العذر أقبح من الفعل

January 27th, 2013

يعيد ويكرر مناصري الحكومة تفسير الإنتقائية في تطبيق القضاء، أو ما قد يوصف بأنه تسييس القضاء، يقولون لو طبقنا القضاء على الجميع فسوف تقوم القائمة علينا من حلفائنا، وهذا إعتراف ضمني بأن الحكم لم يكن بالتساوي وأن القرارات المهمة أصبحت تتخذ بدافع الخوف، وأيضا وبطريقة لا تشوبها الشكوك فأنها تعني أن الحكومة ليست بشراكة حقيقية حسب إدعائاتها منذ البداية، فالشركاء تمت محاسبتهم بمعايير مختلفة، ولم تكن المعايير متساوية قط.

وتأتي أحداث اليوم في تظاهرات الفلوجة والموصل أختبارا قاسيا لهذا المنطق الضعيف: لماذا لا يسيس القضاء لصالح المتظاهرين والدنيا مقلوبة؟ أليست هذه الحكومة حكومة مشاركة والجميع لهم تمثيل في الوزراء أم هي الأنتقائية؟ والحساب يطبق على المتظاهرين وليس على مسلحي الحكومة؟

أن الحكومة تواجه اليوم مأزقا حقيقيا، لو أطلقت سراح المعتقلين السياسيين فسوف تواجه قصص التعذيب والأغتصاب وطلبات التحقيق ومحاسبة حلفائها الذين لم تستطع محاسبتهم أصلا، وأن أهملت مطالب المتظاهرين وأستمرت بأستراتيجية شراء الوقت وتشكيل اللجان والتسويف فالضغط سوف يزداد حتما عليها، وطبعا هنالك خيار الغوريلا الذي لا يعرف سوى ممارسة العنف وقتل المستضعفين وهو في تصفية المعتقلين، وللأسف هنلك بعض الدلائل التي تشير إلى لجوء الحكومة لهذا الإتجاه.

أن الموقف اليوم لا يحتمل التصعيد والإدعاء بالحرص على وحدة العراق يحتاج للدليل في العمل، والذي يطبق معايير قضائية مختلفة على أبناء الشعب الواحد لا يمكن أن يكون عاملا على وحدة الوطن مهما إدعى غير ذلك.

The End

تدويل التعداد والإنتخابات..لماذا؟

January 5th, 2013

كانت إحدى مطالب المتظاهرين في الأنبارهي الإشراف الدولي على تعداد السكان قبل الإنتخابات، وقد فسر بعض المحللين السياسيين هذا الطلب بأنه من أجل تحديد التغيرات السكانية التي تلت 2003. نرى أن هذا هو أحد الأسباب وليس جميعها لأنه نظرة إلى الخلف ولا يغير شيئا على أرض الواقع، فقد تغيرت التركيبة السكانية الأصلية لكركوك ولا سبيل لعكسها وأكتسب الكثيرون من غير العراقيين الجنسية وسوف يصعب تجريدهم منها إن لم يستحيل ذلك. وقبيل ذلك تقدم السيد رئيس الوزراء بأربع خيارات لحل الأزمة بينه وبين المتظاهرين وأكد تفضيله لخيار حل البرلمان وإجراء إنتخابات عاجلة، وأكد ذلك عضو البرلمان ومستشار الحكومة عزت الشابندر الذي توقع إستقالة الحكومة وحل البرلمان خلال 48 ساعة.

وقد يرى الكثيرون في هذا الطريق مخرجا آمنا لكننا نرى فيه خطورة إعادة أخطاء الماضي، فالإنتخابات السابقة قد شابها الشبهات وفقد فيها خلال إعادة الفرز 700 الف صوت يعتقد أنها ذهبت جميعا من أصوات الأحزاب المجاهرة بالتصدي لأيران، وكانت النتيجة أن هذه الأحزاب لم تحظى بأي مقاعد في البرلمان. ونرى التحشيد الإعلامي قد إبتدأ من الآن ونخشى أن النتيجة الجديدة سوف تأتي على نفس الطريقة، لكن هذا سوف لن يحل مشاكلنا ولن يؤدي إلى الإستقرار المطلوب هذه المرة، بل أنه سوف يفسح المجال لمجابهات ساخنة تعكس الصراعات الأقليمية.

