لا تطالبوا بالتغيير

July 22nd, 2018

جائت معظم إنقلابات الحكم في العراق بعد إحتجاجات شعبية والتي كانت تمهد للتغيير ولظهور قادة جدد بين ليلة وضحاها، ويتلي غليان العواطف بعد سنة أو سنين قلائل إنكشاف نوايا هؤلاء القادة، فجميعهم يضع إستمرارية بقائه وهيمنته على هرم السلطة في قمة أولوياته، فهو رجل العراق القوي الذي جاء بشرعية الإستحقاق الثوري وبذلك فقد وهبه الله حق الزعامة لأي فترة يختارها هو.

لا يخفى أن العديد من المراقبين والسياسيين والمشاركين في التظاهرات يأمل في التغيير على نفس طريقة السابق، أي بظهور رجل قوي آخر يفرض زعامته بالإستحقاق الثوري، وعلى طريقة هتلر وستالين يستطيع أن يعيد الكهرباء والوظائف والأمان إلى ما كانت عليه.

الجماهير اليوم تطالب بالتغيير بعد أن ضاقت ذرعاً بالطبقة السياسية الفاسدة لكنها مندفعة عاطفياً، فبعد المطالبة بنزاهة الإنتخابات وتوفير الكهرباء ومحاربة الفساد أضيف إلى القائمة توفير فرص العمل وإستكمال المشاريع المتوقفة وشحة المياه ومحاسبة المجرمين، وهذه كلها مطالب مشروعة لكنها توفر الذريعة لرفضها جملة وتفصيلاً لإرتفاع سقف المطالب عن قابلية الحكومة الواقعية للتنفيذ. والأهم من ذلك تبدو الإحتجاجات وكأنها تمهيد وخلق الضروف اللازمة لظهور دكتاتور جديد آخر، والشخص الممكن ظهوره الآن أما أن يكون عميلاً أيرانياً أو عميلاً أمريكياً، أو عميلاً مشتركاً بين الأثنين. و هذا بحد ذاته ليس خارجاً عن المألوف، فسوف يجادل البعض بأن جميع من جائنا مؤخرا كانوا على هذا المنوال، لكن الخسارة في أننا طالبنا بالتغيير وأهملنا آلية المحاسبة أي نزاهة الإنتخابات والتي كانت المطلب الأساسي للمتظاهرين، لذا فقد نحصل على تغيير في الوجوه لكن بدون القابلية على محاسبتها وتغييرها.

أن المطالبة بنزاهة الإنتخابات يختزل جميع المطالب الأخرى لأنه آلية جذرية مستمرة وليس تغييرا وقتيا غير مضمون النتائج، لذا أدعو أخوتي وأبنائي المتظاهرين إلى إعادة تحديد أولوياتهم: لا تطالبوا بالتغيير بل طالبوا بآلية التغير أي بنزاهة الإنتخابات.

والحل الذي أراه ممكنا هو في إبطال نتائج الإنتخابات وإستمرار حكومة العبادي لتصريف الأعمال لسنتين على أن تدعو إلى إنتخابات جديدة تحت إدارة الأمم المتحدة.

The End

أطردوا ماغورك

May 28th, 2018

بريت ماغورك هو مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للعراق، المعروف عنه علاقته الوطيدة مع السياسيين العراقيين المكفولين أيرانيا كرئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

أرجو عدم إسائة فهم كلماتي، ليس خطأ أن تقيم الولايات المتحدة علاقات جيدة مع أعداء محتملين لكي تتجنب التورط في منازعات طويلة ومكلفة وبلا نتيجة. فقد صرح الرئيس أوباما قبل إنتخابة بأنه سوف يتبنى سياسة الإنسحاب العسكري الكامل من العراق، والإنسحاب الكامل لم يكن ممكناُ في حينها بدون التنسيق مع أيران. كانت أفكار ماغورك مناسبة لتحقيق هذا الهدف وكان الرجل المناسب في الوظيفة المناسبة.

لكن الأمر الآن قد إختلف فالإنتخابات التي جرت مؤخرا كانت تحت إدارة هيئة الإنتخابات “المستقلة” والتي يتبع أعضائها الأحزاب السياسية الفاسدة المتقاسمة الحكم. وتشير التقارير الواردة من محطات الإنتخابات الفرعية بأن المساهمات الشعبية في التصويت كانت متدنية جداً، وغالبا لا تزيد على 30%. ولكننا تفاجئنا قبيل إغلاق صناديق الإقتراع بأن التقرير الرسمي لهيئة الإنتخابات يشير بأن المساهمة كانت حوالي 45%.

وهذا قد أثار حفيظتي لأن أغلب معارفي من العراقيين قاطعو الأنتخابات هذا العام (شخصياً أنني قد ساهمت بالأنخابات وأصبعي المصبوغ بالحبر يشهد على ذلك).

