Relative Freedom: A New Vision for an Old Reality

February 10th, 2016

A few weeks ago I went to a well-known weekly meeting of retired Iraqi gentlemen in Amman, Jordan. The speaker was a past chief editor of a national daily newspaper; his talk was about the future of Iraqi politics and how so many commentators long for the past and wish for a return to this leader or that era instead of thinking about the future. His thesis was that past scenarios are impossible to re-play because the many circumstances which led to their existence in the first place could not possibly re-occur simultaneously. Then he spoke about the information revolution and the explosive popularity of the internet and social media and how they revolutionized social reality, and admitted it could affect the political scene but did not elaborate on how.

I made my position known about the subject; the internet opened the political scene to everyone and to all ideas without the possibility of exclusions like before. And when I explained that this means we cannot close the door on the ideas of ISIS as well as all other extremist ideologies, and that we can only punish the criminals for their crimes but we can’t criminalize the rest for associating with extremists or defending their ideologies the speaker and some others did not agree.

It seemed to me that the meeting tolerated the crimes of other terrorists, corrupt politicians and foreign backed militias but the exclusion was saved only for ISIS sympathizers. At the end of the meeting, the convener summed up his understanding of the idea, that a high degree of understanding and respect of human rights will be required in order for the idea to work, the kind of which you will find only in a liberal society such as Germany but not in perturbed Iraq.

I lived in the west long enough to observe many people practising prejudice and incriminating by association, but I rarely met anyone among Iraqis who didn’t judge the others by association, even among activists and legal experts who should really know better that guilt should follow actions, not association or intention or faith.

However, my expectations for the future were not based on moral or legal arguments, the kind of which may not find acceptance in present day Iraq, but on a historical observation of societal development. Iraq was the cradle for a number of religions and sub-cultures, many survived till recently, we don’t need western theorization to understand the principle of “Do not curse the god you don’t believe in”. The practitioners of disparate religions were safe in their birth place among other believers; my vision is to extend past reality to the practice of politics in the towns and villages with sympathetic majorities without over-spilling to neighbouring groups.

Do not curse the god you don't believe in.

I am calling for relativity in defining what constitutes freedom of expression, where individuals enjoy full expression in their own territories according to local by-laws supported and protected by elected councils, not practising the same freedoms by all in every part of the country. And when I suggest ISIS defenders should have freedom of expression I am not suggesting the local police force should protect them while they spew their poison in Karbala for example, but in a hypothetical town where the elected council allows for such expressions and be responsible to defend those individuals. Relative freedom of expression should not be limited to ISIS and its defenders but includes all existing diversity of political directions and new introductions with a minimum of population and geographical areas, including those who defend Wilayet Al Faqieh, Marxists, atheists..etc.. Some may see this as a kind of federalism or decentralization or tribalism, as it may well be, but there can be no denial that it was part of the historical reality in Iraq as is evident by the continuous existence of religious and social diversity until recently. Others may object and wonder about the fate of cross-boundary aggressors; acts that are considered provocation in one sphere may not be so in another, local courts should be able to handle the differences.

There is an economic and administrative necessity to the notion of relative freedom of expression: Exclusions demand justification and security costs which only dictatorships can afford to pay, this means suppression of opposition can only be effective in the short term, with increasingly shorter term thanks to the information revolution and the breakdown of borders and controls over the spread of ideas from within and outside world societies.

The End

الحرية النسبية: رؤية جديدة لواقع قديم

February 10th, 2016

كنت منذ بضعة أسابيع في جلسة معروفة لمتقاعدين عراقيين في عمان وكان المتحدث رئيس تحرير سابق لصحيفة يومية عراقية، كان موضوع حديثه مستقبل الواقع السياسي في العراق وكانت أطروحته أنه من المستحيل إستعادة أي من الأنظمة السابقة التي خلقتها الظروف المعاصرة لها والتي لا يمكن أن تحصل مجتمعة في وقت لاحق. ثم تحدث عن ثورة الأتصالات والتي من الممكن أن تؤثر على مجريات الأمور السياسية بعد أن قلبت الواقع الأجتماعي رأساً على عقب,.

تساؤلاتي عن الموضوع كانت حول تأثير الإنترنت في جعل الساحة السياسية متساوية أمام التيارات المتعارضة ومفتوحة أمام جميع الأفكار بحيث لن يتمكن نظام الحكم من إستبعاد المعارضة كما كان الحال في السابق. وحينما فسرت هذه الفكرة بأننا لن نتمكن من إستبعاد الأفكار الداعشية إسوة بجميع الأفكار المتطرفة الأخرى وبأن المجرمين من الدواعش ومن غيرهم يحاسبون على جرائمهم فقط ولن يمكن إدانة الباقين لمجرد الإنتماء رفض المتحدث وبعض الحضور هذه الفكرة.

بدا لي بأن الجمع قد قبل ضمنا بالصمت عن المجرمين المنتمين لأتجاهات أخرى لكن الإستثناء والإستبعاد لم يشمل سوى الدواعش.

وفي نهاية الجلسة عبر أحد الأساتذة المحترمين عن خلاصة الفكرة كما بدت له بأنها تتطلب درجة عالية من التطور الأجتماعي وإحترام حقوق الأنسان والذي ليس له مثيل إلا في بلد متقدم كألمانيا لذلك فهو لا يصلح لبيئة مثل العراق.

أن ظاهرة التجريم بالأنتماء تنتشر بين الأفراد في جميع المجتمعات لكنها مقبولة بشكل أوسع في العراق وحتى بين النشطاء والحقوقيين الذين هم من باب أولى أن يكونوا على وعي بمبادئ حقوق الأنسان وعمل القوالنين الأساسية التي تجرم على الأفعال وليس على الأفكار والنوايا والإنتساب.

لكن توقعاتي لا تعتمد على المفاهيم الأخلاقية الحديثة التي قد لا تجد من يتقبلها في المجتمع العراقي المضطرب وإنما على ملاحظة واقعية لتاريخ منطقتنا. فالعراق الذي كان المهد الأساسي للعديد من الأديان منذ آلاف السنين لا يحتاج لتنظير غربي لنظام الفيدرالية من أجل أن يفهم مبدأ “لا تشتم إلهاً لا تعبده”، وأن ممارسةالعقائد الدينية التي كانت آمنة في أماكن تواجدها وبين من يؤمنون بها يمكنها أن تشمل الممارسات السياسية في القرى والمدن ذات الغالبية المتعاطفة مع أفكارهم وبدون أن تفرض أفكارهم على مناطق الآخرين.