وفوق كل ذلك يأتي خطاب عزت الدوري الذي يحتوي على عبارات تحشيدية طائفية وبالمقابل خطابات نارية من قيادات أيران مما يضع الخيار العاطفي الصعب أمام الناخب العراقي: أما رجوع البعث أو التدخل المباشر من أيران، وقد تناسب هذه الصيغة أطراف التطرف التي تدفع بالمعادلة بقوة في وجه الناخب لكنها تتجاهل القوى التي في الوسط التي ترفض الخيارين، والدفع نحو التطرف مع إعتصار الوسط المعتدل هو سيمة الشرق الأوسط وأحداثة المعاصرة، فالتطرف سلعة رائجة في سوق عملته الخوف ومن لدية منفعة من الطائفية والإحتقان ما عليه إلا الدفع بالخوف وإستلام سلعة التطرف.

أن تدويل التعداد مع إعطاء الفرصة لتحديد الطائفة والقومية لمن شاء ذلك سوف يقطع الطريق أمام التقديرات الإعتباطية للنسب السكانية فمن غير المعقول تقسيم الدخول والمحاصصة وحتى إستباب الأمن بدون الرجوع إلى تعداد سكاني معتمد، ومن ناحية أخرى فأن شفافية ونزاهة الإنتخابات لا يمكن ضمانها بإشراف حكومي مباشر بعد تجربة إنتخابات 2010 التي تبين عدم حيادية الأجهزة الحكومية وعدم إستقلال القضاء.

لذا نرى أن الدعوة لأنتخابات عاجلة بدون ضمانات نزاهة وإشراف دولي ما هو إلا تصعيد مقنع ودعوة للأطراف الخارجية بالتدخل الساخن في حال إعادة سيناريو الإنتخابات السابقة، وندعو ثانية إلى إشراف دولي على تعداد السكان والإنتخابات .

The End

Anniversary of US Troops Departure from Iraq

January 4th, 2013

Around this time last year all U.S. troops left Iraq permanently, on 2nd January 2013 I was interviewed about this anniversary by the CBC Radio program Home run (FM88.5 in Montreal). I would like to thank the Home run team, particularly Jeanette Kelly the holiday host and Brendan the researcher.

Questions that came up during the interview were about the Arab Spring and the likelihood of stability in Iraq, I suggested that a U.N. run census and elections is still the most promising political alternative to violence in my opinion. Today some of Iraq’s provinces are in turmoil and the protesters listed their demands of the central government, one of the most prominent is a U.N. run census. I am pleased to see this demand is finally gaining recognition and proud to be part of the group which sowed the seeds in Montreal in 2006 when we had our petition for the same.

The End

درب بْغَداد إنكطع

December 29th, 2012

كنا في المدارس نردد البيتين التاليين من شعر الربابة

درب بغداد إنكطع كطعوه الخيالة
أهل الجفافي الحمر والعكل ميالة

ولم يدر في بالنا أن بالإمكان حقاً قطع الطريق عن بغداد لكننا نرى هذا قد تحقق اليوم نتيجة لسياسات وقرارات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مفرقة للصف ولا تدعو لوحدة الوطن.

يشكل تحدي الأنبار وبقية المحافظات بما فيها الجنوبية أختبارا قاسيا لمصداقية الحكومة، والرد أصبح متوقعا وهنالك تلويح بأستعمال القوة للتعامل مع الأنبار، وهذا الرد يجلب معه أخطار عدة فهو قد يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية من جميع الجهات وإذا تم التعامل مع مطالب المحافظات بصورة طائفية فقد تؤدي إلى عودة أحداث 2006 أو أخطر منها نظرا لتغير الأوضاع في سوريا.