ليس لدى مفوضية الإنتخابات إحتكاراُ على رؤية الحقيقة لكن ماغورك يتصرف وكأنها كذلك. أن العديد من العراقيين يرون المغالاة بتقديرات المساهمة بأنها مجرد المرحلة الأولى في تزوير الأنتخابات، والتي تعودنا عليها من الإنتخابات السابقة.
.واليوم عاد ماغورك إلى بغداد من أجل طبخ صفقة جديدة تتعامى على الفساد والتزوير

كنا نتوقع أن تؤدي الإنتخابات إلى التغير السلمي للسلطة لكنها تحولت إلى مجرد ختم لأستمرار الوضع القائم وأداة للتستر على فساد المسؤولين الكبار، ولهذا السبب بالذات قاطع العديد من العراقيين هذه الإنتخابات. ومن المحزن أن نرى مبعوث الرئيس الأمريكي وهو يقوم بدور الشيف الرئيسي لهذا التحول القبيح.

ينبغي أن يبعد بريت ماغورك عن دور التأثير في الشأن العراقي وأن تعاد الإنتخابات تحت إشراف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

أن إجراء إنتخابات نظيفة تحت الإشراف الدولي لا ينفع العراق فحسب، بل سوف يكون رائداُ لجميع شعوب المنطقة والتي يعاني جميعها من أحكام غير ديمقراطية

أعتذر لفنان الكاريكاتير المبدع منا نيستاني لتغير العلم

The End

Fire McGurk

May 13th, 2018

Brett McGurk is the special US presidential envoy to Iraq, he is well known for his cosy relationship with Iranian sponsored Iraqi politicians such as Maliki.

Please don’t get me wrong, there is nothing wrong with having a good relationship with potential adversaries who might drag you into long, costly and fruitless confrontations. Before his election, Pres. Obama declared a policy of full military withdrawal from Iraq. Full withdrawal from Iraq could not be achieved without coordination with Iran, McGurk had the right ideas and was the right man for the right job then.

Now the situation is different. The Iraqi elections which ran today was controlled by the “Independent” High Electoral Commission, composed proportionately by the most corrupt political parties in the government. Reports from branch stations indicate dismal participation; mostly no more than 30%. However, just before closing the polls the official word from the High Commission came out with an overall participation figure of 45%.

This raised a red flag to me because most of the Iraqis I know boycotted this year’s elections (I did participate and I have the inked finger to prove it!).

The Iraqi Elections High Commission has no monopoly over truth but McGurk acts as if it does. To many Iraqis the over estimation of participation is just the first stage of election forgery which we have seen all too clearly in previous elections.

McGurk is back in Baghdad today to start cooking another turn-a-blind-eye deal to corruption and fraud.

Elections were expected to be the tool to peaceful change, instead they became no more than a rubber stamp for the status quo and a cover up to corrupt high officials, this is why so many Iraqis did not bother to show up at the election stations. It is sad to see the envoy of the POTUS as the chief cook to this ugly transformation.

To restore faith in democracy Brett McGurk should be removed from influencing Iraqi affairs and the elections should be re-run under the supervision of the UN Security Council.

A clean UN run elections in Iraq is beneficial not only to Iraq but to the peoples of the region, all of whom suffer from undemocratic regimes.

Apologies for the flag alteration to the original cartoon artist Mana Neyestani.

The End

أفكار إنتخابية

February 19th, 2018

بمناسبة الإنتخابات النيابية العراقية القادمة أدعوكم لأختيار قائمة رقم 106 التحالف المدني الديمقراطي للدكتور غسان العطية وأقدم ملخصاً لبعض الأفكار التي سبق وأن قدمتها بتفصيل أعمق أو بشكل مختلف بعض الشيء، عسى أن يعيد طرحها أحد المرشحين في الإنتخابات.

عاش العراق على مر العصور بتعددياتة الدينية والعرقية وهي آمنة في مناطقها تمارس طقوسها وتنفذ أحكامها على أتباعها. أن ما نراه اليوم من إقصاء وتسلط هو بدعة جديدة جائت نتيجة لظروف وقتية من إفتقار للأمن وليس من أصالة في المجتمع العراقي أو الدين الإسلامي. ندعو لإعادة صياغة الدستور بالرجوع إلى تقاليد وقيم إجتماعية محلية من خلال إستشارة علماء الإجتماع والتاريخ .

قال علي بن أبي طالب عليه السلام “القرآن حمال أوجه”، وعمم علي الوردي المقولة بأن الدين حمال أوجه، ومن ناحية أخرى فالسياسة ليس لها دين وهي في النهاية مقارنة بين أوجه قد تكون بعضها أو في مجملها مقبولة دينياً، فالدين صحيح والسياسة دقيقة وكل منهما يخدم حاجة مختلفة في المجتمع ولا مجال لإحلال أحدهما محل الآخر.

القرآن حمال أوجه والوجه الليبرالي أقربها نفعاً للمسلمين، لذا فهو الأصلح لحماية مصالحهم وأرواحهم في العصر الحاضر.