لا تشتم إلهاً لا تعبده

أن ما أدعو له هو حرية التعبير النسبية، أي أن الأفراد يتمتعون بحرية التعبير حسب مناطقهم وليس في جميع أنحاء الوطن بمقاييس موحدة، وحينما أتوقع حرية التعبير لداعشي لا أعني أن له الحق في نشر أفكاره المسمومة في مدينة كربلاء مثلاً، وإنما في مدينة إفتراضية يسمح مجلسها المنتخب بالتعبير عن هذه الآراء ويكون من يوظفه مسؤولاً عن حماية هؤلاء الأفراد، وحرية التعبير لا تخص الدواعش لوحدهم وإنما تشمل جميع الأتجاهات والمقدسات الموجودة أصلاً والإتجاهات الجديدة التي تتبناها مجموعات بحد أدنى من النفوس والمساحات، بما في ذلك من لا يشاركون غالبية المواطنين بالقيم والأخلاقيات، كالذين يتبنون مبادئ ولاية الفقيه والملحدين والمتطرفين من كل جانب. وقد يفهمها البعض بأنها نوع من الفيدرالية أو اللامركزية أو العشائرية، وقد تكون كذلك لكنه لا يمكن النكران بأنها الطريقة العراقية الأصيلة التي كانت متبعة عموماً وسائدة في أوقات السلام. وقد يعترض البعض الآخر ويتسائل عن مصير من يقوم بتدنيس المقدسات المحلية وهو من بلدة معادية، والرد هو في إحتساب العمل إستفزازاً وإجرامياً في محل حصولة.

مسألة حرية التعبير النسبية هي ذات ضرورة إقتصادية وواقعية:فإستبعاد المعارضة أصبح يكلف جهوداً إدارية وأمنية لا يستطيع دفعها إلا نظام دكتاتوري على الطريقة القديمة، مما يعني أن الإستبعاد لا يمكن أن يكون سوى حل قصير الأمد، وبأمد متزايد بالقصر مع إزدهار ثورة المعلومات وتلاشي الحدود أمام إنتقال الأفكار في داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات العالمية.

The End

المقاييس بين الدين والسياسة

January 4th, 2016

آبديت رأيَ في مقاييس الدين والسياسة هو أقرب الى الفكر الهندسي أو العلمي أمام مجموعة صغيرة من الأصدقاء فطلب مني الأخ العزيز أحمد اليزدي أن أكتب في هذا الموضوع، وهذه هي محصلة خواطري.

قد نالت مؤخراًً محاضرات الدكتورة الكويتية أسيل العوضي إهتمام مواقع النشاط الإجتماعي لمقارناتها بين المقاييس الأخلاقية والدينية والسياسية، حيث تناولت التناقضات بين الخطاب الشائع للأخلاق والسلوكيات الفردية التي تنحني دائماً لأعتبارات الفائدة الشخصية، والأخلاق هي دراسة معيارية لمقاييس الخير والشر والتعريف الأكاديمي لهده المقاييس هي مسببات الألم والعدالة وقواعد السلوك مثل تحديد الحقوق والواجبات و تحريم القتل والكذب، وهده مواضيع أما أن تكون محسوسة أو متفق عليها من خلال قوانين وضعية ومعايير واضحة. لكن المقاييس الدينية تحدد الأخلاق من خلال الرجوع إلى نصوص وإجتهادات دينية، وهذه وإن إتفقنا على صحتها لكنها تخضع لتفسيرات وفتاوى واسعة ومتناقضة في كثير من الأحيان، ولا يوفر الدين الوسائل التي تؤدي إلى حل هده التناقضات. الظاهرة التي تهمنا الآن هي تعدد الأحكام الدينية التي يمكن إعتبارها جميعاً صحيحة أو أمينة من وجهة نظر أصولية، ومقارنتها مع الأحكام السياسية التي يفترض أن تحكمها المنفعة العامة.

وفي قصة ذات علاقة سمعتها مند زمن بعيد، روى المحاضر الأنكليزي أن طلبته من المنتسبين لهيئة توليد الكهرباء لاحظوا أن قراءات الجهد كانت غير متطابقة تماماً رغم أن أجهزة القياس كانت قد خضعت لتوها لعملية المعايرة، وتسائلوا كيف تكون جميعها صحيحة رغم إختلافها؟ شرح المحاضر الفرق بين القراءة الدقيقة والقراءة الصحيحة. القراءة الدقيقة هي التي تتكرر بقيم متقاربة وقد يكون معدل القراءات بعيدا كل البعد عن القيمة الحقيقية للجهد الكهربائي، أما القراءة الصحيحة آو الأمينة فهي التي تنتشر بصورة متساوية حول القيمة الحقيقية للجهد، والعدادات لها مواصفات للدقة وللأمانة فإذا كانت القراءة في حدود الأمانة فهي صحيحة.

الأخلاق بشقيه الأجتماعي والديني هو مجموعة من المقاييس ذات الأمانة لكنها تفتقد الدقة، في حين أن السياسة إذا إعتمدت مبدأ المنفعة العامة فأنها تخضع لمقاييس دقيقة، لأن ما يحقق المصلحة العامة هو مسار ضيق من السياسات التي يحددها الحزب الحاكم الذي يتم إنتخابه نتيجة لطرح تلك السياسات وإكتساب التفويض الأنتخابي لتحقيقها. أن إخضاع السياسة للدين لا يمكن أن يضيف أي فائدة حقيقية أو يرفع من قياسات الدقة في السياسة، وأن السياسات الصائبة أي كانت وبغض النظر عن إختلافاتها سوف تجد ما يسندها بين الوفرة الوافرة للأحكام الدينية.

