الإنتخابات خمسون عاما بعد 14 تموز
تمر علينا هذه الأيام ذكرى إنقضاء نصف قرن على ثورة أو إنقلاب 14 تموز، وعلينا أن نعترف شئنا أم أبينا بأنها كانت الإثنان معا، أي أنها كانت ثورة وأيضا إنقلاب فالواحدة لا تستثني الأخرى. وعلينا أن نبحث عما حصل خلال هذه الفترة التاريخية من أخطاء ومآسي علنا نستفاد بعض الشيئ ونتجنب تكرارها.
لقد أظهرت أحداث هذا اليوم وما تلاه مباشرة جوانب القساوة والإندفاع المفرط الذي نتفاخر به ونعتبره فيما بيننا بأنه شجاعة ورجولة وشرف ومن لم يجرؤ على إظهار قوته وإستبداده وقت الشدائد فهو جبان وخنيث وناقص شرف، ونسرع في الرجوع لبيت الشعر عن هند وإستبدادها وكأنه لم يكن حكمة في الكون تناسب ذوي السلطة والجاه إلا إظهار الإستبداد وإستنكار المعارضة وقمع كل ذي رأي لا يتفق مع رأيهم.
وتوالت الإنقلابات والدكتاتوريات وفي كل عهد يندفع المؤيدون في مغالاتهم وأستبدادهم وكأن دولتهم سوف تكون هي الدائمة أما من سبقهم فهم ذلة أغبياء لم يعرفوا كيف يستبيحوا حرمات الأبرياء و يستبدوا ولسان حالهم يقول كما في اللهجة المصرية: اللي إختشوا ماتوا. إننا مندفعون حدّيون.. وقتيون وإنتهازيون وحين نستأثر بالسلطة نتخيل أن بإمكاننا الإحتفاض بها كما لو كانت هبه من الله ومن واجبنا أن نستورثها لأبنائنا من بعدنا.
لسنا ضد الإستبداد في حد ذاته إذا كان مؤقتا، بل أن شيئا من الإستبداد ضروري للإستقرار والأمن ولا يخفى عن أحد أن جميع من تقلد زمام الأمور في العراق في العصر الحديث قد إستبد، لكن علينا أن نعي درس التاريخ من تعاقب السلطة بواسطة الإنقلابات و تزوير إرادة الشعب، فالآن يتوقع الكثيرون أن يسود التزوير إنتخابات الإدارة المحلية المتوقعة في أكتوبر القادم ولا شئ يحفز ذوي السلطة لإتخاذ اللازم وكأن التزوير أصبح كالفساد موضوع ثانوي و واقع ثابت ووجع راس مقبول مقارنة مع البلاوي الأكبر مثل فقدان الأمن والخدمات والمرافق، في حين أن واقع الحال يقول أن التزوير يختلف جذريا عن المآسي الأخرى فهو عملية أساسية في إعطاء الشرعية لإستمرار الوضع القائم من إستبداد وفساد ونواقص وتوريث السلطة ولتغطية العيوب والتجاوزات، لذلك نحن هنا نقول لا ينبغي أن يوضع التزوير في نفس الأولويات للأمور الأخرى. وضمان نزاهة الأنتخابات هو من أهمية التعبير عن إرادة الشعب والتواني عنها هو تنازل عن شرعية النتائج، والأجدى أن يأتي الأشراف عليها من جهة محايدة كالأمم المتحدة، ولا يعني هذا كما يتوهم البعض التنازل عن سيادة العراق والسماح للجان دولية فاسدة بإدارة الدولة والتصرف بمواردها، بل لا يتعدى الأشراف لبضعة أسابيع من بداية الحملات الإنتخابية لحين إعلان النتائج.
أن تحقيق نزاهة الإنتخابات يتطلب خروج الإحتلال من جزء أساسي من العملية السياسية ودعوة الأمم المتحدة للقيام بدورها في تعداد السكان والإنتخابات، وهذا يتطلب وحدة الصف بين الفرقاء العراقيين والتصرف لمصلحة الوطن والمواطن، لكن بعد خمسون سنة من الإستبداد لا نزال نتصرف بعقلية الإنقلابات وتوريث الحكم.