تقهقر البناء السياسي للدولة مع كل تغيير جاء بعد 14 تموز وتعاقبت الدكتاتوريات من سيء إلى أسوأ. إن الذين يدعون بأن الحل يأتي مع تنصيب دكتاتورية جديدة تعمل في صالح الوطن إنما يتجاهلون الواقع السيء لجميع الدكتاتوريات السابقة ويحلمون بقدوم شخصية خيالية لتنفيذ مهمة مستحيلة. أن الخلل لا يحله فرد أو مجموعة صغيرة من الأفراد، فالخلل هيكلي لا يحله إلا إعادة تأهيل مؤسسات الدولة بصورة جذرية، والإعتماد على دكتاتور جديد يفترض أنه سوف يعمل لمصلحة العراق الواسعة وليس لمصلحته أو لمصلحة حزبه أو مكونه الضيقة ليس سوى مخاطرة ساذجة لا يساندها الواقع التاريخي .

هنالك وقائع بحصول التزوير في جميع الإنتخابات السابقة ولا شك بأن التزوير هو فساد مباشر ويساهم في دعم الطائفية، لذلك فنزاهة الإنتخابات شرط أساسي لمحاربة الطائفية وإختيار قادة الهيئات القضائية والإدارية بالإقتراع المباشر وسيلة ضرورية لمحاربة الفساد. مشاكل الديمقراطية تحل بالمزيد من الديمقراطية وليس بإلغائها أو بالإنقلاب العسكري الذي يأتي بإداريين يتمتعون بإسناد الحاكم وهم بذلك لا يخضعون للحساب. الدكتاتورية سوف لن تحل مشاكلنا.

الدولة الاسلامية والجمهورية الاسلامية والدولة العبرية جميعها دول دينية إقصائية لبقية الأديان تعود أسسها لعصور خلت وليس للقرن الحادي والعشرين. وجود هذه الدول الدينية يشكل بيئة مساعدة لبعضها البعض رغم العداء السافر بينها، فالتطرف يساعد التطرف المعاكس لكننا لا ندَعي بأن إحدى هذه الدول قد خططت أو تعمدت دعم دولة دينية أخرى، فهذا الإدعاء لا يسانده الواقع وهو لا يخدم سوى دعاة نظرية المؤامرة. نحن ندعو لمجابهة الأنظمة الدينية ليس من خلال إعتماد الدين أو الطائفة إنما بالرجوع إلى أرضية وطنية وقومية.

ساهمت الولايات المتحدة من خلال دعمها الطويل الأمد للدولة العبرية في خلق البيئة المناسبة لتطور الدول الدينية في منطقة الشرق الأوسط وأدت سياساتها قصيرة الأمد في العراق من خلال الشراكة الفعلية مع الجمهورية الإسلامية إلى عدم الإستقرار في المنطقة وهدر موارد العراق، وبذلك تتحمل المسئولية لأعادة البناء والتحرك في العراق والمنطقة من خلال الشرعية الدولية.

الشعوب الأيرانية والتركية شعوب شقيقة تشاركنا الأصول الدينية والعرقية والثقافية والقيم، ولا شك أن كلاهما قد إستفاد من هدر الأموال العامة منذ الإحتلال، لكن يبقى الواقع التاريخي لمجتمعاتنا أقوى وأعظم أهمية من المواجهات الوقتية. المواجهة مع الجيران ينبغي أن تكون محدودة بحيث لا تتعدى مصلحة الشعوب.

أن المواجهة المكشوفة مع دول الجوار يسئ إلى مصلحة شعوب المنطقة ويهدر الموارد ويدعو إلى تدخل الدول الأجنبية ويسبب عدم الإستقرار وينشر الخوف في مجتمعاتنا.
أرى أن سياسة صدام حسين في الحرب سابقا وسياسة المملكة العربية السعودية في التدخل المكشوف في اليمن وسياسة تركيا في تعقب مواطنيها عسكريا داخل الأراضي العراقية حاليا جميعها من قبيل السياسات الكارثية الإنفعالية ذات الأهداف القصيرة الأجل والتي تصدر المشاكل الداخلية لهذه الدول إلى جاراتها، والحلول الحقيقية تكمن في معالجة الأسباب الداخلية التي أدت إلى إفساد علاقات حسن الجوار، هذه العلاقات التي كانت إحدى ركائز السياسة الخارجية في العهد الملكي في العراق.

The End

مذكرات تحسين قدري

November 3rd, 2017

الوفد العربي لمؤتمر الصلح في فرساي ١٩١٩

الوفد العربي لمؤتمر الصلح في فرساي عام 1919 بقيادة الأمير فيصل، ويشاهد في الصف الثاني من اليسار رستم حيدر رئيس الديوان، وهو الأخ بالرضاعة لتحسين قدري، ونوري السعيد قائد الجيش النظامي والكابتن بيزاني الفرنسي قائد كتيبة المدفعية الجبلية ثم لورنس وتحسين قدري.

