التجريم بالأنتماء سلاح التطرف

February 8th, 2015

في خضم الصراع المحتدم في سوريا والعراق يسهل على المرء إتخاذ مواقف التطرف التي تجرم الأطراف الأخرى بكل ما فيها وجميع من ساندها برأي أو حتى من دافع عن حقها في التعبير أو الوجود.وجائت إستراتيجيات داعش الكارثية عموماً وخصوصاً حادثة أغتيال الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبه الوحشية، جائت بدفعات قوية نحو التطرف سواء للمتعاطفين أو للمدينين لها. الخيار السهل يقع في التطرف لجانب أو لآخر، ولا أعتقد أن إدانة أعمال داعش يعتبر تطرفاً لكن هنالك بين المدينين بعض الأطراف التي تغالي في الأدانة لكنها تتغاضى عن أعمال مشابهة لها أو لحلفائها. لكن الخيارات الصعبة تطرح أمام الآلاف من المضطرين للإنتماء إلى مجموعات متطرفة بسبب الحاجة. هؤلاء هم الذين يعانون الأمرين بين إختيار أهون الشرور والتجريم بالأنتماء لجرائم ليس لهم دور في تنفيذها أو في التخطيط لها.

لا شك أن داعش قد توسعت وتضاعفت بالقوة بسبب إنتماء العديد من ضباط الجيش السابقين من ذوي الخبرة والكفائة الذين لم ينالوا إستحقاقاتهم التقاعدية أوحرموا من العمل في الدولة لأسباب طائفية ولا ينبغي التعامي عن تعداد هؤلاء الكبيرة وأنتمائهم وعراقيتهم. وفي المقابل نلاحظ أن الكثير من المنتمين للمليشيات كانوا مرغمين بسبب الحاجة وإنكار حقوقهم من سياسات صدام، وأن الكثيرين في الحشد الشعبي هم بدورهم مرغمون ماديا أو إجتماعياً، ويأتي أعترافنا هذا بلا نكران وجود أعمال القتل والإستبعاد الطائفي بقيادة سليماني وغيره من المعترفين بسلطة أيران على سير الأمور.

قد يتوهم البعض بأن التجريم بالأنتماء ينم عن قوة الحاكم وأن تجنبه هو شكل من أشكال التسامح أو ضعف الأرادة أو التردد في إتخاذ المواقف الحاسمة، لكني لا أرى ذلك. فالتجريم بالأنتماء ليس من العدالة لأن المنتمي قد لا يسعه التعبير عن إرادته برفض الجريمة. وأن توسيع دائرة التجريم لتشمل الأقارب والمعارف والشركاء الأجتماعيون هو مضيعة للموارد وتجاوز على الحقوق ولا يخدم سوى التطرف في الأطراف المقابلة.

The End

هل بالأمكان الإعتماد على الأحكام الدينية في الحكم على المعتدين بإسم الدين؟

January 11th, 2015

أثارت أحداث باريس الأخيرة والتي قتل فيها العديد من رسامي الكاريكاتير والشرطة والأبرياء، أثارت التساؤلات حول دوافع المهاجمين الذين إستجابوا للرسوم المهينة لشخص الرسول (ص) بالعنف المفرط.

والسؤال الذي على خاطر الكثيرين هو عن ماهية حكم الإسلام على هذه الأعمال؟ وهذا السؤال أصعب كثيراً من ماهو شعور المسلمين تجاه هذه الأعمال وغيرها مما يوصف بالإرهاب، والتي نجد إجاباتها تختلف كثيراً وتعتمد على شخصية من يستمع للسؤال.

طبعا لا أحد يستطيع أن ينتحل لنفسه صفة الكلام بإسم الإسلام سوى الخليفة.. وهذا أحد الأسباب التي تدفع أمثال دولة داعش وحزب التحرير إلى الدعوة لإختيار خليفة يتمتع برعايتهم. لكن السؤال الأوسع هو عن مبدأ إمكانية محاسبة من يقترف الجرائم بأسم الإسلام أو بإسم الأديان عموماً دينياً. والمشكلة ليست بإيجاد من يتكلم بإسم الدين فحسب وإنما في طبيعة الأديان كمجموعة مبادئ أخلاقية عامة سارية المفعول على مر العصور: الأخلاقيات مبادئ تميز بين الخير والشر لكنها لا تميز في المنفعة أو الضرر بين خيرين أو شرين، فهذه وظيفة الساسة أو الإداريون ونتائجها تختلف وتعتمد على عوامل وقتية متغيرة.