وفي ظل الأحداث الجسام في إنتشار دولة داعش التي تدعي الأصالة الدينية وإحتكارها لتفسير الأسلام لابد لنا من محاولة فهم ممارساتها الوحشية في إطاراتها الأخلاقية والسياسية، ‪وبالتحديد فأن الإستناد لأحكام الدين لتبرير جرائم القتل والأغتصاب والعبودية لا يعني أن الأسلام أمر بذلك في ذلك الوقت وتحت تلك الظروف وأن الأديان الأخرى سليمة من هذة الأحكام. ألم يستعمل هتلر رمز الصليب في علم دولته؟ ومنظمات التمييز العنصري والمافيا ورموز الصهيونية هذه جميعا إستعملت الرموز الدينية وتستند لتفسيرات دينية لتعدياتها. أن ظاهرة الأستناد للأحكام الدينية ليست خاصة بداعش ولا تستحق الأهتمام الزائد، وأن دوافع الذين يحاولون الربط بين الأسلام وبين جرائم داعش قد تكون سياسية. فالأحكام الأخلاقية المدينة لداعش لا تتأثر بإدعاءات وعقائد مرتكبي الجرائم، بل أن الظاهرة التي تستحق الأهتمام هي سياسية، وبالتحديد مالذي أدى إلى إنتشار الأفكار الداعشية بين مواطنين هم أصلاً غير متطرفين دينيا. ‬

هده حالة تمثل ما أشرنا له سابقا في أن الأحكام الدينية لا تضيف آي فائدة في فهم الأحكام السياسية وتقييم صوابها أو خطأها، وبالمقابل فأن تحميل الدين أوزار الأخطاء السياسية ليس له تبرير سوى الجهل أو قصد الأسائة المبني على إعتبارات سياسية.

The End

الحل في المزيد من الديمقراطية

December 24th, 2015

نحن في زمن قل فيه الحياء وفقدت الكلمات معانيها ولا يزال بعض المثقفين يقدمون الوصفات العلاجية بنزاهة الأنتخابات وكأن النزاهة عند الأحزاب الحاكمة تعني الشئ نفسه لديهم أو عند رجل الشارع.

فقد إجتمعت مؤخراً في بغداد مجموعة من الناشطين العراقيين ذوي النوايا الحسنة من أجل أيجاد صيغة مقبولة للتوافق بين فئات وطوائف هذا البلد الممزق، وكان اول إهتماماتها ينصب على تنقية الإنتخابات من الشوائب، حيث أتفقت على

تغيير مسار العملية السياسية من خلال عملية انتخابية نزيهة كاشفة عن توجهات الرأي العام العراقي، وتعتمد على قانون متفق عليه للاحزاب السياسية، وبانتخابات تجرى باشراف هيئة عراقية مستقلة ومختصة وبمشاركة الامم المتحدة وجامعة الدول على ان يكون اعضاء هيئة الانتخابات مستقلين استقلالا فعليا عن كل الاحزاب والمكونات السياسية

يبدو أنه قد غاب عن إنتباه السادة الناشطين أن الأمم المتحده وجامعة الدول العربيه كلتاهما قد شاركتا فعلا في جميع الانتخابات السابقة كما أن الأمم المتحدة قد شاركت في الإنتخابات الأيرانية والكردية. وكان هنالك هيئة عراقية مستقلة (بالأسم) ومختصة وبمشاركة الامم المتحدة.

لكن العتب على أعضاء هيئة الأنتخابات الذين لم يكونوا مستقلين “إستقلالاً فعلياً” عن الأحزاب والمكونات السياسية.. طبعا لأنهم كانوا مرشحين من قبل الأحزاب نفسها وإذا لم ترشحهم الأحزاب المنتخبة فمن لديه التفويض بترشيحهم؟

ما دعيت له في 2006 هو إشراف الأمم المتحدة المباشر وبتفويض أممي بخطوة يحتفظ فيها العراق بالسيادة ولا يفقدها بالإنتداب الكامل الذي دعى له البعض آنذاك. وتصوري أن تقوم الأمم المتحدة بتمويل وتعيين مشرفين على صناديق الأقتراع من الأجانب غير الملمين باللغة العربية ومن غير دول الجوار بحيث يكون إنتمائهم الطائفي للأغلبية في ناخبي مناطقهم، أي أن المناطق الجنوبية تكون تحت إشراف قوات آزرية وشيعية باكستانية أو هندية والمناطق الغربية والشمالية تحت إشراف قوات أندونيسية أو ماليزية أو باكستانية من السنة.

أزمة العراق الآن هي في إنتقاء الشرعية التي سوف يستند عليها النظام القادم: هل ستكون إمتداداً للعملية العرجاء الحالية المخترقة من دول الجوار أم للرجوع إلى الشرعية الثورية التي كانت سائدة في إنقلابات ما بعد العهد الملكي والتي جائت بالدكتاتور تلو الآخر؟ أم ستكون بفقدان السيادة بالأنتداب الكامل لفترة لا يعلمها إلا الله، أو بالأستعانة بالشرعية الدولية بتفويض محدود وتمويل دولي لعملية الأنتخابات؟

أنني مع الحل الأخير.

The End

*مختارات من مقالة كرستي ديفز حول الفكاهة تحت ظل الإشتراكية

August 6th, 2015

cDaviesPic2

يوجد أكبر عدد للفكاهة كمعارضة إجتماعية في النكات السياسية التي قيلت في الإتحاد السوفيتي السابق وفي الدول الإشتراكية الأوربية بين عامي 1920 و1989 .

إنتقدت هذه النكات النظام السياسي الإجتماعي وأفكاره بالإضافة لقادته السياسيين. كانت النكات عبارة عن همسات المعدمين أو فكاهة شعبية أصيلة وكانت مبعدة عن وسائل الإعلام ولم يكن لها مؤلفين ولا مصادر معروفة. مقاييسها وشعبيتها تشكل واقع إجتماعي هام جدير بالإستكشاف، من البديهي أنها ذات علاقة بالمعارضة الشعبية لكن طبيعة هذه العلاقة غير واضحة المعالم. لنناقش أولاً الأسباب التي أدت إلى إرتفاع أهمية النكات بعدها سوف نتفحص الظروف التي أدت إلى إزدياد شعبيتها ثم موقع راوي النكات بالنسبة للهيكلية السياسية صاحبة السلطة.

أهمية النكات

أن مجموع النكات التي تم حصرها تحت النظام الشيوعي تفوق عدداً وأهميةً تلك التي يتم تداولها في المجتمعات الديمقراطية أو حتى التي تنتشر تحت الدكتاتوريات القمعية والتي لا تسعى للتحكم بالمؤسسات الأجتماعية ولا تصر على إيقاد الحماس. وأهمية النكات تؤكدها المجازفات الموثقة التي يتعرض لها أفراد عديدون من خلال تداول الفكاهة الناقدة، وفي حالة سعي المثقفين المحليين لتجميع النكات المضادة لحكم السوفيت، وبالإضافة إلى العديد منها مما وجد في ملفات الكي جي بي والتي تعد من أفضل المصادر التي تحتوي على التصنيفات العرقية عن الرأي العام المعادي للسوفيت. أن النكات السياسية تحت الإشتراكية كانت تسرد كوسيلة لتوضيح الفكرة، أو كعبرة قوية أو قصة ممتعة تعبر عن فكرة ما، أكثر كثيرا من المجتمعات المغايرة.