طرف المعادلة الأهم في الوقت الحاضر هو أيران التي تهدد بالتدخل المباشر في العراق لحماية ما تبقى من نفوذها المتراجع في المنطقة، وقرار الحكومة العراقية في كيفية الأستجابة لمطالب الأنبار سوف يحدد رد فعل أيران، إذا قررت بغداد التصعيد بالعنف فسوف تضطر طهران لرفع أستثماراتها العسكرية والمدنية في العراق وهذا سوف يستنزف المزيد من وارداتها المتناقصة بسبب الحصار العالمي وسوف يضعف من أستعداداتها لمواجهة التحديات الأمريكية والأسرائيلية، وقد يكون هذا الأمر مما يريده الأمريكان على المدى البعيد وخصوصا إذا طالت فترة الإستنزاف ونجحت العشائر الأنبارية بكسر الطوق الحدودي مع سوريا والأردن واستلمت التعزيزات من الخارج. لكن الخطر الأكبر على الحكم يكمن في إشعال الحرب الطائفية وتداعياتها في الوسط والجنوب، فالمراهنة على الولاء الطائفي للعشائر العربية في الوقت الحاضر يبدو وكأنه أمرا شديد الحماقة.

بعض خبراء الأستراتيجية العسكرية القدامى في العراق أوصوا لأسباب عديدة بنقل المواجهة مع أيران إلى داخل الأراضي العراقية، يبدو أن الأحداث الحالية .تسوقنا رغما عنا، بل وبقرارات محصورة بيد حكومتنا الرشيدة، نحو هذا السيناريو.

The End

ماذا وراء العدوانية المفرطة في الشخصية العراقية؟

December 16th, 2012

تناقشت مع أصدقاء مقربين في جلستنا الأسبوعية حول موضوع العدوانية وأشكالها المفرطة التي نراها بإزدياد في مجتمعنا في العراق، وذُكرت وقائع عديدة تقشعر لها الأبدان فمن أراد تسميم رئيسه في الدائرة لمجرد تفقد الرئيس لثلاجة القسم وإكتشافه أن الموظفين قد تركوا مكاتبهم لفترة الغداء وأطالوا وتبضعوا في مناطق بعيدة، ومن أراد حرق دار جاره بالبنزين لأنه تأخر في سداد ما عليه من وعد ودين، ومن أمثلة كثيرة على الفصل العشائري الجائر والمفرط بأي مقياس من المقاييس وتسائلنا عمَا وراء هذه الظواهر الغريبة وهل هي محدودة أو عامة تطال جميع أفراد مجتمعنا، ثم مالعلاج ومن هو المسؤول وهل نستطيع تحميل شخصا واحدا أعباء الإصلاح حتى لو كان رئيسا للحكومه؟ ومما أثار المزيد من الفضول هو ثقافة العديد من الذين إرتكبوا هذه الأعتداءات، فمنهم الكثيرين من حملة الشهادات العليا والمبعوثين للخارج لكنهم من الذين ساهموا في عمليات مشينة مثل السحل والقتل للعائلة المالكة السابقة والإعتداءات على الأعراض والممتلكات وغيرها.

وبالمقارنة مع ما يحدث هذه الأيام في محيطنا الكندي والأمريكي فلا يخلو المجتمع هنا من أعمال رهيبة كقتل الأبناء والآباء وأطفال المدارس وجميعها تنم عن شخصيات مضطربة وأمراض نفسية، لكن الشرطة المحايدة والعدالة العمياء تقفان بالمرصاد ووسائل الإعلام لا تألو جهدا في الكشف عن غموض الجرائم وعموما يحصل هذا بدون تسييس أو خشية من عقاب.

وفي سياق موضوعنا نتسائل إذا كانت العدوانية لدينا شبيهة بما في المجتمعات الغربية، أي أنها تأتي نتيجة لأمراض نفسية وظروف فردية، أم أنها تختلف وتنتج عن أخلاقيات ونواقص إجتماعية. نجد أن المقارنة تؤدي إلى أستنتاج بأن العدوانية لدينا هي نتيجة لأخلاقيات وظروف إجتماعية، علما بأن الإختلاط بالمجتمعات الغربية التي تمنع الفرد منا من هذه الممارسات لم تؤدي إلى زوال الممارسات حين عودتنا إلى الوطن وهذا يعني أن شيئا ما في المجتمعات الأخرى يمنع تفشي العدوانية وهذا الشئ مفقود في مجتمعاتنا، والخلاصة هي أن عدوانيتنا لها مسببات إجتماعية وليست نفسية بالدرجة الأولى وعلاجها ليس على المستوى الفردي، أي ليس بالتعليم أوبالإلتزام الديني أو الأخلاقي أو بالعلاج النفساني، وإنما بالتغيير الهيكلي وبتفعيل المؤسسات والإبتعاد عن تسييس الشؤون الإدارية والقضاء على الفساد.