محاسبة المعتدين بإسم الإسلام أو الطائفة غير دقيقة إذا تمت بالرجوع لأحكام دينية، الدين يحاسب على الدوافع التي لا يعلمها علم اليقين سوى الله سبحانه وتعالى لذا فالنتائج واسعة تعتمد على جهل القاضي أو على من يستصدر إستنتاجاته إعتمادا على تفسيرات دينية فحسب. لكن النتائج الواقعية التي تسبب الضرر للمسلمين واضحة للعيان وحساب نتائجها عند الأحكام المدنية سهل.

أن الذين يدافعون عن السياسات الدينية والطائفية بالرجوع إلى عهود سادت بها العدالة أنما يتعاملون مع التاريخ بإنتقائية ضيقة، وفي المقابل فأن الذين يحملون الدين مسؤلية فساد الأمور هم بدورهم إنتقائيون في إختيار الأسباب، أما الأحكام المدنية وتفعيل مؤسسات الدولة وإستقلاليتها فهي التي تؤدي إلى النتائج المضمونة.

The End

جن سنغ

January 4th, 2015

نبات الجن سنغ معروف بخصائصه الطبية المفيدة، الشاي المستخلص من جذوره يباع في الأسواق العالمية بأسعار مرتفعة وزبائنه بين العديد من ملوك ورؤساء العالم. هنالك عدة أنواع منه وتزرع كمحصول ذو عائد مالي مرتفع في عدة دول كالصين وروسيا وكندا، لكن أستعمالته جائت أصلاً من كوريا الجنوبية والأنواع الأغلى سعراً لا تزال حصرا على كوريا.

شاي الجن سنغ منشط عام ويقال أنه يوسع الشرايين ويحسن عملية التنفس والمناعة ضد الأمراض والذاكرة وغيره من الفوائد المعروفة بالممارسة عموما في الطب الشرقي.

جذور نبات الجن سنغ

لاحظ مربي الخيول العربية من الكوريين أن الجياد السريعة التي تفوز في السباقات تتميز بإتساع صدورها وقوة تنفسها وكفائة عملية التنفس، أخذوا يقدمون العلف لخيولهم ممزوجاً بفضلات الجن سنغ. بعد فترة وجدوا أن خيولهم أخذت تتفوق على بقية خيول العالم وتفوز بإستمرار، إرتفعت أسعار الخيول العربية الكورية في المزادات العالمية وأصبحت مصدراً آخر للدخل عن طريق التصدير.

هذه بضائعنا بعناها بسعر بخيس رجعت إلينا وأشتريناها بالغالي، حالها حال أطبائنا، علمائنا، مهندسينا وكل من تعبت بلادنا في تعليمهم يهاجرون فنفقد معهم أجزاءً عزيزةً سوف تضطر بلادنا لأعادة أستيرادهم بأسعار مضاعفة.

The End

جاء يكحلها عماها

December 28th, 2014

تناقلت وسائل الأعلام منذ عام تقريباً نبأ عن التخطيط لترميم ورفع قبة مرقد الأمام الحسين عليه السلام نحو 7،5 متراً وذلك “لمالها من تاثيرات بصرية وروحانية مهمة”.

وقد يفاجأ القارئ العادي بأعتراضات على هذا المشروع لكنها جائت من مهندسين معماريين ذوي إختصاص، فقد مورست عمليات الترميم على مواقع مهمة في العراق وكانت النتائج سيئة للغاية، حيث أستخدم عمال عراقيين غير مدربين على الصيانة الأثرية ومواد أولية حديثة وفقدت نتيجة لذلك هذه المواقع قيمتها التاريخية.