نكات عصر الرعب ونكات عصر الإبتذال

من أجل التبسيط سوف نقسم النكات التي إزدهرت تحت الأشتراكية لنوعين حسب العصر الذي شاعت فيه: زمن الرعب وزمن الإبتذال، من 1928 إلى 1956 ثم من 1956 إلى 1985 تقريباً. النكات التي إنتشرت قبل هذه الحقبات مباشرة كانت أقل عدداً وأصعب في التحري، والنكات التالية كانت كثيرة العدد لكن الأحداث التي تناولتها النكات كانت شائعة ومتداولة حتى بين القادة السياسيين.

الفكاهة في عصر الرعب ويحتوي الحقبة التي تلت تعزيز ستالين لأواصر قبضته على الحكم إلى خطاب خروشيف المشهور الذي أدان به الإرهاب، يتميز من ناحية المحتوى والظروف الشائعة. شهد هذا العصر مقتل وسجن ونفي العديد من الأبرياء. وأشارت النكات السائدة بصورة مباشرة إلى سحق القرويين من خلال المزارع التعاونية ونفي ملاك الأراضي الزراعية وإختلاق المجاعات المتعمدة. وهنالك أحداث أخرى تناولتها النكات منها إقصاء المهندسين والمثقفين وقادة الجيش والحزبيين في الفترة ما بين 1946 و 1953 وبالطبع هنالك أحداث التعذيب والإعدامات العشوائية والأعمال الوحشية في معسكرات العمل . وبالأمكان إضافة النكات التي تناولت قوانين العمل الصارمة بين 1940 و 1956 حين حرم العمال من تغيير وظائفهم وجرموا لمجرد تأخرهم 20 دقيقة عن الحضور للعمل.

لقد نال الظلم جميع فئات الشعب في الأتحاد السوفيتي السابق وأكدت الوثائق الرسمية للأرشيف المفتوح أمام الباحثين حالياً، أكدت الأحداث المرعبة التي تناولتها النكات. مع ذلك كانت النكات التي تناولت ستالين وحكمه القاسي أقل عددا من تلك التي تناولت حقبة خروشيف وخلفائه الممتدة إلى تشيرننكو والتي سخرت كثيراً من قادتها. أن عصر الأبتذال كان بالتأكيد زمناً قمعياً لكن ليس بنفس التطرف والمستوى من العنف وعدم المبالاة. أن تعداد النكات المنخفض نسبياً في الوقت الأكثر قساوة يقلب موازين الأطروحة الأنثروبولوجية القائلة بأن إزدياد شدة القمع يصاحبه إرتفاع في شدة الفكاهة.والنكات السياسية في عصر الإبتذال قد فاقتها كثيراً والتي وصلت إلى أوجها خلال السنين الأخيرة لحكم بريجنيف في بداية الثمانينات حينما أشارت النكات المتناقلة على الملأ إلى “المستر بي” كناية عن بريجنيف، وذلك من أجل التمويه وإستمالة الضحك في نفس الوقت. كانت النكات في هذه الحقبة كثيرة العدد وكانت تنتشر بسرعة وسهولة في الدول الأشتراكية كالمجر وفي أنظمة شديدة القمع كرومانيا تحت حكم تشاوشيسكو.

النكات نتيجة لسعة القمع

نرى أن العلاقة بين القمع وإزدهار النكات توجد في إمتداد وسعة القمع وليس في شدته. كان هنالك الكثير من النكات التي تسخر من الجنرال فرانكو لكن ليس من النظام الأجتماعي والسياسي، ولم تكن النكات بنفس عدد النكات التي قيلت عن الأتحاد السوفيتي وتوابعه ولا بنفس الطرافة. بكل بساطة لم يكن هنالك الكثير مما يستدعي الفكاهة، لم يطلب فرانكو التحكم على الأقتصاد أو غيره من النشاطات غير السياسية. كان حكمه حكماً فردياً وواقعياً أكثر من كونه عقائدياً، ولم يكن حزبه الفاشي حزباً حاكماً بالمفهوم الشيوعي. لذلك أخرجت بلدان مثل أسبانيا نكاتاً عن قادة بذكاء محدود أو مصابين بالخرف، وهذا نفس النوع من النكات التي إنتشرت في عهد الإبتذال لكن الشيوعية أخرجت تنوعات أكثر من النكات السياسية.

طالبت الشيوعية بتفعيل التنازل عن الحرية في حين أكتفى فرانكو وحكمه بمجرد الإذعان. طالبت الشيوعية بالحماس والمشاركة والأيمان العميق والدعم الكامل لقادته وإحتفالاته وقصصه.أراد الأتحاد السوفيتي التحكم أكثر من الدكتاتوريات التقليدية إقتصادياً وعقائدياً، مما أدى إلى خيارات أوسع من الأهداف المناسبة للنكات، بما في ذلك النسخ الحكومية من الفنون والعلوم والتاريخ وهذه جميعها قد تم صقلها عقائدياً.

نكات عن الشحة وعن رداءة الصنع

وفرت شحة السلع أكثر مواضيع النكات تحت الشيوعية، وكانت هذه النكات ذات صبغة سياسية حيث أن الدولة كانت تدير الإقتصاد وتدعي المسؤولية على رفاهية المواطنين وكانت تلقنهم بأنهم على أتم حال ولا تنقصهم السلع.

