيس المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية في أوائل القرن التاسع عشر جون مارشال الذي أرسى مبدأ مراجعة القوانين وأنتصر على مواقف ثلاث رؤساء أمريكان لم يتفقوا معه على هذا المبدأ. أعود إلى اصطفاف الهاشمي وعلاوي أمام الأكراد والأمم المتحدة (يونامي)، فالمفارقة الغريبة هنا أن الذين كانوا يدافعون عن حرفية الدستور (الحزبين الكرديين) قد أصبحوا يحاولون الالتفاف حوله والذين أرادوا تعديله (الهاشمي وعلاوي) قد أصبحوا يدافعون عنه. أما الأمم المتحدة وبالذات اليونامي فقد أصبحت تتباعد عن الحياد وتدخل في المفاوضات بمواقف مسبقة.

ما الذي ننتظره الآن من العملية السياسية؟ الاعتماد على بيانات تعداد السكان والانفصال نهائيا عن الاعتماد على جداول الناخبين السابقة وأجراء التعداد الجديد تحت إشراف الأمم المتحدة بحيث لا يكون مجالا لضياع البيانات أو حصرها على جهة دون الأخرى لأسباب سياسية.

Comments are closed.