لا شك أن أخلاقيات البادية المترسبة من عصور خلت والمتمثلة في غياب مؤسسات العدالة والمحاسبة والرجوع إلى العشيرة التي تسند المرء في عدوانه وغزواته توفر الأمثلة المناسبة من خلال الأشعار والأساطير للتصرفات العدوانية، لكن توفير قصص البطولة ليس كمنع العقاب وإلغاء الردع وتعطيل العدالة.

وبالتحديد نجد أن آلية الردع للقوانين والعدالة المعصوبة العينين التي لا تفرق بين مجرم مقرب لذوي النفوذ وآخر بعيد هما الغائبتين الأساسيتين في تفشي العدوانية ، وأن ما أدى إلى غيابهما هو الإنتقائية في العدالة. من المحزن أن نرى العديد من المتنفذين الذين يرغبون في تطبيق العدالة ولكن على من يرونهم أعداء لهم وليس على شركائهم، وهم يعتقدون بأن تسييس القضاء والإنتقائية هما من ضروريات السياسة وشطارة مبررة أو مفروضة جورا عليهم من قبل المحاصصة، ونحن نرى أن الإنتقائية وغياب محاسبة المسؤولين لدرجة غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث تلغي آلية الردع للقوانين وتهدد كيان الدولة وتفسح المجال أمام أخلاقيات البادية وتفشي العدوانية لتأخذ حيزا كان محتكرا لمؤسسات الدولة، لذى فأول ما ينبغي عمله هو تفعيل المساواة وإرجاع الهيبة للقضاء المفقود في العراق.

The End

إستقراء إشارات الدخان السورية في العراق

December 8th, 2012

نشرت وسائل الإعلام الأسبوع الماضي خبرا عن هجوم للقوات الحكومية السورية على ضاحية من ضواحي دمشق، وتضمن الخبر سطرا واحدا عن إستعمال هذه القوات خراطيش من الغاز السام ضد المواطنين، ولم يثير هذا الخبر الإهتمام في الشرق الأوسط لكن يبدو أن هذا العمل قد تخطى الخط الأحمر لسياسة الولايات المتحدة، فقد سارعت وزيرة الخارجية والرئيس أوباما بإطلاق التحذيرات بعقوبات لم تحددها ورددت المجموعة الأوربية قلقها وهنالك المزيد من التقارير التي تشير إلى خطط وإستعدادات لأستخدام واسع النطاق في داخل العاصمة من أجل “حسم” المعركة لصالح الحكومة والقضاء على مجاميع الجيش الحر التي باتت تحتل العديد من ضواحي دمشق.

تتوالى التقارير في سياق التصعيد من إنسحاب فريق الأمم المتحدة من سوريا وغلق بعض السفارات الغربية في دمشق وبيروت وتصريح الملك عبد الله بأن الأردن ليس مستعدا للمشاركة في التدخل المباشر في سوريا، ومما هو ذو مغزى أهم إدعاء وفد الحكومة السورية في الأمم المتحدة بالخشية من إستعمال الجيش الحر للغاز السام بعد إستيلائه على مصنع لغاز الكلور، وليس المغزى هنا في مصداقية هذا الإدعاء فالكلور يستعمل في تصفية المياه وليس من السهل إستعماله كغاز سام، لكن المغزى في أستعداد الحكومة السورية لأستعمال الذرائع الضبابية لتغطية الهجوم على الشعب الأعزل مما يشير إلى وجود النوايا السيئة في الأصل.