أستمرت نكات الشحة من العشرينات إلى الثمانينات ولكن كانت هنالك إختلافات بين عصور الرعب والإبتذال. كان عدد المترفين في عصر الرعب قليلاً ومحدوداً بأعضاء بارزين في الحزب والذين تمتعوا بحياة رغيدة، وكان هذا أحد مواضيع النكات لكن أغلب النكات الشحة تناولت حياة الغالبية الجائعة وحياة القرويين المحطمة والرواتب التي بالكاد تكفي لشراء الطعام ولتغطيةالأحتياجات الأساسية، والسكن المكتض بأسر في شقق مشتركة والتعاونيات الزراعية التي لم تستطع توفير ما يكفي من الطعام. ، كانت النكات تقارن بين الشحة الحقيقية وشعارات الحزب الخيالية التي تدعي بأن حياتهم أسعد وأحسن في دولة العمال ومجتمع المساواة. لكن نكات الشحة كانت أكثر في عصر الإبتذال تحت خروشوف وبريجنيف، حينها كان مستوى المعيشة والرواتب في إرتفاع وكانت الحكومة تنفق العملة الصعبة على الحبوب المستوردة بدلا عن السماح بالمجاعة كما كان في السابق. والنكات التي كانت تتناول البضاعة الرديئة والطعام المستورد تعني أن هذه السلع قد أصبحت متوافرة أكثر من قبل. لكن مستويات المعيشة الصاعدة قد تكون قد أدت إلى توقعات خائبة والنكات تعكس هذه الخيبة. أن الأعذار التي إستعملها الحكم الذي بحوزته جميع وسائل الإنتاج لن يصدقها مواطنيها، والفكاهة في عصر الإبتذال تعكس شعورهم بالإحباط.

الفكاهة وسياسة اللوم

حاول الحكام السوفيت إيقاع اللوم بسبب الفشل الإقتصادي على موظفين صغار ومزارعين في تعاونيات وعمال إصلاح وحتى عمال المصانع، وكان الأفراد المتذمرين يشجعون على تقديم شكاواهم للمسؤولين الكبار وللصحافة. والملاحظ هنا في الشكاوى التي لم تنشر مثل التي تشكو من الجوع والبرد والتعليمات الرسمية. كان الأسلوب الحكومي يكمن في تحويل الملامة نحو الأهداف المحلية والأفراد المخطئين. كانت الفكاهة الرسمية تجسد هذا التحويل في مجلات ذات عناوين لاذعة مثل التمساح والأشواك والدبابير والتي كانت تنشر هجاءً وكاريكاتيرات عن أفراد في مقدمة التعامل مع العمال والزبائن. أما المدراء الكبار والنظام السياسي فلم يخضعو للسخرية، فالمحررين الذين يقتربون من الكلام المحذور يفقدون مناصبهم. فالفكاهة الرسمية تخطط من أجل إثارة السخط والسخرية على المخالفين الصغار بدلا عن إثارة الضحك، أما الفكاهة الشعبية فكانت عكس ذلك من ناحيتين، أولاً كان هنالك العديد من نكات الشحة التي تلوم الحزب ومخططيه والتي عكست حالة الإستياء التي سجلها المخبرون والتي يمكن الإطلاع عليها في سجلات الكي جي بي، وهنالك أيضاً وجهات النظر التي عبرت عنها إستطلاعات الرأي في تشيكوسلوفاكيا في فترة التحرر القصيرة في 1968، فقد لام الشعب حكامه بصورة قاسية وضالمة.

والناحية الثانية للإختلاف فعلى عكس الفكاهة التي تخطط لها الدولة حيث يلبي فناني الكاريكاتير ومحرري السخرية تعليمات الحزب، تنبعث النكات بصور لا إرادية كما هو الحال في الفكاهة عامة في جميع الأوقات، وتنتشر بلا معرفة من هو المؤلف ولا يمكن معرفة الهدف أو تنويهات أو الشعور عامة من قر اءة النص المكتوب بمفرده، حيث أن هذه المعلومات تضاف بواسطة الراوي في وقت الإلقاء.

النكتة والإحتجاج

يدعي الكثيرون من باحثي الفكاهة، عادة بلا دلائل، بأن الفكاهة تشكل نوعاً من أنواع المقاومة أو دعماً للمضلومين لتقويض الضالم ولكن هنالك من ينفي فعالية النكات في هذا المجال بل ويدعي بأن النكات تعمل كصمام الأمان مما يساعد الحكم الضالم على الأستمرار مما يعكس هدف الفكاهة. هذه المجادلة بأكملها لا تعدو مجرد هراء إذ كيف يمكننا أن نحلها؟ من المستبعد تماماً أن نجد أي تأثير للنكات في كلا الإتجاهين، خصوصا بالمقارنة مع عوامل إجتماعية أخرى ذات فعالية أكثر. النكات مقياس وليست أداة تحكم، تعطينا قراءة لما يحدث مثل قراءة المحرار لكنها لا تغذي العوامل الأجتماعية التي خلقتها لأي درجة محسوسة.

النكات والكرنفال

هنالك من رأى تشابهاً بين النكات التي قيلت تحت الأشتراكية وبين تصرفات إحتفالات الكرنفال في القرون الوسطى في أوربا، حيث يسخر المتظاهرون بالكنيسة وطقوسها عاشوا جواً إنقلبت فيه الموازين لفترة قصيرة. وهذا ما فعلته النكات في العديد من النواحي تحت الشيوعية، حيث تسخر النكات من أيديولوجية الدولة وتقلب موازينها رأساً على عقب، وكانت إحتفالات وأبطال وقورين مثل لينين تعامل بحماقة وقادة العصر بشكل مضحك. وهنالك من يدعي بأن النكات حالها حال الكرنفال كانت أيضاً صمام أمان، لكن أنظمة الحكم لم تعتقد ذلك حيث أنها تبنت كرنافالات التكفير كسلاح من أجل تقويض الكنيسة الأورثودوكسية الروسية. والنكات تحت حكم السوفيت كانت تتداول بسرية وتخضع للمراقبة وليس على المكشوف كالكرنفال التقليدي.

وقارن البعض صفات الكرنفال التلقائية الحميدة مع النكات التي تداولها أتباع الكنيسة في روسيا القيصرية أو في بافاريا الكاثوليكية أو خدم السادة المخلصين التي تتناول سادتهم، وجميعها كانت تتداول في دائرة إجتماعية صغيرة في حدود العادات والتقاليد، وحتى السادة والقساوسة أنفسهم كانوا يتداولونها لأنهم لم يجدوا فيها ما يهددهم. ولكن الوضع يختلف حينما تتداول النكات في مجتمع حاقد على القساوسة والسادة المحليين، المقارنة ليست سارية.