Imam Hussain shrine

مرقد الأمام الحسين (ع).ا

هنالك طرق ومقاييس عالمية لصيانة المواقع تعتمد على العمالة المدربة ويمكن الأستعانة على اليونسكو ومنظمات عالمية للإشراف على تنفيذ هذه المشاريع.

نخشى أن تتدخل إعتبارات نفعية متخفية وراء الغطاء الديني تؤدي في النتيجة إلى تدمير المواقع الأثرية.

The End

الخوط خارج الأستكان

December 20th, 2014

هذه عبارة عراقية صميمة أصبحت شائعة ومتداولة مؤخراً على نحو كبير، وهي تعني أن فردا ما يتناول موضوعا ليس له علاقة بموضوع الحديث المتداول في المجموعة، وهو بذلك كالذي يحرك ملعقته خارج الأستكان او فنجان الشاي.

والعبارة مثل يصف واقعية المتحدث والمجموعة من ناحية وبعد الشخص الذي يوصف به عن الواقع من ناحية أخرى، لكن عدم الأستقرار الذي يعيشه العراقيون قد شوه معاني الكلمات وغير مقاصد المثل.

أجواء الخوف الذي يعرفه العراقيون جيداً إبتداءً من حكم صدام ومروراً بالأحتلال الذي قدم للمجتمع فترة قصيرة من الأمان الجزئي وإنتهاءً بممارسات المالكي وتمدد داعش قد تسببت في تضييق الأفق وتبسيط الرؤية أمام العراقي، أصبح الآن كالأنسان ذو البعد الواحد الذي لا يرى سوى ما يهدد حياته مباشرةً وحالياً. لم يعد العمل الذي يمتد لسنين والذي يحتاج للخطط الطويلة والمراحل المتوسطة من التحضير، لم يعد يبدو له وكأنه ذو علاقة لما يشغل باله من قلق على حياته وسلامة أسرته خلال أخطار تنقلاته اليومية وسعيه لتوفير ضروريات الحياة.

الذي يدعو لعقاب المخالفين وإبعاد المعارضة يجد صداً واسعاً لأنه علاج فوري لمظهر القبح لكن الذي يدعو لبناء مؤسسات الدولة يخوط خارج الأستكان. الواقع الذي يعالج الأسباب لمشاكلنا يختفي وراء أفق التهديد والشارع لا يرى أن الأستبعاد يؤدي إلى المواجهة المسلحة ويعيد التاريخ نفسه نتيجة لذلك مرات ومرات.

يخوط خارج الأستكان أصبحت جملة تقال لكي تعبر عن خوف القائل ورؤيته الضيقة وأفقه المحدود بدلاً عن واقعيته وخيالية الذي يصفه بها.

The End

الديمقراطية لماذا؟

December 14th, 2014

واجهت مجتمعاتنا الشرقية تقدم الغرب بأهتمام بالغ منذ مطلع القرن العشرين، وكانت ردود الأفعال متنوعة وتعكس طرقا مختلفة لفهم الديمقراطية منها أعمال وكتب من شخصيات قد تكون عظيمة أو مغمورة. ليس بوسعنا نقد أو تكملة الكم الهائل مما جاء به السوابق لكن تطور العلم يوفر أفكاراً وزوايا جديدة للنظر إلى مفاهيم قديمة، نحن بصدد الأعتماد على علوم جديدة لأعادة النظر نحو الديمقراطية ومحاولة إنتقاء الأساسيات الضرورية منها لملائمة ظروفنا وإحتياجاتنا الشرقية الخاصة.

نبدأ بتعريف ما نعنيه بفكرة الديمقراطية ولا شك أن هنالك من سوف يجد هذا التعريف ضيقاً أوغير كاف، لكننا نحتاج لحصر المفاهيم في زوايا ضيقة إذا أردنا أن نعتصر الأساسيات ولا نستخرج بيانا ختاميا للتعبير عن الحد الأدنى من الأتفاق على هذه الفكرة المثيرة للجدل.