يمثل قبول الوفد العربي لمؤتمر الصلح حدثا تاريخياً جاء نتيجة لنضال وتضحيات كبيرة. هذه المذكرات هي شهادة تحسين قدري في هذا النضال من جانبي القتال، وهذا ما يجعلها فريدة وثمينة من الناحية التاريخية.

تسلم تحسين قدري بعد مؤتمر السلام العديد من المناصب السياسية والدبلوماسية لكنه توقف عن تدوين مذكراته، وكان يرد بأن كشف ذكرياته للفترة التالية كانت سوف تؤدي لأيذاء أفراد وجماعات على قيد الحياة، وكان يشير إلى مذكرات أحمد قدري ورستم حيدر للأحداث السياسية التالية، وكلاهما كان قد نشر مذكرات موسعة.

قام صديقي العزيز الدكتور سيار الجميل بتقديم هذه المذكرات للنشر بجريدة الزمان، وهذه هي الروابط جميعها.

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الرابعة

الحلقة الرابعة

الحلقة الخامسة

الحلقة السادسة

الحلقة السابعة

الحلقة الثامنة

الحلقة التاسعة

الحلقة العاشرة

The End

داعش بين الخير والشر

January 11th, 2017

تصرفات وقرارات الإنسان فيها الخير والشر متلازمان لبعضهما البعض ويتواجدان في جميع النتائج والأحداث.

التصرفات هي أمورت حصلت وتبين فيها مقادير الخير والشر، وقد نختلف في مقاييسها لكنها ثابتة في الماضي وتفاصيلها منظورة للباحث في الوقت الحاضر.

أما القرارات فهي تخص الأمور المستقبلية ولابد من إعتبار تعددية النتائج قبل الشروع في التنفيذ.

والتعددية واجبة في توقعات الخير والشر فهنالك عوائد وإحتمالات مختلفة ولابد من تقديرها مسبقا من أجل حساب العائد من الثواب والعقاب.

والدين، أي كانت عقيدتنا، هو مرجعيتنا الأخيرة في التحكيم بين الخير والشر أو الحق والباطل أو الحلال والحرام، وهو صحيح للمؤمنين في مقاييسه، فالنص الديني مطلق لا يتغير وينبغي الرجوع إليه بشكل ما في تصرفاتنا وقراراتنا.

وقد نكتفي بالرجوع للأحكام الدينية في مقاييس التصرفات والنتائج للأحداث الماضية لأنها تبدو ثابتة ومطلقة لكن لا يمكننا أن نكتفي بالدين في تحديد قراراتنا للمستقبل.

فالقرارات لها بدائل متعددة ويستوجب المقارنة في مقادير وتواقيت النتائج المتوقعة بين بدائل الخير من ناحية وبدائل الشر من ناحية أخرى. وهنا يأتي دور السياسة، فالسياسة تبحث في المقارنة بين البدائل الحاضرة والممكنة في المستقبل المنظور، ولا تهتم (عادة) بما هو حلال أو حرام. أي أن الأمور السياسية نسبية وليست مطلقة.

فالدين مطلق له حقوله الخاصة والسياسة نسبية لها إختصاصاتها وليس بالضرورة أن يختلطا أو يختلفا، كل منهما رافد يغذي قرارات الإنسان بماء مختلف.

فالأيمان ثوب فضفاض يتسع للكثير من الأحكام والتفاسير، فتداول الحكم بالمشورة وما يشبه الديمقراطية للخلفاء الراشدين من الإسلام وتداول الخلافة بالتوارث إسلام ورفض الخلافة والولاية في الأندلس إسلام والخلفاء العادلين والظالمين كلهم في الشرع سواسية. والتمييز بين العادل والأكثر عدلاً وبين الظالم والأقل ظلما لا يتم بالرجوع للدين وإنما بالمقارنات الموقوتة بينهم.

تأخذ الأمور منحى التعقيد حينما ننظر لحجج وأفكار التيارات الأسلامية المعاصرة وتبدو على أشد التناقض في تفسير السياسات الداعشية ، مثلا حين يعدم أحد أإمة المساجد في الموصل ميدانياً والسبب أنه لم يوافق على مبايعة “الخليفة” البغدادي لأنه لا يعرفه ولا يعرف أفكاره..وفسر القائد الميداني هذا العمل الشنيع بأنه إتبع السنة والحديث النبوي القائل: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الأيمان. والقائد الميداني هذا رأى منكراً في رفض البيعة للأمام البغدادي فغيره بقوة يده وقطع رقبته ..وبذلك فأنه في رأي القائد حكم ديني إسلامي مبرر..

ولايختلف الأديان والمتديينين في هذا، فمسيحيي جنوب الولايات المتحدة لم يدينوا منظمة الكو كلاكس كلان التي إقترفت أبشع الجرائم تحت راية الصليب المحترق، وبابا الفاتيكان لم يدين هتلر الكاثوليكي الذي حارب تحت راية الصليب المعقوف، والمراجع السنية التي لا تدين داعش والشيعية التي تساند دولة البراميل المتفجرة. وهذه جميعها أمثلة لسياسات دينية بالأسم لكنها في نهاية الأمر ليست أكثر من ختم تجاري لتمشية سلعة فاسدة ووشاح ساتر لتمرير لعبة الساحر.