رغم هذه المؤشرات الصارخة تبدو وسائل الإعلام في الدول المجاورة مشغولة في تفاصيل ومجابهات ليست ذات صلة والمراقبون لا يستطيعون تقديرأهمية الأحداث الجسام التي تدق على الأبواب، ولو إستقرأنا أشارات الدخان المتصاعدة في سوريا لرأينا أن التداعيات الأهم تقع على كاهل العراق، فإنهيار نظام الأسد سوف يؤدي إلى نزوح أعداد كبيرة من الشبيحة والمجرمين وأفراد الجيش والمنتفعين وعائلاتتهم، ولن تستطيع لبنان والأردن إستيعابهم وستواجه مساعيهم بإختلاق دولة ساحلية معارضة تركية قوية، لذا فمن المتوقع أن يكون العراق وجهتهم الأساسية.

أن الحكومة السورية تواجه الآن موقف “كش ملك” لا تحسد عليه، من ناحية لا تستطيع المجازفة بأستعمال الغاز السام لأنه خط أحمر لدى الغرب ومن ناحية أخرى لا تستطيع الإنتظار طويلا فخطوط الإمداد والموارد من روسيا وأيران في تقلص، والعامل الأهم من الخطوط الحمراء هو تماسك الجيش الذي لا ريب سوف يتجزأ نتيجة لأستعمال الغاز في مناطق سكنية تحتوي على ذوي العديد من أفراده.

The End

هل سيتكرر سيناريو الدستور العراقي في مصر؟

December 2nd, 2012

قال لي أحد الأصدقاء المصريين في السبعينات بعد أن لاحظ تكرار الثورات بين مصر والعراق في تلك الفترة، قال أن العراق يكرر ما يحدث في مصر، لكنه يأتي متأخرا قليلا وإلى اليسار قليلا، والرمز إلى اليسار هنا يقصد منه التطرف، فالثورات والمواجهات في العراق كانت وما تزال أكثر تطرفا ودموية مما يحصل في مصر. وما يحصل الآن في مصر يذكرنا بما حصل في العراق حينما حشر إستفتاء الدستور في بلعوم العراق وتمت طبخة الموافقة عليه بعد أن أعيد فرز الأصوات في نينوى لكي تظهر الموافقة بعد أن كان التصويت بعدم القبول واضحا للعيان.

ونرى ما يحدث الآن في سرعة الموافقة على دستور الأخوان في مصر وإعلان الإستفتاء عليه خلال أسبوعين، وهنا نتسائل إذا كان التأييد له والموافقة عليه بين الناخبين واسعة وعلى نطاق أوسع من الأصوات التي أدت إلى فوز الأخوان في الأنتخابات العامة، فالدعم للإخوان والسلفيين قد لا يكفي لتمرير الدستور. لذا نرى أن الظروف مؤاتية لتكرار سيناريو الدستور العراقي إلا إذا حصلت مقاطعة واسعة من أحزاب المعارضة، فهذا سوف يخدم إقرار الدستور بدون الحاجة إلى الأساليب المعروفة.

The End

حسابات مرسي الخاطئة

November 24th, 2012

أثارت قرارات الرئيس المصري محمد مرسي الأخيرة التي لا تقبل النقض من قبل السلطات القضائية حتى إقرار الدستور الجديد، والذي هو بدوره قد أصبحت كتابته تحت رحمة الإخوان المسلمين بعد إنسحاب الأقباط والليبراليين من لجنة كتابة الدستور، أثارت ردود الفعل العنيفة والتظاهرات في ميدان التحرير بين معارضيه والدهشة بين المراقبين الحياديين، ولكي نتفهم عامل الدهشة علينا بالرجوع إلى الإنتخابات التي أدت لفوز مرسي وموقف المجلس العسكري الذي أشرف على الإنتخابات وقبل على مضض فوز مرشح الإخوان والإسلاميين، حيث كان من المعروف أن المجلس يفضل فوز المرشح الآخر: أحمد شفيق.