النكات كنوع من التعويض عن المقاومة وإنهيار النظام السوفيتي

جادل البعض بأن النكات لم تكن مجرد صمام أمان ولكن نوع من التعويض عن المعارضة والمقاومة للدكتاتورية، أو أنه أفيون فكاهي للشعب ويلاحظون أنه عندما يبدأ العصيان بصورة جادة تختفي النكات. والعبرة في هذه المجادلة ليست في الشئ الذي هو تعويض عن الآخر وإنما في أن العوامل الخارجية هي التي تحدد النتائج المتوقعة. والسرعة التي يتحول فيها رواة الفكاهة من الهزل إلى المعارضة الجادة بعد تخفيف القمع بسبب ضعف الحاكم تشير إلى أن النكات كانت فعلاً جزئاً من المعارضة لكنها حورت وخضعت لعوامل خارجية. أما إذا كان التخفيف تدريجياً فأن النكات سوف تنضم إلى بقية أدوات المعارضة بصورة ناشطة وذلك كما حدث مع المقاومة النرويجية للإحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية أو كما حصل في تشيكوسلوفاكيا لفترة قصيرة في 1968.

يعتبر البعض أن النكات تحت الشيوعية بأنها الفكاهة لشعب توقف عن النظال، أو أنه التعبير عن الشعور بالتشاؤم والغربة لشعب لم يعد يستطيع المعارضة أو المقاومة، فاقداً لمعنوياته في عصر الرعب وراضياً بالأمر الواقع في عصر الإبتذال. من الصعب قبول هذه المجادلة مع ملاحظة السرعة التي إندحرت فيها الأنظمة الأشتراكية. كانت الأنظمة الشيوعية في حالة توازن فعلاً لكن هذا التوازن لم يكن ثابتاً، حالما تعرض هذا التوازن لإضطراب إنهار النظام بكامله تماماً. كانت النكات دالة على عدم الثبات، متنبئة بالإنهيار الممكن. قد لم يكن غورباشيف عالماً بأنه قد فتح المجال أمام إنهيار الكتلة الشرقية حينما أخبرهم بأن الإتحاد السوفيتي لم يعد راغباً بإرسال الجيش السوفيتي لدعم أنظمتهم في 1985-1986، وحالما تبين لشعوب هذه الكتلة ما جرى كانت علامة النهاية للحكومات الشيوعية لأنها لا تستطيع البقاء بدون القوة القسرية. تلى ذلك بفترة قصيرة فوز حركة التضامن بإنتصار ساحق في الإنتخابات البولندية، ثم إنهار حائط برلين ومعه نظام إلمانيا الشرقية وإنهارت الكتلة بأكملها خلال أسابيع. لم تكن هذه الأنظمة لتبقى بلا الدعم الخارجي من الجيش السوفيتي.

كانت هنالك أوقات للمعارضة القوية قبل 1979، منها في المانيا الشرقية في 1953، المجر في 1956، تشيكوسلوفاكيا في 1968 وبتكرار في بولندا، وكانت جميع علامات المعارضة تسحق بواسطة الدبابات السوفيتية، أما مباشرة أو بالتهديد بإستخدامها، وفي جميع الحالات كانت الأنظمة المدعومة من قبل الجيش السوفيتي تسقط بسرعة.لم تكن النكات تعويضاً عن المعارضة لكنها كانت مرحلة من المعارضة وإستمراراً لها لحين ظهور الفرصة التالية لفعالية تكون أكثر نشاطاً.

بإمكاننا أن نرى حالة عدم الثبات في عصر الرعب حينما إنتشرت نكات تتناول إزاحة الحكم بوسيلة الحرب، حينها كان مليون مواطن سوفييتي قد غيروا ولائهم وإنظموا لمعسكر الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، لذا فقد إضطر ستالين لتغيير دعايته بعيدا عن العقيدة الشيوعية وبإتجاه الوطنية الروسية التقليدية. وقد أدى هذا التغير إلى إستمرار حكمه والنصر في الحرب ولكن لم يكن هذا ممكناً بدون الإبتعاد عن الدفاع عن الأشتراكية.

النكات والتنبؤات السياسية

قد يبدو أن التحليل السابق هو مجرد حكمة تلي الواقعة ولم يكن من الممكن إستعماله للتنبؤ بالمستقبل، لكن الواقع غير ذلك. أقنعني الأستاذ ألكساندر شتروماس في 1971-1972 والذي كان محاضراً بدراسات السلام في أنكلترا في ذلك الوقت، أقنعني بأن النكات هي نذائر الإنهيار.تنبأ الأستاذ شتروماس بالتغير الجذري والإنهيار القادم في الإتحاد السوفيتي في كتاب نشر في عام 1981، ونظم مؤتمراً واسعاً في جنيف عام 1985 أسماه إنهيار الأمبراطورية السوفياتية . وقد قدمت مقالة تلبية لطلبه بعنوان الفكاهة للمستقبل ومستقبل الفكاهة والتي تحققت تنبؤاتها لاحقاً. كان معظم من يدعون الخبرة في ذلك الوقت يعتقدون بأن الأتحاد السوفيتي ثابت وباق ولكن تنبؤات ، شتروماس تحققت خلال ست سنوات. كانت النكات جزء من حججه ولكن ليس كسبب للإنهيار وإنما كعلامة للمعارضة التي تشير إلى أخطار لم يراها الخبراء الآخرون. والآن وملفات الكي جي بي متاحة للباحثين ، بالأمكان التيقن بأن النكات كانت تشكل دلائل جيدة لما كان يحدث، فالنكات كانت قمة جبل جليد التذمر، الواجهة المتحركة التي لا تحتاج لسياق لفهمها كتحدي كما نعرفه، وتقارن مع الدلائل الأخرى مثل التعابير الجادة للمعارضة الخفية والمقاومة السلبية، والتي لا يمكن لأحد أن يؤكدها سوى الكي جي بي. وهذه التقارير هي التي مكنتنا من تحليل النكات كظاهرة مجتمعة وأكدت شكوكنا السابقة. لم يمكن فعل ذلك إستنباطاً من نصوص النكات بمفردها، ولا من ذكريات أولئك الذين قد تكون ذاكرتهم إنتقائية أو تأثرت بأحداث تالية. وإنما هي الدلائل المسجلة التي تصف تصرف راوي النكات في وقت الرواية مما يجعلنا نحدد النكات كشكل من أشكال الإحتجاج ونرى كيف كانت تتنبأ بالنهاية الغير متوقعة من البعض للشيوعية في أوربا.

* ترجمة فيصل قدري بأذن كرستي ديفز ،أستاذ فخري، جامعة ردينغ، المملكة المتحدة، عن محاضرة قدمت في جامعة سان بيترسبورغ، روسيا في تموز 2015.
Translation with permission from a lecture by Christie Davies, Professor Emeritus, Reading University, UK, delivered at St. Petersburg ٍ State University, Russia in July 2015.