وهنا صورة الحاخام قدوري، الذي أصبح فيما بعد عراب العنف وإستقصاء غير اليهود من الدولة العبرية، يشاهد هنا وهو يقدم تهاني العيد حوالي عام ١٩٢٢ أمام بلاط فيصل الأول رائد دولة المؤسسات في العراق، حيث تعايش اليهود مع غيرهم لآلاف السنين. قد تهم هذه الصورة السادة ذوي الإهتمام بتقدير سنة ولادة الحاخام حيث بدأ الشيب في شعره ! أي أن اليهودية لا تختلف عن غيرها من الأديان في إتساعها للخير والشر.

نرى أن الحكم النهائي على الأعمال السياسية لا يمكن الرجوع فيه إلى الدين رغم أنه يقع داخل ثوب الأيمان الواسع. والرجوع للدين في تبرير الشرور المرتكبة لأسباب سياسية ما هو إلا إستعمال في غير محله ومجادلة سياسية بحتة تنطوي على إحتقار عقلية المقابل.

The End

خواطر أوراق فيصل الأول

November 18th, 2016

طالعت كتاب أوراق الملك فيصل ملك العراق، تأليف أ. محمد يونس العبادي والصادر في عمان عام ٢٠١٤. إستوقفتني عدة فقرات ذات علاقة بأحداث أو مواقف في الوقت الحاضر، هذه خلاصة خواطري:

من أقوال فيصل الأول : نحن عرب قبل أن نكون مسلمين وأن محمداً لعربي قبل أن يكون نبياً، نحن عرب قبل موسى وعيسى ومحمد

هذه الجملة المفيدة ليست مجرد خلاصة مبدأية، أنها تعبر عن موقف أستراتيجي في مواجهة تركيا الطورانية يؤكد على الإنتماء العربي كدافع يحفز الجماهير للمشاركة في الحرب العالمية الأولى. والعروبة تتقاطع مع الطورانية في الهدف لكنها تشترك معها في طريقة النظر للواقع، فكلاهما ينظر للإنتماء القومي أولا وفوق الإنتماء الديني أو الطائفي. لكننا اليوم نجد أن معظم الفصائل السياسية في العراق العربي تشترك في أن مرجعيتها دينية في نظرتها للواقع، أي أن الإختلاف الأساسي بين فكر الأمس واليوم هو في طريقة النظر للواقع وليس بسبب إختلافات سياسية.

وفي بيان اللجنة التنفيذية العربية فلسطين في وفاة فيصل الأول

“إنا لله وإنا إليه راجعون”
تنعى اللجنة التنفيذية العربية إلى الأمة العربية بملء الحزن والأسف قطب رحى الوحدة العربية والعاهل الأكبر صاحب الجلالة الملك فيصل الأول ملك العراق العظيم.. أيها الفلسطينيون، لقد مات فيصل الأول المحبوب الذي كان أسمه ملء الأفواه وذكره ملء الأسماع وحبه متغلغلاً في شغاف كل قلب عربي..وأن كلمة “فيصل” اصبحت قرينة المجد ورفيقة الحرية والتضحية فعلى كل عربي اليوم في فلسطين والأقطار العربية الأخر أن يتلقى هذه المصيبة الجلى والكارثة العظمى بالصبر والجلد..رئيس اللجنة التنفيذية العربية موسى كاظم الحسيني