تبدو الديمقراطية بالنسبة للأفراد على أنها الأستحقاق الأنتخابي لممارسة السلطة التنفيذية في الدولة. والتأكيد هنا على الأستحقاق الأنتخابي لأن ما يريده الأفراد هو التبرير المقنع للتفويض الشعبي للحزب أو القائد الذي يتمتع بالشرعية القانونية لممارسة السلطة عن طريق الأنتخابات. والأنتخابات بالنسبة للأفراد هي عملية قياس للرأي العام مبنية على مبدأ صوت واحد للفرد الواحد، الغاية منها هو تقليص أو إختزال تعددية السياسات المطروحة إلى سياسة حكومية واحدة وتكون محاسبة الحكومة على أعمالها التي تشكل تياراً فريدا من الأحداث الواقعية وليست نواياها التي تتنوع مع تعددية الطروحات.

ولكن ما يراه الفرد من المواقف والإدعاءات الرسمية لا يشير بالضرورة إلى أساسيات الديمقراطية، الأمثلة عديدة على حالات ودول تدعي الديمقراطية حيث أنها تجري الأنتخابات وتقلص سياسات مطروحة وتطابق ظاهريا على الأقل المفاهيم الفردية للديمقراطية، فالديمقراطية كمؤسسة من مؤسسات الدولة وكظاهرة هيكلية لها وظائف وأساسيات أعمق مما يراه الفرد.

الديمقراطية لها وظيفة إجتماعية ذات إتجاهين متعاكسين، من ناحية هي تخلق التنوع السياسي بدون إستبعاد أو إستثناء مبني على إعتبارات سياسية ومن ناحية أخرى هي تختزل هذا التنوع إلى إتجاه واحد ينفرد بممارسة السلطة، والمرحلة الوسطى التي توفر التنوع السياسي قبل الأنتخابات هي ما يميز الديمقراطية عن سواها ويوفر لها الشرعية.

والسؤال هو: مالذي بإمكان الديمقراطية تقديمه لمجتمعاتنا المتناحرة مما يؤدي إلى الإستقرار؟ ألم نجرب الأنتخابات والتنوع؟ ألم يؤدي تسامح القادة المتحررين إلى بروز الدكتاتوريات من بعدهم؟ لماذا ننادي بالديمقراطية الآن بعد تاريخ طويل من التجارب المريرة؟

والجواب هو أننا لم نحقق المرحلة المتوسطة من توفير التنوع الكامل بلا إستثناء ولا إستبعاد، فقد كان هنالك دائما بعض الأستثناءات والأجتثاثات والجزئية في إتباع الحكام لما شائوا من تفسيرات الديمقراطية، ونلاحظ أن السلطة التالية لما كان قد توفر من حيز للحرية الجزئية يكون دائما من أتباع أو أنصار التيارات المستبعدة، وتأتي التيارات التالية غالبا بقوة السلاح وتستلم السلطة بالأستحقاق النضالي وتستبعد جميع من والى أعدائها. ولهذا السبب نادينا بأشراف الأمم المتحدة على الأنتخابات لأن جميع من نادى بالديمقراطية من أحزابنا التي مارست السلطة أو إقتربت من ذلك مارست إستبعاد المعارضة أو رضت عنه ولم تدافع عن حقوق من عارضوا سياساتهم.

لماذا الديمقراطية؟ لأنها السبيل الوحيد لتحقيق الشرعية بدون الأستحقاق النضالي الذي يأتي نتيجة للإستبعاد والأستثناء والأجتثاث وتزوير الأنتخابات وتسييس القضاء.

والنضال كالسلعة التجارية المطروحة في سوق السياسة، كلما كانت تؤدي لنتيجة تغني أصحابها وترفع أقدارهم كلما كانت تتبع وتشترى، لكن إذا لم تؤدي إلى نتيجة وإذا حل الأستحقاق الأنتخابي محلها فلن يشتريها أحد.

جائت الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان بنسخة مخففة من الديمقراطية وساندت حكومات تستبعد المعارضة فلم تؤدي إلا إلى عدم الأستقرار وإلى زيادة قوة المستبعدين وإضعاف ما تبقى من الديمقراطية وإلى إستمرار الوضع القائم، فلم تأتي الولايات المتحدة في واقع الأمر بجديد.