كان من المعتقد أن يلجأ المجلس العسكري للغش وذلك لضمان فوز مرشحه في الإنتخابات لكن يبدو أن المظاهرات المستمرة والتوقعات الرائجة في حينها قد أقنعت المجلس بالإبتعاد عن التدخل في صناديق الإقتراع، لا سيما وأن مراقبي الصناديق متنوعين والأفواه عديدة والتاريخ يلقننا بأن الأسرار السياسية في مصر لا تبقى أسرارا لفترة طويلة . العبرة هنا في السبب الذي أدى إلى نزاهة الإنتخابات، لم يكن هذا السبب قوة الإخوان أو كارزما المرشح محمد مرسي، بل كان زخم الربيع العربي والجماهير الواسعة من غير المنتمين لتيار الإخوان من الذين أظهروا إستعدادهم للمجازفة بالخروج في مظاهرات وإحتجاجات إذا ما فاحت رائحة الفساد من طبخة الإنتخابات.

نال الرئيس مرسي الكثير من الإطراء والتقدير بعيد وساطته بين إسرائيل وحماس للوصول إلى إتفاق وقف إطلاق النار وحقن الدماء في غزة، ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى زيادة شعوره بالثقة بالنفس، وجاء التعبير عن ذلك سريعا وبعد 24 ساعة فقط من إعلان الهدنة حين كشف الرئيس المصري عن قراراته الكاسحة. والدهشة لا تأتي فقط من سرعة القرارات والتي قد تفسر بأنها تعبير عن ضعف الثقة بإستمرار الهدنة، ولكن من توسيع تفويض الرئيس على حساب الإتجاهات والتيارات التي ضمنت نزاهة الإنتخابات والتي تستطيع أن تضمن نزاهة الإنتخابات الجديدة والتي قد لا تجيئ بنتائج تسر الرئيس.

جائت قرارات الرئيس مرسي الأخيرة بدلائل جديدة على عدم ثقته بنزاهة العملية السياسية التي أدت إلى فوزه أصلا في الإنتخابات، وهذه نتيجة من نتائج القرارات المتسرعة التي تستدعي إعادة النظر و ترجيح إلغائها حفاظا على تماسك الجبهة الوطنية.

The End

جذور الإنتهازية

November 17th, 2012

الأنتهازية في المسرح السياسي العراقي ظاهرة جديرة بالأهتمام بسبب إنتشار تابعيها وسادتها ومقلديها، ومما يثير الأزدراء والنفور ومما يميز إنتهازية عصرنا هذا إستعمال الرموز الدينية من أجل الوصول إلى غايات مادية ومصالح ذاتية ومن أجل الإستحواذ على المال العام والفساد الإداري المنتشر إنتشارا غير مسبوق النظير. وحفزتني مقالة جيدة لحميد الكفائي بعنوان “الحسين إمام الإيثار والتضحية، أما الانتهازيون فليبحثوا عن إمام آخر” للكتابة حول موضوع الإنتهازية.

تذكرت حادثة لأحد أقربائي في أحداث الشغب في عام 1959 وقد لا تبدو ذات صلة بموضوع الإنتهازية لأول وهلة، فقد كان قريبي هذا عائدا من العمل حين إستوقفة مشاغب بيده آجرة (طابوكه) مهددا وسأله: أنت شيوعي لو بعثي؟ فرد عليه قريبي لست هذا ولا ذاك. قال المشاغب: مايصير، أنت لو شيوعي لو بعثي لو إنتهازي. فقال له القريب بإستسلام: أنا إنتهازي بس كف عني ولا تكسر زجاج السيارة..

العبرة هنا في قلة الخيارات التي يمليها المشاغب ومن ورائه الوضع الإرهابي الذي ساد في ذلك الوقت، وفي وقتنا هذا لا يختلف الحال كثيرا، فالخيارات محدودة والإنتهازية خيار يحمي صاحبه من الأذى مثل كسر الزجاج. لكن تساؤلنا هو: مالذي أدى إلى هذا الوضع السائد في كثرة الإنتهازيين؟ والجواب بكل بساطة يكمن في الإستحقاق، مالذي يحدده في نظراصحاب السلطة والقرار؟ والمشاغب يحمل سلطة التخريب وليس أمامه إلا تحديد ولاء الدخيل على ما يراه من إستحقاق لسلطته.