إستوقفتني هذه العبارات الدافئة لأنها تتناقض مع مفاهيم بعض الأخوة الفلسطينيين حول مسببات النكبة، حيث أنهم يعزونها لقبول فيصل الأول لتوطين بعض اليهود في مساحات محددة من فلسطين خلال مفاوضات معاهدة فرساي. وأشد ما أثار إنتباهي هو تاريخ هذا النعي في عام ١٩٣٣، أي بعد ١٦ عاماً بعد معاهدة فرساي وحينها لم يكن الوجود الصهيوني قد كبر في فلسطين ولم تكن هنالك نكبة ١٩٤٨ وربما إعتقد عرب فلسطين في حينها أنهم قادرون على فرض سيطرتهم على الجماعات اليهودية لكن فيصلاً كان أبعد نظراً، فكما علمت خلال حوار مع جدي أن عرض مساحات محددة وشروط معروفة لقبول هجرة اليهود خلال مفاوضات فرساي كان من أجل خلق قواعد للتحاسب والتنظيم ولتحديد الهجرة حسب المساحات المتوفرة. ومن ناحية أخرى كان لرأس المال اليهودي دوراً مهماً في دعم الحلفاء وصوت مسموع في مؤتمر فرساي ولم يكن واقعياً تجاهل مطالبهم خلال المفاوضات، في حين ان جبهات الرفض كانت قد ساندت الجانب الخاسر في الحرب. لكن الفكرة رفضت مما فتح باب الهجرة على مصراعية بلا حساب.
ينسى البعض أو يتناسى بأن فيصلاً قد شارك في مؤتمر فرساي وتوج ملكا على سوريا ثم على العراق بالإستحقاق النضالي، أجل لقد ساعده الأنجليز والميس بل وبالغت الصحافة الفرنسية في تهويل ذلك وهاجمته، ربما لكي تصرف الأنظار عن دور فرنسا الهزيل في مواجهة جيوش الدولة العثمانية، لكن العامل الأهم في تنفيذ إستحقاقته هو دور جيشه ومساهمته في إحراز النصر للحلفاء في ميادين الشرق الأوسط.
فهنالك من يجد علاقة منطقية بين شخص إقترح حلاً لمشكلة فلسطين عام ١٩١٧ ولم يُقبل هذا الإقتراح وبين أحداث نكبة ١٩٤٨، واليوم في العراق نجد من يدعي بأن سبب مشاكلنا الآن لا يزال شخصية صدام حسين الذي أعدم منذ ١٣ عاماً، وأنني أتسائل هل سوف نستمر في تعليق مشاكلنا على شماعة الموتى حتى عام ٢٠٤١؟

وفي رثائه نعت الصحف التركية قائلة:

أن الملك فيصل إشتغل في الحرب العالمية الثانية ضد تركيا..إننا كأتراك يسرنا جدا أن يخمد العراقيون فتنة محلية (الآشورية) بنفسهم، إلا أنه يسوئنا جدا أيضا وفاة الملك فيصل الذي كان صديقا لنا عاملا على إزالة كل سوء تفاهم بين الأمتين العربية والتركية ساعيا في سبيل ربط البلدين بروابط الصداقة والولاء.

لقد فاجئني مدى الإحترام والتقدير الذي عبرت عنه الصحيفة التركية والذي جاء بعد بضع سنوات من قتال ضروس في حرب عالمية، أنني لا أتصور وسائل الإعلام الأوربية تتحدث عن غرائمهم السابقين مثل هتلر أو موسوليني بنفس التقدير.
.لم ينسى فيصل جذوره وإنتمائه الديني لكنه رفض الأنصياع لهيمنة تركيا وفاز على إحترام الأعداء قبل الأصدقاء

. يبدو لي أننا بحاجة لنسخة جديدة منه تنتمي للطائفة الشيعية وتواجه أيران بنفس ما واجه به تركيا وتحضى منها بنفس الإحترام وتعتمد على مواردنا المحلية ووحدة صفوفنا الداخلية وليس على الدعم الخارجي لأخماد فتنة الدواعش.

The End

From the Sublime to the Profane: American Blunders in the Middle East

June 20th, 2016

In remarks by ambassador (ret.) Charles W Freeman, author of America’s Continuing Misadventures in the Middle East published on nationalinterest.org on June 13, 2016, he talks about the geopolitical dynamics of the Middle East and how “so much has gone wrong that it is hard to be either brief or optimistic.”
Ambassador Freeman goes through what america keeps getting wrong in the Middle East in eight blunders.

Blunder #1: 1991 The failure to translate military triumph over Saddam into a peace with Baghdad, the US translated UN resolution 687 into a military vision of imposing new balance of power but no diplomatic plan for peace.

Blunder #2: 1993-2003 The abandonment of long standing minimal intervention Persian gulf policy of balance of power with a more direct and expensive “dual containment” of Iraq and Iran. This led eventually to the destabilization of Iraq and Syria and the rise of ISIS.

Blunder #3: 2001 The unthoughtful expansion of mission in Afghanistan from limited expedition into a long term pacification campaign to prevent an Islamist government in Kabul, the direct and expanded involvement produced Islamist backlash.

Blunder #4: 2002 The introduction of drone warfare into Afghanistan. The high casualties and robotic nature of drone attacks led to the spread of backlash into many more countries.

Blunder #5: 2003 The implicit aid to Iran in invading Iraq which helped expand Iran’s regional sphere of influence, devalued the US military power and set off a sectarian struggle whose disastrous consequences are plain to see by all but its policy makers.

Blunder #6: Current, The focus on religion as the cause of protest when it is only the means of expressing deep rooted political grievances.

Blunder #7: 1973 The policy of maintaining Israeli qualitative military edge over its neighbors, leads naturally to “the so-called “peace process” would always be stillborn.” The US direct military guarantee leads to political confidence since (the argument behind any political argument is war!).

Blunder #8: Current, political decisions based on ideology and stereotyping rather than verified information.

Ambassador Freeman then compares between the U.S. early strategy in Afghanistan and the Russian present policy in Syria. Both used modest proportion of military resources to tip existing balance of power and achieved stable victories with allies in control, but the US expanded its mission to exclude Taliban. Most Taliban are Pashtun, who constitute the largest ethnicity in Afghanistan. The initial stable victory of the US and its allies turned into instability and the backlash to strength for Taliban.