The End

وهكذا تكلم مهاتير

December 7th, 2014

تكلم رئيس الوزراء السابق لأتحاد ماليزيا مهاتير محمد في منتدى كوالالمبور فقال كلام ذو معان عميقة، كانت كلماته على شكل نصائح للشعوب العربية المتناحرة وكانت أولى نصائحة أن تساهم جميع الفصائل والمكونات بلا إستثناء..بلا إستثناء في حوار مفتوح! ويتوقع فيه أن يقدم الجميع التنازلات من أجل المصلحة العامة ومن أجل تحقيق الأستقرار الذي يؤدي إلى النمو الأقتصادي والأمن الأجتماعي.

بالمقارنة مع أحزاب وفئات الشعب العراقي نواجه بجدار من الأستحالة من أول خطوة يقترحها مهاتير، فجميع الأحزاب التي جائت مع الأمريكان طالبت وتطالب بأستثناءات وإستبعادات وشروط من أجل مشاركتها في العملية السياسية، ودكتاتورية صدام حسين تشهد عليه وأحزاب اليسار التي إستقوت بعد 14 تموز ونادت وما تزال بالديمقراطية كانت في الواقع من أشد الممارسين بأستبعاد معارضيهم. و قبلهم في العهد الملكي فقد حوربوا وأستبعدوا من العملية السياسية.

وهنا نرى تاريخاً مستمراً ومتصاعداً من ممارسة الأستبداد و إستبعاد المعارضة وظاهرة الضحايا التي تتحول بين يوم وليلة إلى مجرمين ومدانين بنفس الجرائم التي أرتكبت بحقهم، ويبدو لي أننا نبتعد شيئاً فشيئاً عن الشرط الأول والأساسي لنصائح مهاتير في سبيل السير على طريق الأستقرار. ونحن اليوم نتسائل إلى متى تستمر هذه الحلقة المفرغة وما هي الظروف أو الشروط التي أدت إلى هذه الظاهرة المدمرة وما الحلول التي قد تؤدي إلى إنكسار الأستمرارية؟ هل نستسلم إلى أنتظار المخلص الذي يستطيع تنفيذ سياسة مهاتير محمد أو غاندي أو مانديلا؟ وهل يمكن أن تكون الحلول بهذه الصعوبة وهل العلة فينا أو في ديننا أو عروبتنا أو مجتمعاتنا؟

صورة الحل تعتمد على المشاهد ورؤيته للواقع، إذا كانت الرؤية تبدو وكأنها مشكلة فردية، أي تعتمد على شخصية القائد، فلابد أن يرى المشاهد عجزه وعجز الذين من حوله في أختيار الرئيس المناسب أو تغير نفسيته أو تغيره بآخر ممن يتمتع بصفات الصدق والثبات، لذا فهو لا يرى سوى الإنتظار لحين ظهور القائد المخلَص. أما إذا شاهد الواقع كمشكلة أجتماعية، أي أنها جائت بسبب ضعف المؤسسات أو غياب المسائلة أو عدم إستقلال القضاء، فسوف يبدو الحل على صورة تغيرات هيكلية بدون شخصيات بطولية ولا إعتماد على ضربة حظ تعتمد على إخلاص وبعد نظر قائد من طراز الملك فيصل الأول، بل قد تبدو أقرب للتحقيق وليست ضرباً من الخيال، فالأفراد الفاسدون من العراقيين والأجانب الذين لا يتورعون في إختلاس الملايين والقتل والأفتراء داخل العراق لا تراهم يختلفون عن أي مواطن أوربي أو أمريكي في أتباعه للقانون في بلده عند سفره لبلاد الغرب.

مشاركة الجميع بدون إستثناء وإستعدادهم لتقديم التنازلات هو الشرط الأول والأساسي لتحقيق الأستقرار، والجميع هنا هو جميع العراقيين وليست القوى الأقليمية والدولية وكل من تدخل بالأموال والقوى في سبيل حماية مصالحة الخاصة.