أنني أرى أن هنالك ثنائية لتحديد الإستحقاق السياسي والإداري في بلادنا، وقطباها المتصارعان هما بين الإستحقاق النضالي والإنتخابي، وهو صراع غير متكافئ فالإستحقاق النضالي هو الفائز التقليدي نتيجة لتعديات السلطة على مر العصور على نزاهة الإنتخابات، مما يفقدها مصداقيتها وفائدتها كأداة لتحديد الإستحقاق لشغل المناصب والإنتفاع من موارد الدولة والإشراف على إدارة مرافقها.

ونظرة سريعة على تاريخ العراق الحديث تصور لنا ديناميكية الصراع، فالعهد الملكي على الرغم من محاسنه العديدة وخصوصا في بداياته لم ينصف المعارضة اليسارية إنتخابيا بتبرير نضالي، ونرى أن أغلب التبريرات لتزوير الإنتخابات هي تبريرات نضالية، أي أن الجهات المهمشة لم تشارك في النضال ضد الحكم السابق والحرية والتمثيل للفائزين في النضال حصرا. وتلى ذلك حكم عبد الكريم قاسم الذي إستقوى فيه اليساريون الذين كالوا الصاع صاعين وهمشوا الملكيين والبعثيين والقوميين وكانت هنالك إنتهازية في جانب اليسار، وبعدها جاء البعثيون وهمشوا بدورهم وكانت الأنتهازية طريق النجاة وأسلوب الفوز بالمناصب أو على الأقل البقاء فيها في غياب أو تغييب المعارضة وحضور الإنتخابات الصورية، ونحن الآن في حكم ما بعد الإحتلال وممارسة إجتثاث البعث والإستحقاقات الطائفية والخطوط الحمرومن باب أولى أن تزداد الإنتهازية وتتضاعف نتيجة لإعادة فرز الأصوات، والتي أبعدت الجهات الغير مستحبة ومنها من مارس التهميش والتسلط في أوانه، و لا نستبعد تغيير حتمي آخر فدوام الحال من المحال لكننا نتمنى أن نصل إلى إستنتاج منطقي قبل ذلك، فإذا أردنا نهاية الإنتهازية فعلينا أن لا نهمش المعارضين ونعتمد الإستحقاق الإنتخابي لأن الإستقطاب والتهميش هما الأسباب الحتمية لتفشي الإنتهازية.

The End

إلغاء صفقة الأسلحة الروسية لا تعني محاربة الفساد

November 11th, 2012

قيل الكثير عن صفقة السلاح بين العراق وجمهورية روسيا الأتحادية الأخيرة، وملخص ما قيل هو أن مجموع العقود التي تم التوقيع عليها كانت بنحو 4 بلايين دولار، وأكتشف أن الصفقات تمت بدفع عمولات ضخمة لأشخاص مقربين من رئيس الوزراء وأن مصادر المعلومات التي أكدت العمولات لرئيس الوزراء العراقي كانت من شخص رئيس الوزراء الروسي وحاشيته، وقيل أن رئيس الوزراء العراقي قد رفض إتخاذ الأجراءات القانونية بحق الذين إستلموا العمولات لأن ذلك سوف يخلق حرجا لأحزاب الحكومة وقيل أن العقود قد ألغيت نتيجة لذلك وأعلنت السلطات الروسية أن الإلغاء جاء نتيجة لضغوط أمريكية..بعدما أخذ الموقعون حصصهم وصرفوا صكوكهم وأعلنوا برائتهم ثم سوف يغسلون عملاتهم ويدفعوا صدقاتهم وتصبح الرشاوى الحرام بنظرهم مالاً حلالا وماءً زلالا.

والدرس المعتبر للمجتمع الدولي أن لا تقفوا ضد الفساد وتكشفوا المتورطين وإلا فسوف تخسروا صفقاتكم وتأثيركم على الحكومات الفاسدة ولن يعيلكم قانون ولا عدالة. وإلغاء الصفقة لا يعني محاربة الفساد بل هو جزء من محاولات التغطية ودرس للمجتمع الدولي بتبني الفساد وليس فضحه.