The remarks so far seem to me like correct diagnosis to a complex world problem, they leave no doubt as to who made the political calculation and who called the shots. Ambassador Freeman was very perceptive when he remarked that the “blunders have been compounded by the consistent substitution of military tactics for strategy”. Strategies are long term goals, tactics are short term military campaigns “that aim at no defined political end state (and) are violence for the sake of violence that demonstrably create more problems than they solve. As a cyberneticist, I am tempted to find a common thread that goes deeper than this remark.

No outsider can blame a leader for selecting short term gains over long term strategies, specially in a democracy where the election cycle is 4-5 years. However, when the leader is the president of the only superpower in the world the contrast takes a special meaning. The choice poses the question: Is the policy in the narrow interest of the U.S. or supporting the wide collective interest of world order? There is no wrong answer here but the continuation of narrow interest policy is an abandonment of superpower status, notwithstanding the large margin of U.S. defense spending over the rest of the world.

The long term wide option may not describe a policy of open handed generosity as the presumptive republican presidential nominee would like to illustrate; Trump wants to ask U.S. allies to pay protection money to the U.S. In reality, asking for protection money is an abandonment of leadership because the client states will have the choice of paying different states, which may be closer and more focused on the needs of the clients.

The policy contrast is not based only on scope; wide vs. narrow. The contrast is of the response to perceived instabilities and how to deal with them. Dealing with world flash points and instabilities poses an important question: Should the instabilities be dealt with locally or globally? The question is important because it relates directly to cost; who pays for stabilizing a situation, the U.S. or some regional beneficiaries?

The common thread I saw in all the blunders is a clear U.S. preference of wanting to go it alone in the beginning, and when the costs show up and mount, to look for allies to dump the losing venture on. The option of creating a self regulating system does not seem to be considered; the practice of opposition exclusion was followed in Afghanistan with Taliban and in Iraq with the Baathists. The argument to justify the exclusions is well known and rely on the position of the U.S. allies but ignores to account for the wishes of the principal actor, it is as if the U.S. is being led by very minor partners, really led, guided and made to bat for aspiring dictators. The cost of direct intervention seems to be ignored until the train leaves the station; in 2003 Russia and France proposed to let the U.N. run the elections in Iraq, this would have reduced outside intervention, created confidence and started a reliable self regulating political system. Yet, the U.S. refused the Russo-French overture.

All the blunders and remarks rang true and sublime in my mind, so where is the profane? I started feeling uneasy when I read the recommendation of Ambassador Freeman regarding sharing influence; particularly his call to Saudi Arabia to cooperate with Arab Shiites who see themselves different from conservative Iranians. Apart from practical attitudes, the Saudis are not known for Arab nationalism, an appeal based on Arabism will seem so artificial. President Obama had visited Saudi Arabia recently and invited the Saudis to “Share Influence” with Iran instead of confrontation, the media reported cool reception to the president. My unease was also because the President and Ambassador Freeman were preaching change to local attitudes when all the remarks point to U.S. policy as the cause. It is understandable that the Ambassador in his role as an adviser to the administration would limit his advise to actionable steps near the end of President Obama’s mandate, yet to bring an advice for Saudi action in the context of U.S. blunders seems odd to me. However, odd is not profane so the question remains.

Inviting the Saudis to share influence over the Middle East creates a piercing question: How to share, or based on what principle? Iran is a theocracy, Saudi Arabia is built on an alliance with Salafi Wahabism, the obvious answer is: Share according to your sect. This principle when proposed by the secular U.S. is shameful. It seems like a blaring demonstration of the U.S. being led by less principled allies, the U.S. is batting for sectarianism and compounding the mistake of turning Iraq into a sectarian state by expanding the experience to the whole region.

It is profane for the U.S. to adopt sectarian divisions in Afghanistan and the Middle East when all governments in recent history were secular.

The End

نقارن أم لا نقارن؟

May 28th, 2016

تكثر هذه الأيام حالات الحنين إلى الماضي والمفاضلة بين حقبة فاتت وما نعاني منه الآن من فوضى وعدم إستقرار. وهنالك العديد من الآراء التي تقول بأن الحياة تحت حكم صدام كانت أحسن من الآن، وهذه المقارنة بالذات أثارت صديق عزيز مما دعاه للمناداة بعدم المقارنة مع أحقاب الماضي فجميعها سيئة من وجهة نظره.