The End

ليست العدالة كالهدف الذي يخطأ أو يصاب

November 30th, 2014

تناولت وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي نبأ إصدار حكم الأعدام المفاجئ على النائب السابق أحمد العلواني، وتسائل الكثيرون عن حيثيات الحكم وإجراءات العدالة وأضاف آخرون ملاحظاتهم عن توقيت الحكم وتسييس القضاء، ومن ناحية أخرى وعلى الضفة المصرية أصدرت محكمة حكما ببرأة الرئيس السابق حسني مبارك وبطانته من تهم قتل مئات المتظاهرين في ميدان التحرير. وتتركنا هذه الأحكام نتسائل عن الخطأ والصواب وعن عقلية القضاة وتأهيلهم ومن إختارهم ووضعهم في مواقعهم.

تشترك الأحكام في ظاهرة واسعة الأنتشار في مناطقنا العربية وهي عدم إستقلال القضاء وتدخلات الحكومة التي يتقبلها بعض القضاة والمحامين وكأنها طبيعية ومتوقعة، وقابليتهم على تبريرها تكون جزء من دراستهم وواجباتهم وشطارتهم.

وبيننا الكثيرون ممن يحمل النظرة التشاؤمية ويتمنى أن يأتي اليوم الذي تتم فيه العدالة وتكتمل الصورة وتملأ جميع الفراغات بمتطلبات شروط إستقلال القضاء وتحصل هذه اللحظة التامة الطمأنينة والكاملة المعاني وكأنها لوحة مرسومة في مخيلاتنا.

وهنا تكمن المشكلة، نحن نتخيل العدالة وكأنها هدف نسعى لتحقيقه، وحينما نصل إليه فلا نحتاج لعمل المزيد، ومن صفات هذا الهدف إجماع المساهمين في جزئياته على تحقيق هذا الهدف، فالقضاة والمحامون يتمتعون بكامل النزاهة والكفائة والشرطة تعامل الجميع بالتساوي ولا تستلم الرشاوي والناس كاملة الثقافة وتحترم سلطة الدولة ومؤسساتها. طبعا هذه الصورة ليست سوى طوبائية ومثالية أفلاطونية مستحيلة التحقيق لكن المقترحات والسياسات الحالية تعكس بساطة التفكير ومثالية أفلاطون وتخيلات ثابتة لا تتغير على مر العصور وبأختلاف الدول والمجتمعات.

الواقع كما أتصوره يرى القضاء المسييس في جميع الدول والفرق هو في عمل المؤسسات. المؤسسات التي تحاسب على سلامة الأجراءات وتعقب الفساد ومحاسبة المفسدين تمنع تعطيل العدالة لكنها تعمل ببطئ وتعمل بالسمعة. لقد غابت مؤسسات المحاسبة لدينا فحلت محلها تمنيات طوبائية وسياسات تعويضية مثل معالجة التسييس بالتسييس المعاكس ، والحل ليس بتغيير السياسات وإنما بأعادة عمل مؤسسات الدولة والحفاظ على إستقلاليتها.

The End

تقلص خيارات التقشف

November 2nd, 2014

عدت منذ بضعة أيام من رحلة لزيارة الأهل في عمان، ولابد أن يتجه أي نقاش بين العراقيين هذه الأيام إلى موضوع داعش وما يعنيه إستمرار المواجهات .

يتصور البعض أن أعتدال سياسة الدكتور حيدر العبادي هو كفيل بجمع شمل العراقيين بمختلف طوائفهم وتحقيق النصر العسكري على الدواعش، لا سيما وأن التحالف الدولي متعاطف مع الحكومة العراقية ويساهم لدرجة ما في ضرب المصادر المالية كمصافي وآبار النفط في المنطق التي تسيطر عليها. الحقيقة أن الموارد المالية لجميع الجهات قد شحت مما يدفع جميع المنظمات المنضوية تحت رايات الحكومة العراقية والسورية وجميع المعارضين لهما إلى ممارسة جرائم الخطف والإبتزاز، ومما يرغم الحكومة العراقية على الأمتناع عن تقديم الدفع لحلفائها في المناطق المنكوبة بداعش. أعتقد أن الموقف الآن خارج عن تحكم القوى الأقليمية والدولية والنتائج لا يمكن التنبؤ بها مهما أكتمل التنسيق وإزداد الدعم الدولي للضربات الجوية. المعركة الآن فيها بعد إعلامي أهم من اللوجستي والجهة التي تنجح في تحقيق النصر الأعلامي سوف تنجح في كسر إرادة الطرف الآخر. هذا ما يفسر تعلق داعش والتحالف الدولي المستميت ببلدة كوباني غير ذات الأهمية الأستراتيجية من أجل تحقيق نصر معنوي هزيل.