The End

آزربايجان

May 9th, 2015

هي الآن دولة من دول القوقاس التي تكونت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي في 1991 وتاريخيا هي أول جمهورية برلمانية ذات غالبية مسلمة تأسست عام 1918، تعداد نفوسها حوالي 9 ملايين غالبيتهم الساحقة من الشيعة. مع ذلك ليس للدولة دين رسمي ومعظم الأحزاب الرئيسية ونظام الحكم جميعها علمانية. حين إستعرت المواجهات مع أرمينيا من أجل السيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ بعيد الأستقلال قامت الجمهورية الأيرانية بمساندة أرمينيا ومنعت ضم هذا الإقليم، وفي المقابل تتمتع إسرائيل بعلاقات متينة بحيث قد تستعمل الطائرات الإسرائيلة القواعد الإزربايجانية في الهجوم على أيران في حالة فشل الأتفاق النووي مع مجموعة القوى الغربية.

وعلينا هنا التوقف لحظة والتمعن في أسباب هذا التقارب الغريب، فآزربايجان بلد نفطي تربطة بروسيا علاقات متينة وتاريخية عميقة، حيث أن العاذريين ساهموا برجالهم ونفطهم في صمود روسيا أمام الإحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، والروس هم الحلفاء المعتمدين لأيران أمام أمريكا وإسرائيل لكن هذه العوامل بالإضافة لعلاقة الطائفة المشتركة لم تحدد موقف آزربايجان المتحدي لولاية الفقيه، لذا نستطيع القول أن الدولة المدنية وحمايتها شكلت العامل الأهم في العلاقة بين البلدين.

فعلى الرغم من التشابه الواضح وعلاقة الجيرة والإشتراك في العقيدة تبقى طريقة الحكم وأساس الدولة هي العوامل التي تؤدي إلى الإختلافات الحتمية والتناقض، فالجمهورية الإسلامية قائمة على مبادئ ولاية الفقيه وآزربايجان على العلمانية وفكرة المواطنة الحديثة.

لا أدعو إلى إتباع نفس السياسة بلا تمييز وعقد التحالفات مع إسرائيل نكاية بولاية الفقيه: لا يخفى على أحد أن إسرائيل هي الدولة العبرية ذات القوانين المبنية على الإعتبارات الدينية والعرقية المجحفة التي لا تصلح للقرن الحادي والعشرين، وهي بهذا تشترك مع ولاية الفقيه في أساس الحكم، وإذا إستطاعت آزربايجان التغاضي بسبب البعد الجغرافي والإجتماعي أو قوة مواطنيها من اليهود أو أي حوافز أخرى فدول المشرق العربي لن تستطيع التغاضي عن الدولة العبرية أو المحافظين الأمريكان الجدد الذي تبنوا تفسيراً صهيونياً ضيقاً للتاريخ وأرسوا بذلك دولة المحاصصة الطائفية، التي تقوم على عكس المبادئ التي قامت على أساسها دولتهم.
وكذلك لا ننسى تعايش المنفعة المتبادلة بين الوهابية ودول الجزيرة العربية والذي لا يسمح بالتطور والتحديث للوصول إلى الدولة المدنية، ولا الإخوان المسلمين وأمثالهم من دعاة الدول الدينية.

آن الأوان لكي نضع النقاط على الحروف ونحدد التناقض التاريخي الذي نرى الواقع السياسي والإجتماعي من خلاله والذي هو بين الدولة المدنية دولة المواطنة التي تحكم من خلال المؤسسات المستقلة والتي زرع جذورها في العراق المؤسس الراحل فيصل الأول، بينها وبين الدول الدينية الطائفية وممثليها من ولاية الفقيه والدولة الإسلامية (داعش) والدولة العبرية والإسلاميين.

The End

في نعي شيخ اليبراليين العراقيين

April 5th, 2015

لبى نداء ربه سعد صالح جبر، علم من أعلام المعارضة العراقية أيام صدام حسين والمعروف بمواقفه الليبرالية، ولا أوضح من مقالة حميد الكفائي لأستذكار تاريخه المشرف وتفائله وكرمه المفرط في الصرف على الأهداف الليبرالية الذي أدى إلى حاجته القاسية لثمن العلاج في أواخر حياته.

يجابهنا واقع الحال هذه الأيام الذي يختلف عن جو المعارضة أيام نشاط سعد صالح جبر رحمه الله، فالمال السياسي السائب موجود وبكثرة لدى المتطرفين في كافة الجوانب والفقراء لا يزالون هم غالبية الشعب لذا أصبح الإنتساب للجهات المتطرفة، سواء كانت من المليشيات أو داعش والقاعدة ومن والاهم، أصبح من ضروريات الحياة من أجل كسب لقمة العيش وليس عن مبدأ أو رأي. ومن ناحية أخرى فلا يزال الليبراليون على حالهم من شحة الموارد وقلة الحلفاء وإعتمادهم على التمويل الشخصي لقادة كرماء مثل الفقيد الذي رحل بصمت وبتقدير يقل كثيراً عن قيمته المستحقة.

أن مسؤولية الأفراد والأحزاب الليبرالية أصبحت أكثر ثقلاً مع رحيل شيخهم، فهو القدوة في إنكار الذات وضرورة التوافق بين الأضداد. والليبرالية من خلال الشمولية التي تجمع جميع الأطراف هي البديل الوحيد للتطرف الذي يؤدي من خلال الأستبعاد والقمع لا محالة إلى إنعكاس إتجاهه وإلى المزيد من الأزمات والكوارث.

The End

محنة المستقبل السياسي في العراق

March 8th, 2015

لا تزال لقطات تحطيم التماثيل الأثرية في متحف الموصل تثير أقصى درجات الرفض في الأوساط الثقافية لأعمال دولة الخليفة المزعوم ومبادئه الملتوية . لكن واقع الحكومات الدينية في العراق وأيران يفرض تساؤلاً مشروعاً وهو: هل تستطيع الأحزاب الدينية محاسبة المسئولين عن تدمير آثار تعود قيمتها للإنسانية جمعاء؟ لا أعتقد ذلك لكني لا أشك بأن المنتفعين من هذه الأحزاب سوف يؤكدوا للعالم بأنهم قادرون على محاسبة الدواعش، لكنهم سوف يحاسبون إستنادا لمصلحتهم ودفاعاً عن أعراضهم والأهم من ذلك هو عملهم في إطار الأستحقاق النضالي، أي أن حسابهم وتضحياتهم تبرر إستفرادهم بالسلطة و إستبعاد شريحة أخرى إضافة لإجتثاث البعث من العملية السياسية. وهنا تكمن محنة المستقبل.