هذا النداء يدعونا للتأمل واتخاذ موقفا بين المقارنة والإمتناع. فمن ناحية عملية فالمقارنين الآن هم كثر وربما اكثرية بين المعلقين العراقيين في وسائل الإتصالات الأجتماعية والوقوف أمامهم مضيعة للوقت، لكن تساؤلنا هو: هل يوجد مبرر للإمتناع عن المقارنة والإلتزام بالموقف الذي يدعو إلى إعتبار جميع الحقبات الماضية سيئة ولا تصح المقارنة مع الحاضر؟

سبق وأن أشرت إلى مقاييس السياسة والدين وكيف أنهما يختلفان في الدقة والأمانة، فالدين مقياس ذو أمانة ويقاس بالمقارنة مع قيم إلهية ووظيفته تحديد ما هو الخير والشر، فالخير خير دائم والشر لا يتغير في صفته العامة والحساب مع الرب في يوم الحساب. في حين أن السياسة مقياس دقيق وتقاس بالمقارنة مع بدائل مطروحة في لحظة ما لكي تحدد الفروقات بين العوائد والمحاذير، والسياسي له أن يختار البديل المناسب لتلك اللحظة وإذا تغير الزمن تبعته التغيرات اللتي قد تكون عميقة للبدائل المطروحة.

أن الدعوة لعدم المقارنة مع حقبات الماضي لو جائت من رجل دين لما كانت مستغربة لكنها تأتي كوسيلة لتحديد البدائل السياسية، وأحداث الماضي القريب حتى لو كانت غير قابلة للإعادة بصورة مطابقة لكنها تطرح البدائل التي تحدد نواقص الحقبة الحالية، وإلا فكيف نحدد ما كان موجوداً سابقاً ولكنه فقد أو إنعدم الآن مما يستدعي الحنين إلى زمن الدكتاتورية؟

لذا فأنني أقول أن المقارنات بين الأنظمة الحالية والسابقة بالوقت القريب ضرورية لأبداء الرأي السياسي لكنها ليست من صميم المقاييس الدينية. وأن الدعوة للإمتناع عن المقارنة لا يمكن أن تأتي من إعتبارات سياسية مبررة.

The End

معنى أن الخلل هيكلي

March 25th, 2016

لا عتب على كلام الذين يمارسون جلد الذات في مقالاتهم عن مجتمعنا المنهار، وفيهم الكثير من المثقفين ذوي التحصيل الدراسي العالي، الذين يلومون الأفراد لضعف الأخلاق والجشع والقسوة، فالمظاهر واضحة والإنحطاط مرتسم على وجوه الفاسدين. والنصائح تأتي بالإلتزام بالتعاليم الدينية وبالتقاليد والشرف والأخلاق والثقافة، وهذه جميعا من صفات الفرد التي يكتسبها من والديه أو مدرسته أو معارفه المقربين. لكنها تبقى محصورة في سلوكيات الأفراد وطرق تفكيرهم وليس في أسباب هيكلية كغياب مؤسسات الدولة وإنحياز القضاء وتسييس الوظائف وفقدان العدالة في محاسبة الفساد.

وليس الإنتباه الزائد للأسباب الأخلاقية والفردية محصور في العراق والعراقيين فقد إنتشرت في وسائل الإعلام حكاية ذات صلة، والسرد كان حول خبير إقتصادي في دولة أفريقية كثر فيها الفساد، أشار الخبير على حكومتها أن ترفع مستوى الدخل للأجهزة الأمنية والموظفين المرتشين بحيث لا تكون حاجة الأفراد للمال هي الدافع والذريعة لقبول الرشوة، وكانت المفاجئة أن المرتشين لم يتوقفوا عن تلقي رشاويهم بعد زيادة رواتبهم بل أصبحوا يطالبون بمبالغ أكبر. وفشل الخبير في في منع الفساد عن طريق معالجة الحوافز الفردية بعد أن كلف دولته الفقيرة المال الكثير.

لكن البرهان فينا ونحن نتنقل بين البلدان بحثا عن الإستقرار، فالعراقي أو السوري أو العربي الذي عاش جل حياته في محيط فاسد لا يستمر فساده حين يغادر إلى بلد الهجرة، ولا ينشئ أبنائه في المهجر على الفساد ولا يفاخر وينصح الآخرين بالسرقة، والإحصائيات لا تجد فروقات مسيئة تخصنا نحن وتصرفاتنا ولا يشترك فيها غيرنا من المهاجرين. والأهم من ذلك نجد العكس، فالأمريكي أو الأوربي حين يحل بيننا نجده وقد تحول إلى سارق ومرتشي وكذاب والسبب بسيط وواضح: لا يوجد حساب ولا قضاء وإن وجد فسوف يطبق في الخارج في بلد الأجنبي الأصلي وليس في العراق.أو بمعنى أن العامل الأهم في سلوكيات الأفراد ليس في أخلاقياتهم وإنما في فعالية مؤسسات الدولة، أي في هيكل المجتمع الذي يعيشون فيه.

الخلل هيكلي تعني أن أشرف الناس حين يعاشر فساد بغداد سوف يكون منهم ويتصرف مثلهم في قبول الرشاوي إذا لم ينصرف عنهم وعن سبلهم. وأن الذي لا يخشى العقاب في العراق سوف يتأكد وبسرعة بأنه لن يتمكن من الإفلات من المسائلة في بلاد المهجر.

The End