لذا بغض النظر عن أعتدال العبادي فأن التقشف المالي يضع الحكومة العراقية أمام خيارات عسيرة: أما أن تدعم حلفائها وتلتزم بالحل العسكري أو تساعد العشائر الأنبار والموصل وتحاول شق صف غرمائها وتسعى للحل السياسي .

The End

لا لتسييس القضاء نعم لأستقلاله

October 5th, 2014

مع تزايد مقالات التوصية لرئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي تجيئ مقارنات مع عصورخلت من القادة العراقيين. وفي هذا السياق فقد أجتذبت إنتباهي قصة حصلت في عهد الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف الذي عرف عنه إعتداله حتى قيل عنه أنه هو فيصل الثالث. وهذه هي القصة بكاملها كما ذكرها الصديق حسين الحلي على الفيس بوك:

في عهد الرئيسن عبد السلام واخيه عبد الرحمن عارف كانت العلاقة مابينهم وبين المرجع الديني الاعلى سماحة السيد محسن الحكيم ( قدس سره ) تسودها الوئام والتفاهم الكامل خصوصا في الامور التي تتطلب الرأي او المشورة من السيد الحكم فكثيرا ما كان يبعث الرئيسان مندوب عنهما للسيد للتداول ومعرفة وجهة نظره وكانو يبعثون رئيس الوزراء شخصيا .
في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف في احد القرارات تطلب معرفة رأي السيد الحكيم فذهب رئيس الوزراء المرحوم طاهر يحيى الى النجف للقائه .
وبعد المناقشة مابين رئيس الوزراء والسيد الحكيم حول ما جاء من اجله ، وجه السيد الحكم نقدا الى طاهر يحيى قائلا ( ابو زهير انت وابو قيس
( يقصد الرئيس ) ولد حمولة بس عتبي عليكم كبير ) فقال رئيس الوزراء خير سيدنا سامع منا شيئ ازعجكم فاجابه السيد التعينات في الدولة تمشي لاسماء وتتوقف لاسماء اخرى ايصير هيجي شيء وين العدالة ، فهم رئيس الوزراء مقصد السيد فقال سيدنا لا رئيس الجمهورية ولا اني ولا اي واحد من الوزراء نستطيع تعيين مؤظف واحد بالدولة .
تعجب السيد الحكيم وقال كيف ذلك يا ابو زهير ليش اكو دولة اخرى اتعين ؟
فقال طاهر يحيى الي مسؤول عن تعيين الموظفين بالدولة مجلس الخدمة وهاي لها سلطة خاصة لايمكن لنا التدخل في عملها ورئيس المجلس شخص من عائلة معروفة من عوائل النجف ( بيت زلزلة ) وهو من عدكم وبيكم وكل واحد بتعين يدخل امتحان واسم المتقدم للتعيين لايقدم ولا يؤخر المهم ان ينجح ورئيس مجلس الخدمة على طول يزور عائلته في النجف من يحضر ابعث في طلبه واسئله اذا تحب وهو يجاوبك
فقال السيد الحكيم ( قاتل الله كل من ينقل لنا اخبار مغلوطة )

والعبرة هنا ليست في لباقة طاهر يحي ولكن في إحترام مؤسسات الدولة وإستقلاليتها، لأن مسار التصحيح يبدأ بالمؤسسات وتترك لكي تؤتى ثمارها بالتدريج وبالتساوي بين طوائف وفئات الشعب.

أن الذين يوصون العبادي بتسييس العدالة وبإنعكاس أخطاء المالكي بإجراءات إنتقامية لا يقدمون حلولا حقيقية بعيدة المدى .

The End