فالأستبعاد يفاقم المشكلة ولا يحلها وهو يشكل إنتهاكاً آخر لشرعية النظام السياسي الذي لا يزال يقلص من القاعدة الشعبية التي يستند إليها، ولننظر مرة أخرى لجريمة تدمير الآثار بتمعن أكثر هذه المرة.

ما هو فحوى الرسالة من خلال نشر الفيديو لذوي اللحى المتربة وهم يضربون بمطارقهم على تماثيل ثيران مجنحة ووجوه ملوك آشورية لا ترقى لمستوى الآلهة التي يدعي بها الدواعش؟

أنها تقول: نحن لا نحترم مقدسات الغير، والرسالة في سياقها تقول: أنكم لا تحترموا مقدساتنا لذا فسوف لن نحترم مقدساتكم وهي تهديد تاريخي يفهمه العراقيون جيداً سبقه أعمال وتبعه أعمال.

ولا شك أن نبش قبور صدام وأقربائه مؤخراً تعود إلى نفس التفسير، وعلى الذين يحتفلون بهذة الأعمال ويبررونها بالمفاهيم القبلية (بالأنتقام) عليهم أن يفهموا تبعات أعمالهم، فالقبور والآثار هي مقدسات محلية وعالمية ،تدنيسها يعني تصعيد المواجهة، وإحتقار الخصوصيات المحلية وإستمرار الأستبعاد. أنها لغة مشتركة يفهمها المتطرفون والضحايا على وجه سواء.

نحن جميعاً طائفيون شئنا أم أبينا، بطبيعتنا نحتمي بطائفتنا في ساعة الخطر وكلما زاد الخطر إزدادت طائفيتنا، وهذه ظاهرة إجتماعية ثابتة أكيدة ومدروسة.وهي حقيقة يفهمها ويعتمد عليها الإستراتيجيون وتنطبق على الأحداث في العراق بتزايد ملحوظ مع إزدياد وتيرة المواجهات.

يشترك كلا طرفي التطرف في تحمل مسئولية الأستقطاب الطائفي مع سبق الإصرار والترصد، كلاهما تبنى إستراتيجية كارثية لم نشاهد نتائجها النهائية بعد لكن من الواضح أن الأطراف تسعى للمواجهة وتعتقد أنها سوف تفوز في النهاية وتستلم الدولة بالإستحقاق النضالي.

الحل يكمن في إسقاط الأستحقاق النضالي وإحلال الأستحقاق الإنتخابي بضمان نزاهة الإنتخابات، بإشراف الأمم المتحدة على العملية السياسية برمتها.

The End

شارع الخميني

February 22nd, 2015

أطلق مجلس بلدية النجف أسم شارع الإمام الخميني على الشارع المؤدي إلى المطار وأثار بذلك إهتمام ومعارضة الكثيرين من سكان المدينة والعراقيين عموماً.

وهذا الخبر لو حصل بمعزل عن أحداث أخرى لما نال ما لا يستحقه من إهتمام، فالتسمية من إختصاص المجلس وطالما لم يخالف المجلس بقراره قونين الدولة فليس لأحد من خارج المجلس فرض قرار معاكس من خلال القانون.

لكن الحدث يحصل في سياق أحداث أخرى مثل إنسحاب الصدريين من الحشد الشعبي وتصاعد التوتر الطائفي وإعتراف رئيس الوزراء حيدر العبادي بعدم قدرته على إحتواء الحشد وغيرها من أمور تشير إلى فلتان السيطرة على العناصر المتطرفة وتعاظم الدور الأيراني في العراق وتزايد إستعداده للعب على المكشوف .

الموقف معقد وله خلفيات غامضة، قد تكون خطط أيرانية كتبت حين كانت سوريا هادئة وبرميل النفط بحوالي 100 دولار، لكن الموقف أختلف الآن والحروب مكلفة والخزائن في العراق وأيران وسوريا جميعها خاوية، والعامل الأهم في المستقبل القريب سوف يكون سعر برميل البترول، إذا عاد إلى الإرتفاع فقد ترتفع وتيرة الصراع الطائفي في العراق. أنه إستنتاج غريب، نتسائل إذا كان مجلس بلدية النجف قد توصل له حين إختيار الأسم الجديد لطريق المطار.

The End

قتل الحليف سياسة الإنتحار

February 15th, 2015

أستحوذت حادثة إغتيال الشيخ قاسم سويدان الجنابي وحاشيته إهتمام وسائل الإعلام والسياسين في العراق، والشيخ المغدور كان يقوم بالتنسيق مع الحشد الشعبي في تطهير جرف الصخر من داعش وأقام تجمعا كبيراً في مضيفه قبل فترة قصيرة جمع بين الحشد ووجهاء المنطقة، أخيه هو زيد الجنابي النائب في البرلمان الحالي.

والحادثة بخلفياتها التي قد لا تذكرها بعض المصادر تتلخص بما يلي.

إختطفت سيارات عسكرية الشيخ وكان معه إبنه وأخيه وإبن أخيه وحمايتهم بعد توقفهم في نقطة تفتيش حكومية في منطقة الدورة من ضواحي بغداد الجنوبية. وسار الموكب خلال بغداد عبر عدة نقاط تفتيش بدون أن تتعرض لهم أي من القوات الحكومية. ورموا النائب زيد في منطقة الصليخ التي تقع شمال الكاظمية بعد ضربه ضربا مبرحا ثم قامو بإغتيال جميع البقية بما فيهم الحماية.

ويعتقد البعض أن الحادثة جائت إنتقاما لإغتيال النائب عن كتلة بدر أحمد الخفاجي وأنها من تنفيذ عناصر ميليشياوية تسعى لتمثيل الشيعة عن طريق تبني مواقف متطرفة.

ويعتقد آخرون أن عشيرة المغدورين حاضنة لبعض المتعاطفين مع داعش، لكننا لو أفترضنا جدلاً بأنها ممكنه لا يمكن أن تبرر قتل الحليف المقاتل في خندق الحكومة. فالتعاطف ممكن لكن القتال أكيد، والمساهمين في إغتيال الشيخ قاسم قد تركوا المواقف الأكيدة وأستثمروا جهودهم العدوانية بناءً على الممكن بلا إحتساب النتائج.

The End