ولا يخفى على أي عراقي إنتشار الفساد الإداري لدرجة لم يسبق لها مثيل لكن حماية الفاسدين الكبار بذريعة تجنب الحرج لها تداعيات تفوق كثيرا مجرد حماية المقربين والحرص على وحدة الكتلة الحاكمة، فالإنتقائية في تطبيق القانون يفقد قدرة القوانين على الردع وينسف عمل هيئات العدالة من محاكم وإدعاء وشرطة من أساسها مما يؤثر بصورة مباشرة على الأمن والإستقرار.

الحل

ندلو بدلونا في موضوع الفساد ولا نتوقع الكثير. نرى أن الفساد عرض وطلب في سوق حرة تكاد تكون عديمة المقدرة على التحكم بواسطة القوانين والقضاء، حالها حال السلع التجارية وسوق الأفكار والعلاقات والمواقف والولاءات المعروضة للبيع. وسوق الفساد بحيرة مليئة بالأموال الحرام والمستثمرين في سوق السياسة وتأثيرات دول الجوار والسماسرة..الخ.. وهنالك آليات تساهم في مستوى البحيرة، شيئ يزيد في العرض أو الطلب وشيئ ينقص منها. وليس أمام إستراتيجية القضاء على الفساد إلا تجفيف هذه البحيرة وإستهلاك الأموال السائبة لأن القوانين لن تستطيع مواجهة هذا الطوفان من أموال السحت الحرام من ناحية والنفوس الضعيفة وثقافة الإنتفاع الموروثة من عصور الكبت والقهر السياسي من ناحية أخرى.

ولنبدأ بتفقد بعض هذه الآليات. قد يبدو لأول وهلة أن مركزية الإدارة هي الحل، سيما وأن المركزية قد أدت في السابق إلى تحديد الجهات المتعرضة لأغراءات الفساد وبالتالي قلت أعداد المشترين وضحلت البحيرة، لكن ظروف الماضي لم تستمر فقد كانت لدى السلطة آنذاك المقدرة والنية على محاسبة المخطئين وكان هنالك بقية من نزاهة وإستقلال القضاء. وبالتالي فأن مركزية القرار لم تعد تحسب في جانب محاربة الفساد بل أصبحت بعد ثبوت الإنتقائية في العدالة مجرد أداة من أدوات الفساد والتغطية عليه. الآليات المقترحة لأستهلاك البحيرة قد تبدو محابية للمفسدين في المدى القصير لكنها تأخذ من ممولي الفساد أكثر مما تعطي. من أسهل الطرق لمكافحة الفساد في المعاملات الرسمية هو خلق قنوات مرادفة لإنجاز المعاملات وعدم حصرها في إدارة واحدة، فهذا سوف يكسر إحتكار الإدارة الفاسدة وإذا تم إختيار موظفي القناة الرديفة بعناية وتوظيفهم بشفافية و شروط وإدارة كفوءة فأن نجاحها يمكن أن ينتقل من إدارة إلى أخرى، بحيث يزداد عرض الخدمات وتقل أسعارها بدون الحاجة لقوانين معطلة أو تحكيم أنتقائي. لكني أعتقد أن أهم ما هو جدير بالحماية هو العملية الإنتخابية، وهنا فأن الحساب مفقود والقضاء مسيس والعدالة محفوفة بالمخاطر لمن يجرأ على رفض الرشاوى فالتهم المفبركة جاهزة والتصفيات والعقابات سهلة. لذا فأن التحكم المباشر مستبعد وعوضا عن ذلك يمكن إستهلاك الفساد من خلال زيادة الطلب لدرجة كبيرة، أي مثلا جعل قرارات لجان المراقبة على التصويت نهائية وبذلك يتوزع هدف الفساد على قاعدة عريضة، وعدم الإعتماد على هيئة مركزية للإنتخابات لإعادة الفرز وإنما إعادة الإنتخابات في الدوائر ذات الخلافات بلجان جديدة.

هنالك المزيد من المقترحات والآليات الممكنة ولا نريد سردها ونبتعد عن الواقع الأليم الذي قد بلغ درجة من السوء لا يحتمل معها الإصلاح وقد يكون التغيير هو الأجدى.

The End